بتوجيهات ملكية .. تجذر الإسلام بالتعليم والحجاب في المجتمع
أسامة شحادة
كاتب مختص في شؤون الحركات الاسلامية
نيسان ـ نشر في 2015-07-15
تكثف الهجوم العلماني الانتهازي في الآونة الأخيرة ضد مظاهر الإسلام في المجتمع، وذلك من خلال تضخيم خطر داعش والتلاعب به لتحقيق أجندتهم العلمانية الخاصة، التي تقوم على اعتماد العلمانية منهج حياة بل وبعضهم يصل للمطالبة بالإلحاد والانحلال.
وتتمثل هذه الانتهازية في الهجوم على المناهج التعليمية ووصمها بالداعشية بسبب حضور الإسلام في دروسها وحضور الحجاب في صورها!! وكأنهم يستكثرون علينا أن نعلم أبناءنا الإسلام والحجاب، وقد بلغ الإسفاف بهم حداً أن حاولوا ترويج أكذوبة أن حضور الإسلام في المناهج المدرسية تم بمؤامرة إخوانية، في استغلال رخيص لفوبيا الإخوان في العالم العربي.
وهم في هذا يضربون عصفورين بحجر واحد، فهم من جهة يشوّهون المناهج التعليمية التي تشرف عليها الدولة الأردنية ويتهمونها بالغفلة والغباء، وأن الإخوان المسلمين نجحوا في اختراقها والعبث بمناهجها التعليمية، حت قال زعيم الحملة العلمانية على المناهج د. ذوقان عبيدات في أكثر من مناسبة: "هناك ثقافة غير صريحة بأن يكون العاملون في المناهج والمؤلفون من ذوي اتجاهات دينية معينة"، ومن أكبر الدلائل على كذب هذه الفرية أن عبيدات نفسه كان يعمل في إدارة المناهج من قبل! كما أن الواقع يكذبه فالعاملون في المناهج وتأليف الكتب من مختلف المشارب.
ومن جهة أخرى، يقوم هؤلاء الحاقدون على الإسلام بنفي أي فضل للدولة الأردنية نفسها في باب ترسيخ الإسلام والحجاب في المناهج التعليمية، وكأن الدولة الأردنية الهاشمية محايدة تجاه الإسلام، في أفضل حالاتها، أو تعاديه لا قدّر الله، وهذا تزوير فاضح للحقيقة والتاريخ.
وللأسف أن الكثير من الأردنيين يجهلون مقدار الحضور الإسلامي في بُنية الدولة الأردنية ونشأتها والتي تستند إلى امتدادها للنسب الهاشمي لآل البيت النبوي، كما أن المناهج التعليمية الأردنية تغفل التعريف به وبتفاصيله، برغم الحاجة الماسة له اليوم في مواجهة الدعاوى الداعشية بتكفير الدولة والمجتمع الأردنيين.
في مقال سابق بيّنت أن تحكيم الشريعة كان مطلبا للشريف حسين وأنه كان يعيب على خصومه تفريطهم في ذلك، وفي هذا المقال نموذج تطبيقي لاستمرار هذا النهج في خلفاء الشريف حسين، فهذه رسالة للملك عبد الله الأول تهدف لتجذير الإسلام في بنية الدولة والمجتمع الأردني من لحظة التأسيس واستمرار ذلك مع تضخم المجتمع. هذه الرسالة الملكية موجهة لرئيس الوزراء توفيق باشا في سنة 1940م، ومعلوم أن جماعة الإخوان المسلمين في الأردن تأسست سنة 1945م، وهذا يكشف لنا أن تجذر الإسلام في بنية الدولة والمجتمع سابق على ظهور الجماعات الإسلامية، وأن ما يروّجه العلمانيون حول ذلك ما هو إلا أكذوبة تهدف لحرف الدولة والمجتمع عن أسسهما الأصلية، ومحاولة لاستغلال الخلاف الحاصل بين الدولة والإخوان لضرب الإسلام نفسه.
وقد نشرت هذه الرسالة في جريدة (الجزيرة) الأردنية، العدد (936)، وذكرها مأمون ياسين في كتابه "الرحلة إلى المدينة المنورة" (ص 37-39)، وأسامة شهاب في كتابه "الاتجاه الإسلامي في نهضة الشريف الهاشمي" (ص 452-454).
وإلى نص الرسالة:
"عزيزي توفيق باشا:
من الواجب المتحتم أن أُلْفِت أنظارَكم إلى ما سبق التنبيهُ إليه غير مرَّةٍ، وإلى ما صدر بسببِهِ أكثرُ من بلاغٍ رسمي فيما يتعلقُ ببعضِ النساء المسلماتِ اللواتي يُرَى أنَّهُنَّ لا يُبَالين بما فرضهُ اللهُ عليهنَّ من عدمِ التَّبَرُّجِ واتباع اللائقِ بالمخدرات المؤمنات والفتيات المسلمات من الوقارِ والحشمةِ، لأنَّهُ قد عاد بعضُهُنَّ إلى ما نُهِيْنَ عنه بعد أنْ مَضَتْ فترة على البلاغ الأخير بهذا الصدد.
إنني حمدتُ الله سبحانه أن جمع لكم منصب قاضي القضاة إلى وزارة المعارف الجليلة، وإنني آملُ أن يُصَاغَ بيان جديد يُعْلَنُ فيه عن ضرورة تحجُّبِ المؤمنات لنبرأ إلى الله عزَّ وجلَّ تبعةِ الإغضاء عن هذه المخالفة الممقوتةِ شرعاً، والتي شرع النساءُ يُقْبِلنَ عليها غيرَ محتشمات.
وقد جاء في الآية الكريمة قولهُ تعالى: (وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا ۖ وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّ ۖ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَىٰ عَوْرَاتِ النِّسَاءِ ۖ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ ۚ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ). وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ۚ ذَٰلِكَ أَدْنَىٰ أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ ۗ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا).
وفي الآية (31) من سورة النور ذكر (وليضربْنَ بِخُمُرِهِنَّ على جيوبهنَّ)، والخُمُرُ المقانعُ، جمعُ خِمار، وهو غطاءُ رأسِ المرأةِ المنسدِلُ على جنبيها.
أُمِرْنَ بإلقاء المقانع على ضفورهنَّ تغطيةً لنحورهنَّ، فقد قيل إنَّهُنَّ كُنَّ يلقينَ مقانعهنَّ على ظهورهنَّ فتبدوا صدورُهُنَّ، وَكَنَّى عن الصدور بالجيوب؛ لأنها ملبوسةٌ عليها، وقيل إنَّهُنَّ أُمِرْنَ بذلك ليسترنَ شعورَهُنَّ وقُرُطُهُنَّ وأعناقهنَّ.
قال ابنُ عباس - ونحن نقول بقوله – رضي الله عنه: (تغطي شعرها وصدرها وترائبها وسوالفها).
وإني آملُ بالإشارة إلى وزير المعارف بأنَّ من جملة مسؤولياته سعادتُه التفتيش الجدي على المعلمات في مدارس البنات وما يُلَقَّنَّه تلميذاتهنَّ، وهل المعلمات في درجة علمية كافية لهذه المسؤولية الدينية والأخلاقية التي وُضِعَتْ على عواتقهنَّ، إنَّهُنَّ في المدرسة محلُّ الأب والأمِ فإذا عُثِرَ على مديرةٍ لمدرسة أو على معلمةٍ بها تترخَّصُ في هذه المقدسات الأخلاقية فلينْقُلْها بدون تردد. هذا واجبي الذي سيسألني اللهُ عنه أضعُهُ على عاتق الحكومة لتقوم بواجبها نحوه، وإني آملُ منكم الاهتمام الشديد بأمرنا هذا ومتابعته وعرض نتائجه علينا وآمل من الأردنيات المسلمات أن يخْضَعْنَ لأمر الله ونصائحنا، وإنني أرجو بمشيئة الله قيامهن بذلك وأن يشكرن على ذلك عزيزي.
18 صفر 1359هـ
27 آذار 1940م
ولا أظن عزيزي القارئ أنني أحتاج أن أعلق على هذه الرسالة الملكية، والتي تكشف لنا رعاية الدولة للإسلام بشكل تفصيلي، قبل ظهور الجماعات الإسلامية، وأن محاولة العبث بمركزية الحضور الإسلامي في مناهج التعليم والمجتمع هو عدوان على أصل الدولة وجوهرها، وهو الإسلام.