فايز الطراونة.. عاشق واقتصادي اقتنصته السياسة من “صقور الجو”
نيسان ـ نشر في 2019-01-13 الساعة 11:53
x
نيسان ـ إبراهيم قبيلات
بعد نحو عقدين من دخوله "الرابع" مسؤولاً عن إنشاء المكتب الاقتصادي؛ أخذ مفتاح مشروعه السياسي، بتشكيل حكومته الأولى، بقرار من الملك الراحل الحسين بن طلال؛ فحمل فرحته في ساعات الفجر الأولى إلى بيته في أم أذنية؛ ليخبر زوجته وشريكة دربه بالقرار.
كانت المشاعر أكثر من مختلطة في وجدان رئيس الوزراء الأسبق، فايز أحمد محمود حمد خلف الطراونة، وهو يتلقى تكليفه بتشكيل الحكومة من الحسين عبر الهاتف، كانت رويدا، وجهته وملاذه، فذهب يوقظها من نومها، يقول الطراونة موجهاً كلامه لأم زيد "بآمانة الله لولاك ما وصلت إلى هذا الحد من المسؤولية".
لعل "رويدا" الزوجة أحد أهم أسرار الرجل ومفاتيح مشواره، فهي أول الحب وأعذبه، قصة حدثت فصولها في الجامعة الأردنية أواخر ستينيات القرن الماضي؛ فغيرت كثيراً من مسار حياة الطراونة وأهدافه.
إنه الحب حين لا يستأذن قلباً، فتصبح معه المشاعر "باروميتر" نجاح واستقرار، هذا تماما ما حدث مع الطراونة الذي أخذه الحب في ساحة الجامعة، بمجرد ان وقعت عيناه على صبية جميلة من القدس، طلب من زميلاته خلق فرصة تعارف بينه وبينها.
وقبل أن يلتقي برويدا كانت الدراسة في كلية الاقتصاد بالنسبة له مجرد سنة دراسية، وعليه أن يمضيها كيفما اتفق، حسث وجهته كانت متمسكة بسلاح الجو هدفاً وغاية، فيعاود المحاولة مع والده، رئيس الديوان الملكي آنذاك، أحمد باشا الطراونة، الذي رفض انتساب ابنه إلى سلاح الجو طياراً .
من قال إن الأحلام والأهداف لا تتغير؟ لدى أبي زيد كامل الإجابة.
نعم، تغيرت الأحلام وتبدّلت الأهداف عند الطراونة الطالب، وصارت مشاعره ضابطة لإيقاعه، فتحوّل مع الأيام من شخص حالم بقيادة طائرة في سماء الأردن إلى فتى محب، وصاحب مشروع سياسي، عنوانه "رئيس وزراء قادم"، تعدّه الظروف والأيام على مهل.
في الجامعة، تعلّم اقتصاداً ليكون سياسياً..وعقب التخرج من الجامعة، ألح الطراونة على والده تعيينه في الديوان الملكي، لكن الوالد ظل دائم الرفض لطلب ابنه، حتى حلّ رئيس الوزراء، وصفي التل ضيفاً على منزلهم، فاغتنم الشاب فرصة سؤال الرئيس التل عن أحواله بعد التخرج فرد قائلاً: والله يا باشا ابوي بده يوديني على أمريكيا أعمل ماجستير وانا ما بدي وحاب اتعين بالقصر وملحقين على القراية"، فكان رد وصفي : "عند عمك".
وهكذا دخل الطراونة القصر موظفاً في التشريفات إلى جانب أبيه، وعينه لا تحيد على كرسي الرئاسة في الدوار الرابع، فغادر العاصمة بعد عامين بصحبة زوجته رويدا، مبتعثاُ إلى الولايات المتحدة الأمريكية؛ ليكمل دراسته الجامعية حتى حصل على الدكتوراه في الاقتصاد من جامعة بجنوب كاليفورنيا.
عاد الطراونة عام 1980، يحمل درجة الدكتوراة فاستأذن الطراونة الملك نقله موظفاً اقتصادياً في مكتب رئيس الحكومة، عبد الحميد شرف؛ ليتمكن من العمل بشهادته؛ فأسس المكتب الاقتصادي، وسط تنامي حركة النمو الاقتصادي في المملكة، بعد أن اعتمد العراق في حربه مع إيران ميناء العقبة، إضافة إلى الحرب الأهلية في لبنان، وما تبع كل ذلك من انتقال لمكاتب إقليمة لكبرى الشركات والبنوك إلى عمان، التي تدرج في وظائفها حتى شكّل حكومته الاولى عام 1998.
ولد فايز الطراونة في الأول من أيار عام 1949، في عمان، وظل تحت انطباع أن العطلة الرسمية في ذلك اليوم، ليس للعمال بل له وحده، حتى عمر ثماني سنوات، حين شرحت له والدته القصة.
وبحكم نشأته في بيت عماني، في بداية صعود التيارات السياسية والحزبية؛ فقد أطل الفتى بعمر مبكر على كل ما يحدث في محيطه، من صعود للناصرية التي كانت مناهضة للنظام الملكي الأردني، وكذلك تصفح الفكر البعثي، وحركة القوميين العرب، والشيوعيين، إلى جانب انتشار بيوت الساسة والمسؤولين بالقرب من بيت والده.
بالقرب من الدوار الاول، كان بيت رئيس الحكومة، بهجت التلهوني في خمسينيات القرن الفائت، لصيقا بمنزل والده، رئيس الديوان الملكي، أحمد الطروانة آنذاك، وإلى الامام كان منزل نائب رئيس الوزراء ووزير الداخلية، عبد الرحمن خليفة، وكذلك منزل السفير السعودي.
بدأت علاقة الطراونة مع القدرية حين حدث انفجار بأحد البساتين المحيطة بمنزل أسرته الكائن بالقرب من الدوار الاول، فتسربت الشظايا قريباً منه، حينها كان طفلا بعمر ثلاثة أشهر، فتدخلت القدرية لإحداث إزاحة بسيطة في مكانه قبل دقائق من وصول الشظابا إلى سريره، ثم تكرّست القدرية في حياته لاحقاً، حين كان فتى عشريناً بمواجهة شظايا أحداث أيلول عام 1970، في منزل وصفي التل.
في الأثناء كانت المنطقة العربية على موعد مع نكسة حزيران عام 67، عاشها الطراونة مدركاً أن الارتجالية العربية لا تنتج نصراً على إسرائيل، فيما كانت الخيارات أمام الأردن شحيحة؛ فإما الدخول بالحرب وخسارة الضفة الغربية أو النأي بنفسه جانباً.
ينبش الطراونة في ذاكرة مليئة بالتفاصيل والأحداث، فيخرج منها مرة وصفي التل، المؤمن بأن رسالة الاردن قومية بامتياز، ثم يحرك أصابعه في زاوية مختلفة، فيطلعنا على علاقة السياسيين وخصوماتهم. يقول لـ"الغد": " كان والدي ينزل على الانتخابات بالكرك مقابل هزاع المجالي، وهما ينتسبان لحزبين مختلفين، الطراونة للحزب الوطني الدستوري، والمجالي للحزب الوطني الاشتراكي .
في ذاكرة الطراونة كانت حياة الناس متماثلة، وكانت منازل المسؤولين كذلك، فكل منهم يمكتلك مركبة واحدة، إما ان تكون من "فورد"، أو "شفروليه".
"العهدان" مذكرات يرصد بها فايز الطراونة محطات عقب 47 عاما من العمل في القطاع العام، فبدا بإعدادها عام 2011 فارداً بها مساحات كافية للحديث عن عهد الملك الراحل الحسين والملك عبد الله الثاني، إضافة إلى مشاهدات ومعالجات أردنية كان بها حاضرا في دائرة صنع القرار.
"مذكرات" اضطر إلى تأجيلها بعد أن عهد له الملك عبد الله الثاني تشكيل حكومة في أعقاب استقالة عون الخصاونة، عام 2012، حين كانت المنطقة العربية غنية بالأحداث الجسام..إنها فترة ما يسمى بـ"الربيع العربي".
اليوم، لا ينكر أبو زيد اتهامه بالعرفية وأنه شيخ المحافظين، لكنه مارس قناعاته السياسية وسط منطقة متحركة سياسياً.. في سوريا ضجت الناس في الشوارع، وكذلك في تونس، وفي مصر بدأ الاخوان المسلمين بالصعود إلى السلطة، فيما كان الحراك الأردني في أوجه، وفي بال أبي زيد معركة الصوت الواحد وحل مجلس النواب.
يشعر أبو زيد بحالة من الرضا عن مسيرة حياته، وهو يرى أبناءه علياء وزيدا ودانا يشقون طريقهم بحب وإتقان، في الفن والموسيقى والهندسة بعيداً عن صخب السياسة وضجيجها التي أخذت أباهم من حضن الاقتصاد مبكراً.
نقلا عن الغد
بعد نحو عقدين من دخوله "الرابع" مسؤولاً عن إنشاء المكتب الاقتصادي؛ أخذ مفتاح مشروعه السياسي، بتشكيل حكومته الأولى، بقرار من الملك الراحل الحسين بن طلال؛ فحمل فرحته في ساعات الفجر الأولى إلى بيته في أم أذنية؛ ليخبر زوجته وشريكة دربه بالقرار.
كانت المشاعر أكثر من مختلطة في وجدان رئيس الوزراء الأسبق، فايز أحمد محمود حمد خلف الطراونة، وهو يتلقى تكليفه بتشكيل الحكومة من الحسين عبر الهاتف، كانت رويدا، وجهته وملاذه، فذهب يوقظها من نومها، يقول الطراونة موجهاً كلامه لأم زيد "بآمانة الله لولاك ما وصلت إلى هذا الحد من المسؤولية".
لعل "رويدا" الزوجة أحد أهم أسرار الرجل ومفاتيح مشواره، فهي أول الحب وأعذبه، قصة حدثت فصولها في الجامعة الأردنية أواخر ستينيات القرن الماضي؛ فغيرت كثيراً من مسار حياة الطراونة وأهدافه.
إنه الحب حين لا يستأذن قلباً، فتصبح معه المشاعر "باروميتر" نجاح واستقرار، هذا تماما ما حدث مع الطراونة الذي أخذه الحب في ساحة الجامعة، بمجرد ان وقعت عيناه على صبية جميلة من القدس، طلب من زميلاته خلق فرصة تعارف بينه وبينها.
وقبل أن يلتقي برويدا كانت الدراسة في كلية الاقتصاد بالنسبة له مجرد سنة دراسية، وعليه أن يمضيها كيفما اتفق، حسث وجهته كانت متمسكة بسلاح الجو هدفاً وغاية، فيعاود المحاولة مع والده، رئيس الديوان الملكي آنذاك، أحمد باشا الطراونة، الذي رفض انتساب ابنه إلى سلاح الجو طياراً .
من قال إن الأحلام والأهداف لا تتغير؟ لدى أبي زيد كامل الإجابة.
نعم، تغيرت الأحلام وتبدّلت الأهداف عند الطراونة الطالب، وصارت مشاعره ضابطة لإيقاعه، فتحوّل مع الأيام من شخص حالم بقيادة طائرة في سماء الأردن إلى فتى محب، وصاحب مشروع سياسي، عنوانه "رئيس وزراء قادم"، تعدّه الظروف والأيام على مهل.
في الجامعة، تعلّم اقتصاداً ليكون سياسياً..وعقب التخرج من الجامعة، ألح الطراونة على والده تعيينه في الديوان الملكي، لكن الوالد ظل دائم الرفض لطلب ابنه، حتى حلّ رئيس الوزراء، وصفي التل ضيفاً على منزلهم، فاغتنم الشاب فرصة سؤال الرئيس التل عن أحواله بعد التخرج فرد قائلاً: والله يا باشا ابوي بده يوديني على أمريكيا أعمل ماجستير وانا ما بدي وحاب اتعين بالقصر وملحقين على القراية"، فكان رد وصفي : "عند عمك".
وهكذا دخل الطراونة القصر موظفاً في التشريفات إلى جانب أبيه، وعينه لا تحيد على كرسي الرئاسة في الدوار الرابع، فغادر العاصمة بعد عامين بصحبة زوجته رويدا، مبتعثاُ إلى الولايات المتحدة الأمريكية؛ ليكمل دراسته الجامعية حتى حصل على الدكتوراه في الاقتصاد من جامعة بجنوب كاليفورنيا.
عاد الطراونة عام 1980، يحمل درجة الدكتوراة فاستأذن الطراونة الملك نقله موظفاً اقتصادياً في مكتب رئيس الحكومة، عبد الحميد شرف؛ ليتمكن من العمل بشهادته؛ فأسس المكتب الاقتصادي، وسط تنامي حركة النمو الاقتصادي في المملكة، بعد أن اعتمد العراق في حربه مع إيران ميناء العقبة، إضافة إلى الحرب الأهلية في لبنان، وما تبع كل ذلك من انتقال لمكاتب إقليمة لكبرى الشركات والبنوك إلى عمان، التي تدرج في وظائفها حتى شكّل حكومته الاولى عام 1998.
ولد فايز الطراونة في الأول من أيار عام 1949، في عمان، وظل تحت انطباع أن العطلة الرسمية في ذلك اليوم، ليس للعمال بل له وحده، حتى عمر ثماني سنوات، حين شرحت له والدته القصة.
وبحكم نشأته في بيت عماني، في بداية صعود التيارات السياسية والحزبية؛ فقد أطل الفتى بعمر مبكر على كل ما يحدث في محيطه، من صعود للناصرية التي كانت مناهضة للنظام الملكي الأردني، وكذلك تصفح الفكر البعثي، وحركة القوميين العرب، والشيوعيين، إلى جانب انتشار بيوت الساسة والمسؤولين بالقرب من بيت والده.
بالقرب من الدوار الاول، كان بيت رئيس الحكومة، بهجت التلهوني في خمسينيات القرن الفائت، لصيقا بمنزل والده، رئيس الديوان الملكي، أحمد الطروانة آنذاك، وإلى الامام كان منزل نائب رئيس الوزراء ووزير الداخلية، عبد الرحمن خليفة، وكذلك منزل السفير السعودي.
بدأت علاقة الطراونة مع القدرية حين حدث انفجار بأحد البساتين المحيطة بمنزل أسرته الكائن بالقرب من الدوار الاول، فتسربت الشظايا قريباً منه، حينها كان طفلا بعمر ثلاثة أشهر، فتدخلت القدرية لإحداث إزاحة بسيطة في مكانه قبل دقائق من وصول الشظابا إلى سريره، ثم تكرّست القدرية في حياته لاحقاً، حين كان فتى عشريناً بمواجهة شظايا أحداث أيلول عام 1970، في منزل وصفي التل.
في الأثناء كانت المنطقة العربية على موعد مع نكسة حزيران عام 67، عاشها الطراونة مدركاً أن الارتجالية العربية لا تنتج نصراً على إسرائيل، فيما كانت الخيارات أمام الأردن شحيحة؛ فإما الدخول بالحرب وخسارة الضفة الغربية أو النأي بنفسه جانباً.
ينبش الطراونة في ذاكرة مليئة بالتفاصيل والأحداث، فيخرج منها مرة وصفي التل، المؤمن بأن رسالة الاردن قومية بامتياز، ثم يحرك أصابعه في زاوية مختلفة، فيطلعنا على علاقة السياسيين وخصوماتهم. يقول لـ"الغد": " كان والدي ينزل على الانتخابات بالكرك مقابل هزاع المجالي، وهما ينتسبان لحزبين مختلفين، الطراونة للحزب الوطني الدستوري، والمجالي للحزب الوطني الاشتراكي .
في ذاكرة الطراونة كانت حياة الناس متماثلة، وكانت منازل المسؤولين كذلك، فكل منهم يمكتلك مركبة واحدة، إما ان تكون من "فورد"، أو "شفروليه".
"العهدان" مذكرات يرصد بها فايز الطراونة محطات عقب 47 عاما من العمل في القطاع العام، فبدا بإعدادها عام 2011 فارداً بها مساحات كافية للحديث عن عهد الملك الراحل الحسين والملك عبد الله الثاني، إضافة إلى مشاهدات ومعالجات أردنية كان بها حاضرا في دائرة صنع القرار.
"مذكرات" اضطر إلى تأجيلها بعد أن عهد له الملك عبد الله الثاني تشكيل حكومة في أعقاب استقالة عون الخصاونة، عام 2012، حين كانت المنطقة العربية غنية بالأحداث الجسام..إنها فترة ما يسمى بـ"الربيع العربي".
اليوم، لا ينكر أبو زيد اتهامه بالعرفية وأنه شيخ المحافظين، لكنه مارس قناعاته السياسية وسط منطقة متحركة سياسياً.. في سوريا ضجت الناس في الشوارع، وكذلك في تونس، وفي مصر بدأ الاخوان المسلمين بالصعود إلى السلطة، فيما كان الحراك الأردني في أوجه، وفي بال أبي زيد معركة الصوت الواحد وحل مجلس النواب.
يشعر أبو زيد بحالة من الرضا عن مسيرة حياته، وهو يرى أبناءه علياء وزيدا ودانا يشقون طريقهم بحب وإتقان، في الفن والموسيقى والهندسة بعيداً عن صخب السياسة وضجيجها التي أخذت أباهم من حضن الاقتصاد مبكراً.
نقلا عن الغد