اتصل بنا
 

فوضى الحياة الاجتماعية في الأردن

كاتب أردني وخبير مياه

نيسان ـ نشر في 2015-07-13 الساعة 20:44

نيسان ـ

حين تصبح فوضى مزمنة منظمة لها مروجوها والمستفيدون منها والمستريحون لوجودها يصبح الأمر مرعبا لارتباطها بكل تفاصيل حياتنا ومستقبلنا بل ربما وجودنا .
الفوضى هنا تنتج تناقضات حادة وانفصاما عنيفا في حياتنا وحتى أوضح بمثال؛ ترى عائلة أردنية تصنف على أنها فقيرة حسب واقعها ودخلها قياسا باحتياجاتها وفي نفس الوقت تجد فيها خمسة يدخنون ولو حسبت مصروف دخانهم شهريا وسنويا وحسب عمر الإنسان إحصائيا في الأردن ستجده رقما صعبا في حياة أسرة فقيرة على الأقل.... هذا مثال ويستطيع القارئ أن يستذكر مما حوله عشرات الأمثلة تدل على تناقض صارخ كأن يحمل عامل بسيط أغلى أنواع الهواتف الخلوية.
لا نزال حتى اللحظة على مستوى الفرد فماذا عن الجماعة، هي أكثر رعبا.
.تصوروا أن الأردنيين يفرقعون ألعابا نارية في الهواء سنويا بخمسين مليون دينار. ماذا لو أن جمعية تعاونية إسكانية تستثمر مبلغا تراكميا بمقدار خمسين مليون دينار سنويا في مشاريع إسكانية للمواطنين، ذلك ستحل مشكلة السكن في الأردن وسيهبط مستوى الإيجارات الى حدود متناول ذوي الدخل المحدود.
الصورة الكلية لا تزال أفظع بكثير يدخن الأردنيون سنويا بمليار دينار ويجرون اتصالات هاتفية بمبلغ مشابه.
قد نقول أن معظم ريع الدخان يذهب للحكومة ويغطي جزءا مهما من ميزانيتها ولكن ما أتمناه شفافية في موضوع كهذا لأن للدخان تكلفتان تكلفة مباشرة هي ثمن علبة السجائر وثمن غير مباشر يدفعه المدخن وغير المدخن من علاجات لأمراض يسببها الدخان أو ضياع وقت انتاج أو انحرافات اجتماعية خاصة للشباب الصغار مرتبطة بالتدخين.
هذا يعني أن الدخان يكلف الأردنيين مليار دينار سنويا بشكل مباشر وربما تدفع الدولة رقما قريبا لعلاج آثار الدخان صحيا وبيئيا.
لو كنت صاحب قرار لرفعت ثمن علبة السجائر عشرة أضعاف لنحصل على نفس ريع التدخين بعشر الآثار الأخرى غير المباشرة.
نذهب الى زاوية أخرى هي فوضى التعليم فالمجتمع يدفع مبلغ طائلة من فوضى التعليم غير المنتج فقط ليتباهى الناس.
وفوضى التعليم تجد تشجيعا من أنظمة التعليم الموازي (من يدفع يتعلم) حتى لو تعلم فنا أو علما وصل في سوق العمل الى حد الإتخام.
إذن كذلك تدفع مبالغ خيالية لكن ليس لسد النقص في سوق العمل أو للاستثمار في الإنسان.
ماذا عن عمل الاردنيات؟ ان محصلة ما تجنيه الاردنية يدفع للخادمة والسيارة والحضانة والملبس، وفي النهاية، راتبها يذهب في حل مشكلة البطالة في شرق آسيا وازدياد زحمة السيارات في عمان وربما ضياع تربية أطفال يفتقدون أمهم في أشد أوقاتهم حاجة لها.
نقفز الى الخلاصات تصوروا أننا في خضم الفوضى الاجتماعية المدعومة أو المسكوت عنها حكوميا نهدر سنويا ما قيمته مليارات الدنانير تذهب تكاليف مباشرة وغير مباشرة نتيجة للسلوك الاجتماعي الخاطيء في التدخين والاتصالات والتعليم وهدر الموارد غير المبرر مع ما يقابل ذلك من ضياع استثمار الموارد المتاحة وفي الإنسان.

الرقم الذي أقدره لم أقدره اعتباطا...خذوا مثالا واحدا من التعليم ....آلاف مؤلفة من الطلاب يصلون مرحلة الثانوية العامة لا يتقنون القراءة والكتابة ...كم هدر هؤلاء من موارد المجتمع بلا طائل.... أين إصلاح التعليم..أين بنية التعليم الأساسية التي تجنبنا نتائج الفشل التربوي هل الحل في معاقبة المعلم أم في إعادة رعب امتحان التوجيهي أم أن الأصح هو سياسة تعليمية تعيد اعتبار المعلم وتوفر البيئية التحتية الملائمة للتعليم وتفرز طلابنا حسب ميولهم مبكرا دون هدر مئات الملايين في إعداد أجيال لم تعد لما يحتاجه سوق العمل....أليس الأحرى أن تستثمر هذه الملايين في إيجاد فرص عمل وفي تعليم حرف وفنون لا يزال سوق العمل محليا وإقليميا في أمس الحاجة إليها.
إن من التكاليف المباشرة للفوضى الاجتماعية والتي تتصاغر أمامها كل قيمة مادية ما نراه من بدء انهيار للمنظومة الأخلاقية المجتمعية .....ألا يعد دليلا على ذلك ما نراه من مشاجرات جماعية صباح مساء...هل من دراسة تبين حجم خسائر المجتمع والممتلكات العامة جراء هذه المشاجرات، ألا تهدر هذه المشاجرات الملايين سنويا من الممتلكات العامة والخاصة. الحل في لكل هذا؟

نيسان ـ نشر في 2015-07-13 الساعة 20:44

الكلمات الأكثر بحثاً