اتصل بنا
 

فانتازيا المناصب والثروة!

كاتب وصحافي اردني

نيسان ـ نشر في 2019-03-01 الساعة 15:01

نيسان ـ ..تأمر المدام بتوضيب حقائب السفر الى بلد افريقي جميل، طلبا للدفء على شواطئ مشمسة فرارا من هذا البرد الذي لا يدع مجالا للخروج الى الشارع. الزوج العابر للحكومات والمناصب، ذهب في مشوار قصير وسيعود للتو، للتوجه الى المطار .
فجأة يرن موبايل المدام: انا مطلوب حالا لرئاسة الوزراء ومن ثم الى مكان آخر، وقد نؤجل السفر الى موعد آخر إن كان ذلك ممكنا خلال الاسبوعين المقبلين.
أرغت المدام وأزبدت : .. ماذا اقول لصديقاتي اللواتي حجزن وازواجهن بعدما نسقنا سوية هذه الرحلة. دعني أسافر معهن وتلتحق انت لاحقا . قل لماذا طلبت على عجل؟!
- سيسند الي منصب مهم ليس اقل من نائب رئيس وزراء في التشكيلة الحكومية الجديدة. معقولة تتركيني اعيش الفرحة وحدي؟!
- اسمع، انا قرفت كل هذه الحياة. ماذا نلت بعد خدماتك المتواصلة منذ نصف قرن، سوى الهمز واللمز في مواقع التواصل الاجتماعي، بل انك محض سارق للملايين بعيون الناس.
- دعيهم وشأنهم، فهم منذ سنوات طويلة يشتمون ويسبون ونحن نغرق في النعيم، يا حبيبتي الا تعرفين ان هذه ضريبة الحظوة والحظ وتميز زوجك ؟! انظري لابنائنا وبناتنا تخرجوا من افضل الجامعات الاميركية والبريطانية، وهاهم احفادنا يدرسون في ارقى الجامعات. أسس ابناؤنا شركة تحظى بميزة تفضيلية في العطاءات الحكومية، وهاهي ارصدتهم وممتلكاتهم في كثير من بلدان اوروبا . اشكري الله على نعمه..
- اولادنا بنوا انفسهم بانفسهم. انت اعطيتهم مبلغا وهم أسّسوا به عملا كبيرا، فلا تمن عليهم، انا مسافرة، والى أن تتبين امورك إمّا تلتحق او ان تتكحل بالمنصب الجديد. لا تنسى ان اهلي من قدموك واعلوا من شأنك، لكنك ناكر للجميل، ولم تتغير، يا سبحان الله!
لاحقا يعلن التشكيل الحكومي، وصاحبنا يبلغ فيه المنصب الذي حلم به: ادارة الملف الاقتصادي في البلاد، المنكوبة بالمديونية وغياب المساءلة، وتفشي البطالة وانتشار التذمر والاحتجاج .
هذا حوار افتراضي جرى بين مسؤول في بلاد الواق واق وزوجته التي يبلغ ضجرها أشده بالمناصب التي تنهال على زوجها بفعل شبكة من المافيا التي تمسك بتلابيب البلاد منذ عقود طويلة. ينتقل من هذا الموقع الى ذاك، وكلها "تدر لبنا وعسلا ونعما" لا يحظى بها سوى ابناء الطغمة التي تتحكم برقاب العباد.
هذا واحد من الاف الامثلة التي تجري يوميا في البلد التي تعيش السلطة فيه انفصاما عن شعبها الرازح تحت قبضة الغلاء والضرائب واللهاث المضني وراء لقمة العيش.
هذا المسؤول وسواه، يملأون الشاشات حضورا ليلقوا الوعظ والارشاد واعلاء وتيرة الصوت عن الولاء والانتماء. منطقي جدا ان يفكر المنفصمون بهذه الطريقة، فقد قيل في مصر الفرعونية: من فرعنك يا فرعون هو صمتنا!
والفرعنة هنا، لا تعني الا أن هذه النخب المتخمة باموال الفساد والافساد، لا ترى ولا تسمع الا ما يستجيب لشروطها وديمومة نهبها. ولا ضير لديها من خداع الناس "باشكال للتمثيل الشعبي وانتخابات ليس لها من اسمها اي نصيب". لا ضير لديها ان تتحول التنمية الى اعطيات وتوظيف افسادي ورشوات صغيرة.
لا ضير لديها حتى وإن بلغ الاحتقان الشعبي أشده، اذ لسان الحال يقول: نعرفكم اكثر مما تعرفون انفسكم. نحن اسيادكم مذ كنا وسنبقى في الاعالي وانت محض خدم وحراس لاموالنا وممتلكاتنا. هذا الفصام يؤكد كل لحظة ان ابناء النعمة لن يتخلوا عنها مهما تفاقمت الاوضاع. ولن يقدموا شيئا ذا قيمة سياسية ووطنية للناس المعدمين. اما هؤلاء فسيبقون رهنا لكابوس الفساد الذي يقيس الدنيا علجى مقاسه، ولا يقبل تحت اي ظرف ان يتخلى ولو خطوة بسيطة عن متعه وثروته التي يراكمها منذ عقود على حساب المغيبين عن الوعي، بفعل معزوفة الخوف على المستقبل!

نيسان ـ نشر في 2019-03-01 الساعة 15:01


رأي: سليمان قبيلات كاتب وصحافي اردني

الكلمات الأكثر بحثاً