اتصل بنا
 

لقاء ذروتي العقل والروح!

كاتب وصحافي اردني

نيسان ـ نشر في 2019-03-27 الساعة 12:22

نيسان ـ لم يدر في خلد «محيي الدين بن عربي» أشهر مفكري المتصوفة الذي تقترب ذكرى ميلاده الخامسة والخمسين بعد الثمانمائة، أن مواجهته مع تكلّس العقل ستستمر بعده بقرون طويلة.
فأسئلة هذا الليل الحالك الذي نعيش، تُذكّر بما عاشه المفكر العظيم الذي رفض الاقامة في برج عاجي كان في متاحه، مؤثرا أن يبدأ حكاية شاقّة مع ثنائية الروح والعقل، تكللت بنشره «فصوص الحكم» الكتاب الذي يعد أساسيا في مساره الفكري.
عاش «ابن عربي» أجواء مسمومة، كالتي يعيشها الشرق حاليا، اذ أقامت نخب وسلطات الدولة العربية الإسلامية الممزقة وعلماؤها، الدنيا ولم تقعدها لمحاربة «ابن عربي» وافكاره التي تقوم على اطلاق الروح والعقل من ربقة الجمود.
استطاع «ابن عربي» أن يدخل الخلوة بذكاء متوقد، وهو يلم برؤى صوفية نافذة، بعد ان اجتمع مع اعظم شارحي «ارسطو» العرب، الفيلسوف «ابي الوليد بن رشد» في 595 للهجرة برغبة من الاخير، الذي تيقن من أهمية مسلكه الروحي وتوجهه بعيدا عن اجواء الفلسفة، واستغل «ابن عربي» اعجاب «ابن رشد» به فحاول التأثير عليه عن طريق عرضه لبعض ارائه حول تلمسه لبعض الحقائق الفلسفية تلمسا قلبيا، وادراكه لبعض المسائل الاستدلالية ادراكا شهوديا.
في خلاصة الحوار المقتضب الذي جرى بين قطبي التصوف والعقل تتبين الجذور الأولى لاي توجه توفيقي أو وسطي ظهر فيما بعد في منهج «ابن عربي» بالاستفادة من النص القرآني والفكر الديني المنتج عنه، فحاول «ابن عربي» اقناع «ابن رشد» بالمنهج الذوقي العقلي، وامكانية حل معضلات الفلسفة عن طريق الكشف والشهود، وكذلك من اجابته عن سؤال ابن رشد: كيف وجدتم الامر في الكشف والفيض الالهي؟ هل هو ما أعطاه لنا النظر؟
في منطق ابن عربي تتضح امكانية استخدام الاستدلال لاقرار الكشف والمشاهدة، الامر الذي يوفر القول ان «ابن رشد» تعرض لتردد حقيقي في الرد عليه، ومن هنا فان اللقاء مع «ابن رشد» كان اندفاعة حقيقية نحو المنهج الذوقي، واجابة صريحة على اسئلة «ابن عربي» الكبرى، وتنبهه ايضا إلى المأزق الفلسفي. وقد مثل هذا اللقاء على المستوى التاريخي التقاء بالعقل والقلب، ولم يدر احد من الاثنين انه كان آخر لقاء بين طريقين سيسلكهما العالمان الشرقي والغربي فيما بعد، ليكون «ابن رشد» اعظم فلاسفة المسلمين في الغرب المسيحي، فيما اصبح «ابن عربي» الشخصية اللامعة في تاريخ التصوف الإسلامي قاطبة.
اصطدم «ابن عربي» خلال مناظراته مع ممثلي المدارس الفكرية المنتشرة في العالم الإسلامي آنذاك، بممثلي المعتزلة والفلاسفة والملحدين. في نتيجة تلك الصراعات الفكرية مع ممثلي هذه التيارات واجه «ابن عربي»، اشكالية الصراع بين مناهج المعرفة المختلفة المتصارعة داخل المدرسة الفكرية الواحدة ومع سواها من المدارس.
أمّا النتائج التي استخلصها ابن عربي من الناحية المبدئية من هذا الصراع فهو اصطدامه بالمنهج الحسي عند الفقهاء الذي يتركز في ظاهر النص ويغيّب كل ما وراءه، ومواجهته للمنهج العقلي عند الفلاسفة والمتكلمين الذي يتركز في ممارسة تأويل النص، لالغاء أي تعارض له مع الدليل العقلي، فظهرت أولى الضرورات لاقتراح المنهج التوفيقي.
غادر «ابن عربي» الاندلس إلى المشرق نهائيا في 598 هجرية، لكنه لم يجد احوال العالم الإسلامي مختلفة عما كانت عليه في الاندلس، فالخلافات قد مزّقت وحدة السلطة السياسية والدولة التي صارت دويلات صغيرة متنازعة يتحالف بعضها مع الاعداء ضد ابناء الملّة.
في العراق، حيث حطّ «ابن عربي» رحاله احاطت به عاصفة وضجّة كبيرتان، وتجمع حوله اصحابه وتلامذته ومريدوه، فكان عندهم محل حفاوة وتقدير، لدرجة انهم كانوا يجعلون طاعته قبل طاعة الخليفة، الذي صادفه في احدى طرق بغداد محاطا بمريديه واتباعه فواجهه «ابن عربي» بلا اكتراث، الامر الذي كان مؤشرا قويا على التمرد ضد كل السلطات.
نحو تسعة قرون مضت بعد رحيل «ابن عربي» لم يستطع العقل العربي خلالها من مغادرة تكلسه وارتهانه لنفي الاختلاف حتى داخل اللون الواحد.

نيسان ـ نشر في 2019-03-27 الساعة 12:22


رأي: سليمان قبيلات كاتب وصحافي اردني

الكلمات الأكثر بحثاً