اتصل بنا
 

صديق البطل

نيسان ـ نشر في 2019-05-06 الساعة 10:48

نيسان ـ نموذج استعراضي نرجسي، لا يحظى بشعبيةٍ واسعة في محيطه، على الرغم من اللطف الذي يبديه المجموع تجاهه من باب "مكافاة الشر"، كما نقول في الدارجة الأردنية، حين يتعلق الأمر بشخصٍ يعاني من خلل ذهني أو نفسي أو مسلكي. يشكل التعامل مع هذا النوع من البشر تحدّيا كبيرا لجملتك العصبية، ولقدرتك على التحمل، لأنهم يرسلون ولا يستقبلون، ولا يعنيهم من الآخرين سوى الإقرار والقبول. هؤلاء المساكين الذين يستحقون الرثاء، كونهم مخلوقات هشة مأزومة، فاقدة للثقة بنفسها، على الرغم من مظاهر التكبر والغرور والاستعلاء التي يعبّرون عنها في حراكهم اليومي. ولأسباب غير مفهومة، وبدون مبرّرات منطقية، يعيشون طويلا، وقبل لحظة الصحوة، وهم التفوق والنخبوية. يعتقد الواحد منهم أنه الأكثر ذكاء وحكمة وقدرة على التمييز، واتخاذ القرارات الصحيحة، واحتكار الحق والحقيقة، وينظر إلى الآخرين من نقطة تمييزه الواهية بفوقيةٍ وازدراء، لأنهم، من وجهة نظره المشوّشة، كائناتٌ أقل شأناً من سموه.
المؤسف أن هذا النموذج البائس بات الأغلبية في مجتمعاتنا المعاصرة، المنكوبة بكل أشكال الأمراض النفسية، مثل النرجسية وجنون العظمة، حيث يقع المرء في عشق نفسه، مدافعاً ومبرّراً لها خطاياها. حينها يصدق المريض، ويتصرّف على أساس أنه محور الكون، وهو الأكثر فهماً وإدراكاً وأهمية. وبالتالي، فإنه الشخص الكامل الذي لا ينطق عن الهوى، وهو فوق الانتقاد، وفوق الخطأ وعدم اللباقة والجهل والغباء التي تميّز العاديين من الناس! لذلك هو محكومٌ بالعزلة والفراغ النفسي والوحشة والاغتراب والقدرة على إبعاد الناس عنه، بسبب نفورهم من تصرّفاته البغيضة، وليس من السهل أن ينجح في أي علاقة إنسانية مهما كان عنوانها، ما لم يكن الطرف الآخر ينتمي إلى النموذج النقيض تماماً، وهو النموذج الأكثر خطورةً، يمكن أن نسميه صديق البطل، لكنه لا يشبه أحمد رمزي، صديق البطل في الأفلام العربية، الطيب المخلص، بل هو نموذج تبعي، يتقن مهام السكرتاريا أو الوصيفة، ذكي صبور لا يستعجل الأمور، غير معني بالظهور الفجّ والصادم، يُحسن التخطيط بتأنٍّ، قادر على تصنّع التحلي بكل نقائض نموذجنا الأول من حيث التواضع والتفاني وإنكار الذات.
يبدو متخففاً من روح التنافس، ويميل إلى الهدوء وحسن انتقاء الألفاظ. يتعاطى مع أي علاقة إنسانية باعتبارها فرصة ثمينة لتحقيق مكاسب شخصية، تسهم في صعوده السلم الاجتماعي. يسعى بادّعاء الصداقة إلى تضخيم ذات المريض، المبتلي بالوهم وتلميع صورته وتجميلها، باعتبارها جملة مزايا وفضائل. يضلل الآخرين عن سبق إصرار وتصميم، محاولا إقناعهم بأن الصديق النرجسي الذي يعاني من جنون العظمة إنسان خارق، ومعصوم من ارتكاب الهفوات، وهو أصل الفهم والمعرفة والإدراك. عندها تقع الضحية في الفخ ويحظى صديق البطل بالمباركة والقبول، لأنه ارتضى على نفسه الخضوع المطلق، وعطل قدرته على الملاحظة وإصدار الأحكام، وتدرب جيداً على الإيماء، موافقاً، في كل مرة، على مواقف وأفكار خاطئة غير منطقية، مكيلا المديح والإطراء الكاذب، كاتماً رأيه الحقيقي، ومعرفته الأكيدة بأن البطل مجرد نموذج رثّ وهزيل، بدون مزايا إنسانية جديرة بالذكر. وتكمن الخطورة في اطلاعه على التفاصيل، لارتكاب فعل الخيانة والغدر في الوقت المناسب، فيما إذا استنفدت العلاقة أسبابها، ولم يعد ثمة مكاسب إضافية يحققها بفعل مهارة لعق الأحذية.
من هنا، يبدو مفيدا لنا التأني في اختيار الأصدقاء، والتحقق من صفاء سريرتهم وحسن نياتهم، قبل منحهم الثقة، والتأمل جيداً في أعماقنا ومواجهة ذواتنا بشجاعة، محاولين تحرّي الموضوعية، والاعتراف بنقاط ضعفنا، والتخلي عن عنادنا، والتشبث بآرائنا من باب الكبرياء الأحمق، وتفادي الوقوع في شرك صديق البطل المضلل، الكفيل بتجريدنا من احترامنا ذواتنا، عندما تحين لحظة الصحوة الصادمة، وهي آتية لا ريب فيها في مرحلة ما.
العربي الجديد

نيسان ـ نشر في 2019-05-06 الساعة 10:48


رأي: بسمة النسور

الكلمات الأكثر بحثاً