مراهقون وعشاق بين زمانين...
د. زيد النوايسة
أكاديمي وكاتب
نيسان ـ نشر في 2019-03-09 الساعة 21:48
نيسان ـ الحب بنكهة سمنة الغزال وبناطيل الخصر الساحل...
في الحي الذي أسكن فيه في عمان توجد مدرسة ثانوية للإناث. وكلما شددت الرحال لعملي صباح كل يوم أضطر للاستئذان من العشاق الهاربين من مدارسهم بأن يفسحوا المجال لي حتى استقل السيارة أذ غالباً ما يتكئون على صندوق السيارة حتى يبتعدوا عن عيون الناس ويسردوا مزيداً من قصص العشق العبثي الطفولي التي تنحصر في بطولات قيس بن الملوح التي لا تنتهي على ما يبدو وبنطال الجينز الساحل الذي يشبه كل شيء ألا البنطال حتى أنني كدت أن اطلب منه في حال قرر الاستغناء عنه أن أستخدمه لتنظيف السيارة....
بالمقابل تبدو أندهاشه ليلى العامرية وهي تنظر بأعجاب "للشمقمق" فارس أحلامها الذي بالكاد يملك ثمن أربع سجائر “فرط" من الدخان يضعها في العبوة مع ولعة السجائر وفي الصورة الخلفية لمخيلتها صور نجوم المسلسلات التركية ذات الالف حلقة وحلقة الأكثر وسامة الذين دائماً يأتون في الوقت المناسب ليس على ظهر حصان أبيض كما في رواية الف ليلة وليلة بل على ظهر سيارة جاكور او بورش ويفضل بي ام دبليو سوداء كوبيه... وهي ترسم بالعقل الباطن فوتوشب ذهني متخيل بحيث ترى صورة مهند ما غيره حبيب "نور" في وجه العاشق التائه الذي يبدو أن الماء يمر خفيفاً وسريعاً على وجه مرور الكرام صباحاً...
الشمقمق أو أبن الملوح وقد وضع على شعره من الدهن المسمى "جل" ما يوازي كيلو سمنة الغزال لكي يبدو شعره لامعاً وجذاباً واستخدم "الفرجار" حتى يهندس لحيته ويبدو تماما مثل صورة اديسون –مكتشف المصباح الكهربائي-في كتاب العلوم القديم في المرحلة الإعدادية ولا أذكر أنني اقتربت منه ألا وكان غاضباً معاتباً ينفث في سيجارته وينظر للسماء متأملاً مدارياً وجهه وكأنه يحمل هموم الكون كله بما فيه الصين الشعبية... فيه من الغضب ما يوازي غضب العرب على سقوط الأندلس وبكاء أبو عبد الله الصغير يوم سقطت غرناطة وبالتأكيد على أمر تخجل التفاهة منه مثلاً كعدم الرد عالواتس أو وضع ليلي العامرية شارة الاعجاب لايك على صورة لصديق على الفيس... وهي من شدة الخديعة أظنها تجهد نفسها بالتبرير وتعرف أنه يكذب ولكنها تشعر بالسعادة فالحب كالشعر أجمله وأعذبه أكذبه...
يتكرر المشهد بشكل شبه يومي حتى أنى ألفتهم وألفوني وصاروا يبادلوني ابتسامة خجولة توحي بالاعتذار على أستخدام السيارة ... تعايشت مع هذا المشهد شبه اليومي لكنني ومنذ أسابيع فقدت ذلك المشهد اليومي وتحديداً بعد ظهور نتائج الثانوية العامة لأن فضولي يدفعني للمتابعة اليومية حتى وجدت الشمقمق يعمل في المقهى المجاور لسكني وعندما سألته عن النتيجة قال وبعد أن شن هجوما على الوزير السابق محمد الذنيبات أنه لم يوفق في أربع مواد ... قلت في نفسي لو تركت العشق وانصرفت لكتبك ما كان الذي جرى ولكن "يضرب الحب شو بيذل يا شمقمق" وأعطيني واحد يانسون...
تغير الزمن كثيراً وصار المشهد الذي تابعته في العاصمة مألوفاً حتى في القرى بما فيها القرية التي عشت فيها طفولتي وصارت أكبر من البلدة واقل من المدينة بقليل... لا يوجد في أرشيفي أي قصة عاطفية لعدة أسباب لأن هذا الامر مستنكر نسبياً في القرى وخروج على العادات والتقاليد وكانت طبيعة عملي كوني المناوب اليومي في "الدكان" وأنخراطي مبكراً في الثقافة منذ حصولي على قصة رحلة الى القمر المصورة للأطفال من منشورات إبراهيم عزوز في الفجاله/ مصر بخمس قروش من دكانة المرحوم يوسف العضايلة التي كانت تبيع الصحف والقصص وعلب الهندسة بالإضافة للمواد التموينية كالسردين والبلابيف والشاي والسكر... وأعترف أنني لم أكن سينمائي الملامح أو تلفزيوني الاطلالة اذ كان النجم الملهم أيامنا عبد الحليم حافظ وهاني شاكر واميت بتشان ولاحقاً ظهر الأستاذ والملهم الملقب بالهضبة الفنان عمرو ذياب وحميد الشاعري وراغب علامة وهم الذين لم أحمل نحوهم أي مشاعر اعجاب للثلاثة الأخيرين تحديداً بل كانت رائعة فهد بلان عالبال بعدك يا جبل حوران أهم الف مره وكذلك أغاني توفيق النمري وعبده موسى وميسون الصناع ...
هناك أحساس أن مرحلة المراهقة في القرى قصيرة نسبياً أذ يتم حرق المراحل العمرية فالعبور من الطفولة الى مرحلة الرجولة هو السائد وأن وجدت المراهقة فهي قليلة ومحدوده ولا تتجاوز التسكع على أبواب المدارس خاصة أذا كان العاشق لديه بنطلون جينز ماركة اف يو اس التي انتشرت في ذلك الزمان مع حركات استعراضية تشي بالرجولة وارتداء الفلدة الخضراء عسكرية المنشأ والشماغ المهدب ...
التحول المهم كان في حلب عندما وصلتها للدراسة الجامعية كان المشهد مختلف كلياً... مدينة لها تراث في كل شيء بدأ من أصول العائلات الذي يمتد لمئات السنين في نفس المسكن المتوارث والتقاليد الاجتماعية التي لا تعتبر الحب رجساً من عمل الشيطان رغم أن الحلبية متدينون (اغلبهم حنابلة) ... حياتهم الاجتماعية المختلفة عما تركته في الكرك... السهر شبه الدائم والاراجيل وأنغام المقامات الحلبية بصوت أديب الدايخ وصبري مدلل وصباح فخري وشادي جميل الذي سكن اقاربي مروان الطراونة وشفيق النوايسة بجواره مباشرة... الجامعة التي تنتشر فيها المقاعد بين الأشجار للعشاق الذين يتهامسون تحت شجر الزيزفون المنتشر برائحته الجميلة... كلية الآداب التي صمم مبناها على شكل قارب الحب بالمقابل غادرت الكرك وكانت جامعة موته بالبركسات والهناجر... المدينة الجامعية التي تتقابل فيها سكنات الطلاب مع الطالبات وشارع "الكسدوره" هكذا يسميه الطلاب السوريين وأغلبهم من قرى حمص والساحل السوري ودير الزور والقامشلي... مزيج جميل من الملامح التي تتنافس في الجمال حسب المرجعية البيئة والجغرافية والثقافية والسياسية... لا استهجان مطلقاً لفكرة الدخول في قصة عاطفية بعيداً عن الأصل والعرق والطائفة والمذهب دون الحاجة للحديث عن بطولات القبيلة الملهمة و"هضولا" أحنا على طريقة عمر العبداللات في أغاني الحرب الكونية الثالثة على اذاعات الاف ام المحلية وصور الأطفال المراهقين على الفيس بوك مع الأسلحة الثقيلة والخفيفة مزنرة بعنوان على طاري الفخر هضول أحنا... وخا
في الحي الذي أسكن فيه في عمان توجد مدرسة ثانوية للإناث. وكلما شددت الرحال لعملي صباح كل يوم أضطر للاستئذان من العشاق الهاربين من مدارسهم بأن يفسحوا المجال لي حتى استقل السيارة أذ غالباً ما يتكئون على صندوق السيارة حتى يبتعدوا عن عيون الناس ويسردوا مزيداً من قصص العشق العبثي الطفولي التي تنحصر في بطولات قيس بن الملوح التي لا تنتهي على ما يبدو وبنطال الجينز الساحل الذي يشبه كل شيء ألا البنطال حتى أنني كدت أن اطلب منه في حال قرر الاستغناء عنه أن أستخدمه لتنظيف السيارة....
بالمقابل تبدو أندهاشه ليلى العامرية وهي تنظر بأعجاب "للشمقمق" فارس أحلامها الذي بالكاد يملك ثمن أربع سجائر “فرط" من الدخان يضعها في العبوة مع ولعة السجائر وفي الصورة الخلفية لمخيلتها صور نجوم المسلسلات التركية ذات الالف حلقة وحلقة الأكثر وسامة الذين دائماً يأتون في الوقت المناسب ليس على ظهر حصان أبيض كما في رواية الف ليلة وليلة بل على ظهر سيارة جاكور او بورش ويفضل بي ام دبليو سوداء كوبيه... وهي ترسم بالعقل الباطن فوتوشب ذهني متخيل بحيث ترى صورة مهند ما غيره حبيب "نور" في وجه العاشق التائه الذي يبدو أن الماء يمر خفيفاً وسريعاً على وجه مرور الكرام صباحاً...
الشمقمق أو أبن الملوح وقد وضع على شعره من الدهن المسمى "جل" ما يوازي كيلو سمنة الغزال لكي يبدو شعره لامعاً وجذاباً واستخدم "الفرجار" حتى يهندس لحيته ويبدو تماما مثل صورة اديسون –مكتشف المصباح الكهربائي-في كتاب العلوم القديم في المرحلة الإعدادية ولا أذكر أنني اقتربت منه ألا وكان غاضباً معاتباً ينفث في سيجارته وينظر للسماء متأملاً مدارياً وجهه وكأنه يحمل هموم الكون كله بما فيه الصين الشعبية... فيه من الغضب ما يوازي غضب العرب على سقوط الأندلس وبكاء أبو عبد الله الصغير يوم سقطت غرناطة وبالتأكيد على أمر تخجل التفاهة منه مثلاً كعدم الرد عالواتس أو وضع ليلي العامرية شارة الاعجاب لايك على صورة لصديق على الفيس... وهي من شدة الخديعة أظنها تجهد نفسها بالتبرير وتعرف أنه يكذب ولكنها تشعر بالسعادة فالحب كالشعر أجمله وأعذبه أكذبه...
يتكرر المشهد بشكل شبه يومي حتى أنى ألفتهم وألفوني وصاروا يبادلوني ابتسامة خجولة توحي بالاعتذار على أستخدام السيارة ... تعايشت مع هذا المشهد شبه اليومي لكنني ومنذ أسابيع فقدت ذلك المشهد اليومي وتحديداً بعد ظهور نتائج الثانوية العامة لأن فضولي يدفعني للمتابعة اليومية حتى وجدت الشمقمق يعمل في المقهى المجاور لسكني وعندما سألته عن النتيجة قال وبعد أن شن هجوما على الوزير السابق محمد الذنيبات أنه لم يوفق في أربع مواد ... قلت في نفسي لو تركت العشق وانصرفت لكتبك ما كان الذي جرى ولكن "يضرب الحب شو بيذل يا شمقمق" وأعطيني واحد يانسون...
تغير الزمن كثيراً وصار المشهد الذي تابعته في العاصمة مألوفاً حتى في القرى بما فيها القرية التي عشت فيها طفولتي وصارت أكبر من البلدة واقل من المدينة بقليل... لا يوجد في أرشيفي أي قصة عاطفية لعدة أسباب لأن هذا الامر مستنكر نسبياً في القرى وخروج على العادات والتقاليد وكانت طبيعة عملي كوني المناوب اليومي في "الدكان" وأنخراطي مبكراً في الثقافة منذ حصولي على قصة رحلة الى القمر المصورة للأطفال من منشورات إبراهيم عزوز في الفجاله/ مصر بخمس قروش من دكانة المرحوم يوسف العضايلة التي كانت تبيع الصحف والقصص وعلب الهندسة بالإضافة للمواد التموينية كالسردين والبلابيف والشاي والسكر... وأعترف أنني لم أكن سينمائي الملامح أو تلفزيوني الاطلالة اذ كان النجم الملهم أيامنا عبد الحليم حافظ وهاني شاكر واميت بتشان ولاحقاً ظهر الأستاذ والملهم الملقب بالهضبة الفنان عمرو ذياب وحميد الشاعري وراغب علامة وهم الذين لم أحمل نحوهم أي مشاعر اعجاب للثلاثة الأخيرين تحديداً بل كانت رائعة فهد بلان عالبال بعدك يا جبل حوران أهم الف مره وكذلك أغاني توفيق النمري وعبده موسى وميسون الصناع ...
هناك أحساس أن مرحلة المراهقة في القرى قصيرة نسبياً أذ يتم حرق المراحل العمرية فالعبور من الطفولة الى مرحلة الرجولة هو السائد وأن وجدت المراهقة فهي قليلة ومحدوده ولا تتجاوز التسكع على أبواب المدارس خاصة أذا كان العاشق لديه بنطلون جينز ماركة اف يو اس التي انتشرت في ذلك الزمان مع حركات استعراضية تشي بالرجولة وارتداء الفلدة الخضراء عسكرية المنشأ والشماغ المهدب ...
التحول المهم كان في حلب عندما وصلتها للدراسة الجامعية كان المشهد مختلف كلياً... مدينة لها تراث في كل شيء بدأ من أصول العائلات الذي يمتد لمئات السنين في نفس المسكن المتوارث والتقاليد الاجتماعية التي لا تعتبر الحب رجساً من عمل الشيطان رغم أن الحلبية متدينون (اغلبهم حنابلة) ... حياتهم الاجتماعية المختلفة عما تركته في الكرك... السهر شبه الدائم والاراجيل وأنغام المقامات الحلبية بصوت أديب الدايخ وصبري مدلل وصباح فخري وشادي جميل الذي سكن اقاربي مروان الطراونة وشفيق النوايسة بجواره مباشرة... الجامعة التي تنتشر فيها المقاعد بين الأشجار للعشاق الذين يتهامسون تحت شجر الزيزفون المنتشر برائحته الجميلة... كلية الآداب التي صمم مبناها على شكل قارب الحب بالمقابل غادرت الكرك وكانت جامعة موته بالبركسات والهناجر... المدينة الجامعية التي تتقابل فيها سكنات الطلاب مع الطالبات وشارع "الكسدوره" هكذا يسميه الطلاب السوريين وأغلبهم من قرى حمص والساحل السوري ودير الزور والقامشلي... مزيج جميل من الملامح التي تتنافس في الجمال حسب المرجعية البيئة والجغرافية والثقافية والسياسية... لا استهجان مطلقاً لفكرة الدخول في قصة عاطفية بعيداً عن الأصل والعرق والطائفة والمذهب دون الحاجة للحديث عن بطولات القبيلة الملهمة و"هضولا" أحنا على طريقة عمر العبداللات في أغاني الحرب الكونية الثالثة على اذاعات الاف ام المحلية وصور الأطفال المراهقين على الفيس بوك مع الأسلحة الثقيلة والخفيفة مزنرة بعنوان على طاري الفخر هضول أحنا... وخا
نيسان ـ نشر في 2019-03-09 الساعة 21:48
رأي: د. زيد النوايسة أكاديمي وكاتب