اتصل بنا
 

هل الاخوان المسلمون في الاردن خطر على العرش الهاشمي؟

كاتبة أردنية

نيسان ـ نشر في 2015-07-14

نيسان ـ

إن أعداء الإسلام يملكون الجيش والإعلام والقضاء والأجهزة الأمنية والمال الذي يفسد الجيش والإعلام والقضاء.

والواقع يؤكّد:

بأن معركتكم مع أعداء هذا الدين لم تنتهِ بل بدأت للتوّ. ومن هنا أبدأ، وأتساءل:

هل بوسع مقالة كهذه أن تستوعب مسيرة ما يزيد عن سبعة عقود من الصبر والكفاح والإخلاص والعطاء؟!

لست بصدد الحديث هنا عن نشأة جماعة الإخوان المسلمين في الأردن عام 1945، مع أن تاريخ إنشائها وما قدّم رجالها جدير بأن يُشار إليه وقد سبقني إليه أهل الخبرة والاختصاص من الدارسين والباحثين.

والمنصفون يعرفون أن الملك المؤسس عبدالله الأول قد أحسن استقبال مبعوثي الإمام الشهيد حسن البنا رحمهما الله حين أوصلا له رسالة مفادها رغبة الإمام الشهيد بتأسيس فرع للإخوان المسلمين في الأردن، فكان من أوائل المُرحّبين بذلك؛ بل وأصرّ الملك عبدالله الأول أن يكون في افتتاح أول مقر لجماعة الإخوان المسلمين في الأردن.

أي إن تأسيس الإخوان هو سابق لتأسيس المملكة، وما هي إلا ثابت من ثوابتها ودعامة رئيسة لنظامها الأردني.

لا يخفى على أحد دور الإخوان المسلمين في حرب فلسطين عام 1948 وتأسيسهم لسرية أبي عبيدة عامر بن الجراح وكان مقرها ( قرية عين كارم) تحت قيادة الحاج عبد اللطيف أبي قورة، وهو أول مراقب عام لجماعة الإخوان المسلمين، حيث استشهد عدد كبير منهم في المعارك ضد المُحتل الصهيونيّ.

وبالطبع تاريخ جماعة الإخوان المسلمين في الأردن تاريخ مُشرف ناصع مليء بالإنجازات، لا على المستوى المحليّ وحسب؛ بل وعلى مستوى الوطن العربي، وقد عُرف عنهم نزاهتهم أينما حلّوا وارتحلوا من شمال المملكة لجنوبها، بمشاريعهم الخيرية ومدارسهم ومستشفياتهم وعنايتهم بعشرات الآلاف من الأسر الفقيرة والأيتام بمشاريع ضخمة تعجز عنها حتى الدولة، فكان الإخوان المسلمون هم السبّاقون للعمل الخيري ونشر الفضيلة بين الأجيال، جماعة مسلمة أخذت على عاتقها جزءًا كبيرًا من واجبات الدولة على مواطنيها.

** ** **

لمن يعتبر جماعة الإخوان المسلمين خطرًا على الدولة الأردنية والهاشميين، اقرأ هذا:

في دراسة للكاتب السعودي (مشاري الذايدي) التي نشرها في على حلقات في صحيفة (الشرق الأوسط السعودية)، يذكر الذايدي في دراسته أن (ممدوح العبادي ) أحد الوزراء السابقين ومن السياسيين البارزين من ذوي الخلفيات العلمانية، قد قال:

“أنا لا أتفق مع كثير من أفكار الإخوان، لكن هم الحزب الوحيد الذي لم يضرب الدولة الأردنية منذ خمسين عامًا مضت“.

يقول أيضًا الكاتب السعودي: “تكرست علاقة الإخوان أكثر بالنظام بعدما انحازوا إلى صفه ضد المحاولة الانقلابية سنة 1957، والتي دبرها الناصريون والقوميون بتواطؤ مع رئيس الحكومة الناصري سليمان النابلسي، حيث كان الملك حسين يشعر بذلك وينتظر لحظة كشف الأوراق، وقد مهد لذلك بمزيد من التقارب مع الإخوان، فعقد الإخوان مؤتمرات واجتماعات جماهيرية لحشد الدعم للملك حسين نصرة للإسلام وضد الشيوعية والإلحاد“.

ويقول الكاتب السعودي أيضًا: “حدثني الأستاذ داود قوجق أمين السر الأسبق لجماعة الإخوان المسلمين نقلًا عن المراقب العام الأسبق للجماعة المرحوم محمد عبد الرحمن خليفة، أنه ذهب حينها إلى الملك الحسين رحمه الله، فوجده قد اتخذ احتياطات خاصة تحسبًا لأي طارئ في تلك الليلة التي أعد البعثيون فيها العدة للانقضاض على العرش الهاشمي، فما كان منه إلا أن وعد الملك بأن الإخوان سيحبطون انقلاب (المعارضة) بانقلاب (موالاة) يعيد الأمور إلى نصابها، وهذا ما كان. ونزلت حشود الإخوان المسلمين إلى وسط البلد عند مطعم (جبري) وصدت البعثيين واليساريين واشتبكت معهم بقوة دفاعًا عن الهاشميين“.

المحطة التاريخية الفاصلة التي هددت العرش الهاشمي بعد ذلك، كانت أحداث أيلول الأسود عام 1970، ولكن العلاقة التاريخية بين الإخوان والعرش كانت أقوى من أي (عاصفة)، يقول الباحث السعودي:

“هذه العلاقة التاريخية التي أشار إليها العبادي والمعشر عمادها الدم في بعض اللحظات، كما حصل حينما انحاز الإخوان بشكل سياسي، كما يصف البعض موقف الإخوان حينها، إلى صف الحكومة في مواجهتها مع الفصائل الفلسطينية المسلحة بقيادة ياسر عرفات في سبتمبر (أيلول) 1970“.

وفي موضع آخر يقول الكاتب مشاري الذايدي: “(بسام العموش) الإخواني القيادي المعروف في الأردن، والذي خرج بعد خلاف عاصف مع الإخوان سنة 1997 وأصبح مستقلًا، يقول: (الإخوان لم ينحازوا لطرف ضد طرف في حرب أيلول؛ بل لزموا الحياد، مع وجود رغبة دفينة بانتصار النظام الأردني على تلك الفصائل المسلحة)“.

ويتابع العموش: “أذكر أن ياسر عرفات استدعى ثلاثة من قيادات الإخوان في الأردن، ومنهم ذيب أنيس -نائب سابق في البرلمان عن الزرقاء- إلى جبل الحسين في عمان، وأخبرهم بنيته القيام بعمل عسكري ضد الملك حسين بحجة أن النظام ضد المقاومة، فرفض الإخوان وتحديدًا ذيب أنيس ذلك، واعترضوا عليه قائلين: ليس لك حجة في ذلك، وبندقيتنا موجهة من أجل العمل في فلسطين، فغضب عليهم أبو عمار غضبًا شديدًا“.

العموش يقول: (لا يوجد أي خلفية إقليمية في موقف الإخوان من حرب أيلول، وليس صحيحًا القول بأنه موقف صاغه التيار الشرق أردني داخل الحركة، لقد كان موقفًا إجماعيًا من الإخوان).

في هبة نيسان عام 1989 والتي انطلقت شرارتها من معان، لتعم معظم مدن الجنوب وتصل إلى مادبا والسلط على أطراف العاصمة عمان، ورغم أن الانطلاقة كانت عفوية وغير منظمة ومعظم المشاركين فيها من التقليديين العشائريين؛ إلا أن الأحزاب اليسارية والقومية استثمرتها ووجهتها وقادتها في حين أن الإخوان المسلمين نأوا بأنفسهم عنها تمامًا، وعارضوا السلوك العنيف للمحتجين والذي تمثل في تخريب الممتلكات العامة والخاصة، وكان لهم دور بارز في الوقوف سندًا للنظام بغية إعادة الهدوء وتهدئة الخواطر.

وقد التقى الملك حسين كلًا من القيادي البارز في الجماعة الدكتور عبداللطيف عربيات ونائب معان آنذاك الأستاذ يوسف العظم رحمه الله (كلًا على حدة) طالبًا منهم النصح والمشورة، حيث لم يبخلا عليه بذلك، وكان من ثمار هذه اللقاءات عودة الحياة البرلمانية في انتخابات نزيهة لم تشهدها الدولة الأردنية إلى الآن.

عام 1997، انطلقت (ثورة الخبز) التي دارت رحاها في معان والكرك، وسقط فيها ضحايا وجرحى وأثرت سلبًا على الأجواء العامة، وكما برز اليساريون والبعثيون في هبة نيسان كان دورهم جليًا في هذه الأحداث أيضًا، أما الإخوان المسلمون فقد أحجموا عن المشاركة الشعبية العنيفة في الشارع بينما وقفوا بخطابهم السياسي مع تظلمات المحتجين، وانبرى خطباؤهم يهاجمون السياسات الحكومية التي أوصلت البلاد إلى هذه الحالة مقترحين سبلًا للعلاج خروجًا من هذه الأزمة، ولبيان الحقيقة في أجلى صورها حول أن الإخوان المسلمين هم أحد دعائم الاستقرار في الأردن، نقول إنه في أواسط التسعينيات وفي ذروة الخلاف بين الإخوان وبين الملك الحسين -رحمه الله- على خلفيّة توقيع (وادي عربة مع الصهاينة) جرى احتفال في إحدى المناسبات الوطنية في الزرقاء، حضره الملك الحسين، تكلم فيه محافظها ورئيس بلديتها، وبإيحاءات من أربابهم -حينها- لمزوا في الإخوان، وحرضوا عليهم، فالفرصة مواتية، والقول مقبول ومصدق، فكان يقف خلف الملك حينها الدكتور إسحاق الفرحان حفظه الله وبارك في إخلاصه لدعوته، فاستأذن من الملك حسين أن يسمح له بالمغادرة أو يسمح له بالردّ على افتراءات خصوم الإخوان ، فقال له الملك -رحمه الله- ألا يكفيك أن أرد عنك، قال بلى. حينها قام الملك حسين وألقى كلمة مدوية دافع فيها عن الإخوان، وكذّب ما وُجه لهم من تهم وافتراءات، فبُهت الذين نافقوا، وبلعوا ألسنتهم، وأطبقوا عليها أفواههم.

هنا يخطر ببالي الهوّة الواسعة بين الملك عبدالله الثاني وبين أكبر فصيل سياسي أردني محترم ومنظم والتي ساهم بصنعها ( طقم مستشاري السوء)؛ حيث لم يلتقِ بقياداتهم خلال ست عشرة سنة من حكمه إلا مرة واحدة، وكان لقاءً غير مريح لغاية منتصفه، تشوبه علامات التشكيك الممزوجة بمعلومات مغلوطة عن الإخوان.

فإن لم يكن أكبر فصيل سياسي مُنظّم يحرك الشارع الأردني جديرًا بلقاء ملك البلاد كي يصل معه لنقاط الالتقاء فمن الأولى منهم؟!

(يا ليت بعض العقلاء الشرفاء ممن يحيطون القصر الملكيّ الأردني العامر بالبطانة الفاسدة، أن يوصلوا هذا الكلام للملك بعد أن تعطّلت ناقلة البريد واستولى الأشرار في بلدي على أُذُن الراعي وخبز الرعية).

وبعد هذا السرد الموثق أعلاه للعلاقة الراسخة بين النظام الأردني الهاشميّ وجماعة الإخوان المسلمين، نقول:

إن لوبي الفساد وقراصنته في الأردن استطاعوا أن يشوّهوا صورة الإخوان وأن يثيروا حولها الغبار والشبهات في فترة حرجة من حكم الملك عبدالله الثاني بن الحسين، وربما أثاروا في نفسه الريبة؛ لذلك، واجبٌ عليّ كأردنية تنتمي لكل ما هو أردني طيب وعادل أن أُذكر النظام الأردني:

أن جماعة الإخوان المسلمين هي أكبر عونٍ لكم في محاربة الفكر المتطرف إن كنتم جادّين في ذلك، عبر شبابهم المُنفتح وفكرهم النير الوسطي الراشد.

جماعة الإخوان المسلمين ليست لأبنائها فقط، وإنما هي لكل الأردنيين الطيبين. فلِمَ الإقصاء؟ ولمصلحة من؟

** ** **

أقول إلى كل من ينتقد الإخوان في الأردن من الموالاة ومُدّعي الوطنية:

من منكم أكثر وطنية من عبداللطيف أبي قورة ومحمد عبدالرحمن خليفة وأحمد قطيش الأزايدة ويوسف العظم رحمهم الله تعالى؟

من منكم أكثر غيرة على (وطن مُبتلى يضيع أمام ناظرينا) من حمزة منصور وعبد اللطيف عربيات وسالم الفلاحات؟

ومن منكم أكثر أمانة من همام سعيد وإسحق الفرحان والشباب الواعي الذي تشرفت بالاطلاع على فكرهم؟

أما إخوتي من المربين والدعاة في الحركة الإسلامية:

فاسمحوا لي بأن أذكركم -وأنتم أعلم مني- وفي هذه الأوقات العصيبة ومقراتكم قد تُقتحم في أي لحظة من قبل متواطئين مدسوسين مع بعض الحمقى وأذناب من اتخذ القرار مستبشرًا بالفوضى المُفتعلة، ولا غرابة أن يكون بينهم ذات المجموعات (بذيئة اللسان) من عصابات الشتم والردح التي اعتدَت عليكم في كل محافظات المملكة في مسيرات الحراك التي تُشرف تاريخكم الناصع بحقيقة (أن لم يُكسر بها لوح زجاج واحد).

اسمحوا لي أن أقول لكم إن أعداء الإسلام قد اجتمعوا على طي راياته وتقطيع أمتنا (أمة التوحيد) أممًا شتى لتلتحق ذيولًا بالكتل العالمية الكبرى، والمطلوب منا جميعًا وأنتم -فعليًا- أملنا بعد الله، مطلوب منكم بالذات أن تدركوا آلام الأمة من الداخل وتحاربوا التمزّق وتعملوا على ردم الفجوات واختصار المسافات وأن تحرصوا أولًا وأخيرًا على نصرة الإسلام وشعارنا (أشداء على الكفار رحماء بينهم).

وإلى إخوتي المُربين الثقات الداعين إلى الفضيلة أقول:

أين أنتم من خطى مجدد القرن العشرين الإمام حسن البنا (طيب الله ذكره ومقامه)، ذلك الذي صنع آخر سدّ منيع صدّع أركان الاستعمار الثقافي والعسكري ونفخ الروح في الجسد الهامد، ذلك الذي قال:

“هو دور التجربة والامتحان، سنسجن ونقتل وتصادر أموالنا وتعطل مصالحنا وقد يطول الامتحان، ولكن الله وعدنا بنصره ومثوبته للمحسنين عملًا“.

ذلك التقيّ النقيّ الذي قال:

“سيثيرون غبار الشبهات والاتهامات، وسيحاولون إلصاق كل نقيصة وعيب بنا ليظهروننا في أبشع صورة، معتمدين على سلطانهم وأموالهم ونفوذهم“.

ذلك المؤمن الواثق بنصر ربّه الذي حذركم:

“سينكرون علينا الجهاد وسيحقد علينا الزعماء وستقف بوجوهنا كل الحكومات على السواء، وسيتذرع المستعمرون بكل طريقة لإطفاء نور الدعوة“.

وهو نفسه الذي أشار إلى خطر الجهل وعلماء السوء، فقال:

“سيقف جهل الشعوب بالإسلام عقبة بطريقنا، وسنجد من أهل التدين ومن بعض علماء الأزهر من يستغرب فهمنا للإسلام“.

أطالبكم وكل جيلي والحكماء من بني قومي بأن تتأسّوا بأسلوبه في التربية بشحذ الهمم وتنقية الألباب وتحشيد الشيوخ والشباب وتعهد الأتباع وإشاعة المحبة الخالصة فيما بينكم، نريد لأبناء حسن البنا أن ينتهجوا نهجه وهو الذي عُرف عنه صبره وتسامحه وتغاضيه عن الصغائر من أجل أهداف أعظم وغايات أكبر.

لتنتهجوا نهجه في الحوار العميق اللبق، حيث الكياسة والسماحة والابتعاد عن أسباب الاختلاف ومظاهر الجمود والتعصب.

ذاك الذي كان يضن بالدقيقة أن تضيع من غير مصلحة الإسلام والمسلمين، فكم من الأسابيع والشهور ضيّعتم ومن أجل من أو ماذا وما الجدوى من كل هذا؟!

ندائي إلى إخوتي الأفاضل وشيوخي الأجلاء ممن طلبوا ترخيص مجموعتهم بحجة تصويب الأوضاع، أقول ومن أنا لأقول لكم ما أقول لكم، ولكن أيضًا من أنتم لتتجاهلوا قولي والمحبين لكم، أقول:

رغم منطقية الطرح في بعض نقاط الاختلاف قبل أن يتفاقم الأمر ويصل لهذا الوضع المأزوم؛ إلا أن مصلحة الجماعة ومصلحة الإسلام ومصلحة الأمة التي تحمل رسالة السماء مقدمة على كل مصلحة، وواجب عليكم أن تنصفوا الإسلام من أنفسكم وأن تكرسوا الوقت والجهد لتحريك قافلة الإسلام لإعادة بناء أمتنا على قواعدها الأولى ولتحقيق الرحمة للعالمين، وأن لا تشوّهوا تاريخكم في الدعوة بالمزيد من الأخطاء والإصرار عليها، فالشرعية التي تتحدثون ليست من يسبق أولًا (لاحتلال المقرات والممتلكات)، وإنما هي جذور راسخة وقواعد تم التعب عليها وتشكّل العمود الفقري للتنظيم، فما قيمة اقتحام المقرات دون وجود آلاف المنتسبين لكم؟!

في النهاية، أخاطب صوت العقل ووشاح الحكمة في الجماعة:

الإخوة الأفاضل والشيوخ الأجلاء (الدكتور عبداللطيف عربيات، والدكتور إسحق الفرحان، والأستاذ سالم الفلاحات، والشيخ حمزة منصور، والأستاذ جميل أبو بكر، وغيرهم من الكوادر الذين أعرف حكمتهم وعمق بصيرتهم) أؤكد عليكم: التوفيق بين الإخوة مسؤوليتكم أولًا، وهذا دوركم (إصلاح ذات البين وردّ الشعاع الغارب، وهو عهدنا بكم سبّاقين إلى الخيرات).

وحسبنا أن الحق مقصدنا.

نيسان ـ نشر في 2015-07-14

الكلمات الأكثر بحثاً