اتصل بنا
 

لو أن نيبال من حارتنا القديمة

نيسان ـ نشر في 2019-03-30 الساعة 20:07

نيسان ـ لسمعنا اسمها من سماعة المسجد، كان سيعلن عنها العمّ أبو حماد أو صديق جدي محمود الرشيد، كان سيقول: "بسم الله الرحمن الرحيم، بنت ضايعة عمرها 3 سنوات لابسة بلوزة حمرا وبنطلون اسود وما بيهاش علامات اميَّزه"، لا هواتف غبية ولا فيس بوك ولا برامج إذاعية ولا نشطاء ولا صحافيي صُدّف.. سماعة مسجد فقط.
السماعة التي تقوم بمهام كثيرة، السماعة التي كانت شاهدةً على أخلاق المجتمع ومدى تلاحمه. لو أنَّ نيبال من حارتنا لن تضيع، لن تخطف، لن تقتل. ليست لتكبيرات العيد فقط، ليست لإذاعة خبر موت فلان وفلانة كما قالوا قبل 25 سنة: " بسم الله الرحمن الرحيم، انتقل إلى رحمته تعالى الشاب طراد عوض المحمود البشابشة وسيصلى عليه غدًا بعد الظهر، الفاتحة"، أذكرُ طراد جيدًا، كان شابًا يحبُّ قيادة المركبات، ومات بحادث سير مروع. أحيانًا كان صبية الحي يستخدمون السماعة للهو بينما ينظفون المسجد نخوةً منهم، ذات مرة استخدم ابن حارتنا (السُمبل) السماعة للعبث وركض صوبه أبو حماد ولقنه درسًا قاسيًا على الهواء مباشرة.
لو أنَّ نيبال من حارتنا، لسمعنا خشخشة السماعة وصوت زر السماعات الخارجية ثم يعلن أبو حمّاد عن طفلةٍ تائه. تائهةٌ وليست مخطوفة، فقد كان الأطفال يضيعون في الحارات أثناء اللعب، تحديدًا أولاد منطقة السوق وخط الشام، كانت طريق خط الشام تغريهم لمواصلة المشي والوصول إلى حارتنا حيث الملاعب الكثيرة "ملعب اليوبيل، ملعب الاستخبارات، ملعب المستشفى (على كتف مجنة الصقلاوي)، ملعب الحلبية، ملعب دار عدنان"، يصل الطفل حارتنا دون أن يعي، ثم يضيع. يبكي قليلًا، يشاهده رجل راشد، يسأله:" انته ابن مين عموه؟" ثم نعرف والده أو عشيرته ويأخذه أحدهم إلى حارة أهله، وإذا كان صغيرًا لا يستطيع تحديد أهله يحاول بعض أهل القيافة التفرس فيه ليعرفوه باستخدام "الدميَّه".
"تخافش عموه، عيب تبكي، طيب شو اسم خالك، ابوك ابو شو، شو في بجنب داركو" جمل كثيرة تقال للطفل. وثمة جمهرة خفيفة من الفضوليين والمتطوعين حول طفل يجلس ويضيع رأسه بين ركبتيه ببكاء خفيف وانعدام للأمان. بعض النساء على الشرفات أو يخرجن رؤوسهن من النوافذ ويرددن عبارات متطرفة: "الحق على امه الي مسيبه الولد، شو النساوين هاي الي بتخلف وبتزت، يا ويلي عليها أمه هسى قلبها بعجن عليه، يا ميمتي عليه قَد ابني احمد؛ شره على حاله" إنه ولد تائه.
لا أحدَ يخطف طفلًا، تخيل فزعة أبناء خلف السليم، أو أبناء العبيدي البشابشة، أو أولاد محمد الرزق، أو أولاد نواف الكركي أو أبناء عدنان، تخيل لو وجدوا طفلًا تائهًا! تخيل ماذا كنا نفعل إذا مرّ الغريب من الحارة، المرةُ الأولى له، في اللفّة الثانية يتم استجوابه. لا أحد يخطف طفلًا من تحت شواربنا، هم يضيعون فقط لأن الطريق مغرية، أشجار الفلفل ويافطات محلات الصرافة وصخب الملاعب.. هذا فقط ما يخطف أطفالنا ثم يعودون إلى بيوتهم. ماتت نيبال مقتولة مخطوفة بعد تشوّه قرانا وحاراتنا وأزقتنا.
كلنا مخطوفون.. والذبحُ جارٍ

نيسان ـ نشر في 2019-03-30 الساعة 20:07


رأي: علي عبيدات كاتب

الكلمات الأكثر بحثاً