اتصل بنا
 

جلسات تعذيب مشتركة لأب وابنه في سجون الأسد

نيسان ـ نشر في 2019-06-28 الساعة 15:07

x
نيسان ـ لنشاطه في دعم المتظاهرين وتقديم مساعدات للمصابين والأيتام، لاحق النظام السوري طارق المدني (51 عاما)، وهو مهندس من مدينة حماة (شمال).
استخدم نظام بشار الأسد ياسر (25 عاما) طعما للإيقاع بأبيه، ثم جمعهما في جلسات تعذيب عديدة خلال تحقيقات في تهم ملفقة.
"المدني"، الذي استقر في تركيا بعد مصادره أمواله في سوريا، قال إن "النظام يترصد لكل معارض ليعتقله.. من بدايات الحراك الشعبي عام 2011، أسسنا تنسيقيات للإشراف على المظاهرات وتقديم المساعدات وكتابة اللافتات والتواصل مع الإعلام".
وأضاف: "كنت أعمل بشكل سري بسبب وظيفتي الحكومية، ومع سقوط شهداء مدنيين على أيدي النظام، قبل تحول الحراك إلى مواجهة مسلحة، كانت علينا مهمة رعاية أهالي الشهداء والأيتام والمعاقين، وتوفير علاج للمصابين".
وتابع: "اُعتقلت في 31 أكتوبر/تشرين أول 2015؛ بسبب هذا النشاط".
وأوضح: "جرى اعتقالي بحيلة.. شخص من الأمن أوقف ابني وابنتي على الطريق، وضرب ابني ليركب معه سيارة، وأخذ الهاتف من ابنتي".
وزاد بقوله: "جاؤوا إلى مكتبة امتلكها، لكن لم أكن موجودا، فطلب الضابط من ابني الاتصال بي والقول إنه موقوف لضربه عنصرا عسكريا، وأنه يجب أن أحضر إلى مفرزة معينة (مركز أمني)، وبعدها كلمني الضابط، وكان برتبة مقدم، وقال إنه يريد إنهاء الموضوع وديا".
وأردف: "ابني طالب مجتهد وغير مطلوب (أمنيا).. جئت سريعا، واستقبلني الضابط بشكل جيد، وقال: نريد الذهاب إلى رئيس فرع الأمن العسكري، لنتحدث معه لحل المشكلة.. وهكذا تم اعتقالي".
تهم عديدة
عن التهم التي ساقها النظام، قال الأب إنها "عديدة، ومنها: التسليح، وتشكيل خلايا نائمة للتواصل مع جهات خارجية داعمة، وتمويل الإرهاب، ووتحضير وتنفيذ اغتيالات".
وتابع: "خضعت لتحقيق يومي لمدة شهر، وكل يوم مرتين وثلاثة، لا أستطيع النوم.. ينهي محقق عمله، ليأتي الثاني، وفي النهاية أنكرت كل التهم، فلا علاقة لي بأي عمل مسلح".
وأردف: "مدة الاعتقال كاملة كانت 7 أشهر.. فور دخولي كان يفترض أن ألتقي مع رئيس الفرع، لكن وضعوني في غرفة عبارة عن حمام به شباك صغير".
ومضى قائلا: "بعد ساعة جاء شخص وربط يدي وأغلق عيني، بعد استلام أشيائي الخاصة.. 4 عناصر أمن نقلوني بسيارة ليلا.. توقعت نقلي إلى دمشق أو فرع آخر، لكن أقتادوني إلى مبنى اتحاد العمال".
وزاد بقوله: "وضعوني في قبو.. غرفة صغيرة روائحها كريهة، أُخفيت بها لـ15 يوم لم يعلم أهلي خلالها مكاني.. صادروا الهواتف والممتلكات الإلكترونية والمالية من المنزل، وقيل لعائلتي إنه تم نقلني إلى دمشق".
مواجهة الأب والابن
بشأن التحقيقات، قال "المدني": "أول يومين أو ثلاثة كان التحقيق محترما باعتبار أنني مهندسا.. أصررت على إنكار التهم.. في اليوم الثالث قالوا سنحضر شخصا سيعترف بما عملته، وكان هو ابني الذي كانوا قد حققوا معه، وأعتقدت أنهم أفرجوا عنه".
وتابع: "قيل له إن أبيك اعترف بأنه قاتل ومرتكب جرائم، فقال ابني: لم نفعل شيئا من هذا القبيل، كنا نساعد في التظاهرات والمتظاهرين. فطلبوا منه قول ذلك أمامي، وجرت المواجهة وأعيننا مغلقة.. لحين ذلك لم يكن هناك ضرب، لكن إهانة بالكلام والتطاول على الشرف والعرض".
وأردف: "قال ابني إننا بالفعل دعمنا المتظاهرين، ووالدي كان يدفع أموالا، فاضطررت للإقرار بذلك.. عندها قال لي المحقق: هذا يعني أن كل ما أنكرته صحيحا.. فقلت: لا.. ومن هنا بدأ التعذيب من الصباح للمساء وأنا مقيد بالدولاب (يتم فيها تقييد يدي المعتقل إلى رجليه عبر حشره داخل إطار سيارة وبعد ذلك تبدأ عملية الضرب على أنحاء مختلفة من جسده).. وعندما يريحني يعلقني بطريقة الشبح (تعليق المعتقل من يده على الحائط ومن ثم ضربه) أنا وابني.. إما أرى ابني يُضرب أو مشبوحا أو العكس، أو نكون سويا".
وأضاف: "قال المحقق مرة إنه مسموح أن أُقتل في التعذيب، طالبا مني الاعتراف بخلايا نائمة.. وبعد يوم من التعذيب سمعت محقق ثانٍ يقول: يكفي الساعة 4:30 فجرا.. كان يريد معرفة الممول، كان هناك شخصا مطلوبا للأمن ومقيم خارج سوريا، قلت هو فلان، ولم أكن أعلم أنه مطلوبا، وبالتالي اعتبرت منهم".
وأوضح: "كنت في زنزانة تعرف باسم واقف، بأبعاد 80×80 سم.. بقيت شهرين أنام بها.. في فترة الاعتقال الأولى، امتدت 15 يوما، كنت منسيا وبقيت 3 أيام دون طعام، يومان منهم يداي مقيدتان خلفي وعيناي معصوبتان، مع روائح بسبب قضاء الحاجة في المكان".
وأردف: "كان لا يسمح لنا برؤية وجوه السجانين والمحققين، وبعد التحقيق في الفرع العسكري بشهرين، وقعوني على أوراق وأنا مغمض العينين، وقيل لي: هي أقوالك".
** فرع فلسطين
"بعدها نقلوني إلى فرع فلسطين بدمشق، وبقيت فيه أكثر من 3 أشهر.. في البداية كانت زنزانة جماعية.. أنا وابني كنا في مهجعين مختلفين في كل منهما قرابة 85 شخصا.. بعد أيام استدعوني للتحقيق، وعندها أعطوني لباسا خاصا، وكان الطقس باردا، والمعتقلون عراة بشكل كامل تقريبا"، حسب "المدني".
وأضاف: "التحقيق في فرع فلسطين كان فيه ضرب.. كنت أرى من يأتي من التحقيق معذبا في وضع سيء.. التحقيق يمتد من 3 إلى 9 أشهر، والخروح منه بمثابة إخلاء سبيل".
وأردف: "لم أغير أقوالي، رغم الضرب مع إصراري على الإنكار.. كان في هاتفي محادثة مع أختي عن قصف معرة النعمان (بمحافظة إدلب- شمال) كتبت فيها: ألا لعنة الله على الظالمين.. فسألوني: هل تقصد بشار الأسد والجيش. قلت: أقصد الجيش الروسي (الداعم لنظام الأسد). فلم يعجبهم الكلام، واستمر الضرب وأكملت 3 أشهر، وبدأت تظهر علي أمراض جلدية، بولية وهضمية، إضافة إلى الحالة النفسية مع عدم معرفة مصير عائلتي".
عن لقائه بابنه ياسر قال الأب: "التقيت معه في تعذيب شبه يومي، لكن في فرع فلسطين كنا سويا، ورغم الكاميرات كنا نتحدث همسا".
فساد ورشاوى
,حول خروجه من السجن، قال "المدني": "فساد النظام ودفع الرشاوى للواسطات هو ما عجل بنقلي من فرع فلسطين إلى سجن عدرا المدني".
وأضاف: "ذهبنا للمحكمة فتم توقيفي وإخلاء سبيل ابني، وكنا نعرف ذلك من الواسطات.. بسبب اعترافاتي وجهت إلي تهمة التوسط لتمويل الإرهاب".
وتابع: "أنكرت الأمر بتعليمات المحامية، وهي كانت صلة الوصل بين عائلتي والضباط والقضاء، وهي من منطقة موالية للنظام، وأبلغتني بما يتوجب علي قوله، وأنها استكملت أوراقا تثبت براءتي.. وأوقفوني شهرين بسجن عدرا، لحين صدور قرار إخلاء السبيل".
الشبح والدولاب
"المدني" عاش وسمع عن حالات تعذيب لخصها بقوله: "التعذيب أثناء التحقيق هو الدولاب والشبح.. الضرب في الدولاب ليس سهلا، فهو يستهدف أي مكان كالرأس والمفاصل، قدماي كانت متورمة، ويصعب المشي عليهما، واعتقدت أنهما كُسرتا".
وأضاف: "هناك أساليب أخرى شاهدنا أناسا عانوا منها.. الشبح يجعل البعض يعترفون بما لم يقوموا به. وهو تعليق المعتقل ووضع سخان كهربائي أسفله مع الضرب، فيضطر للكلام.. ضرب عشوائي بأدوات تسبب جروحا كبيرة تؤدي إلى الموت".
وأردف: "هناك رجل توفي بعد تعذيبه.. أصيب بمرض نفسي ليصرخ ويصيح، فيضربه السجانون لحين اختفاء صوته، وعند خروجنا من فرع فلسطين قال أحد المعتقلين إنه مات.. كما يتم التعذيب بالرش بالماء البارد في الشتاء والضرب لاحقا".
وأوضح أن "من التعذيب أيضا منع الطعام والشراب، والربط على الكراسي، والكرسي الألماني، والضرب على المفاصل، كما يحدث في إسرائيل.. أحدهم قال إنه شعر بالشلل من كثر الضرب".
وتابع: "الكلام في سجن صيدنايا (بريف دمشق) ممنوع، والضرب يومي، والطعام وجبة واحدة، والسجان يمر يوميا سائلا إن كان يوجد ميتا بدل تقديم الطعام، وكان طبيعيا أن يموت معتقل وهو جالس".
هيكل عظمي
"الأمراض كانت تقضي على السجناء.. عندما يتم إبلاغ السجانين بمرض أحدهم، كانوا يقولون: ابتعدوا عنه، وأبلغونا عندما يموت.. كانوا يقولون لنا: لا تفركوا عيونكم كي لا تلتهب.. والطبيب يعطي قطرة للجميع مرة بالأسبوع"، وفق الأب السوري.
وتابع "المدني": "الطعام قليل وسىء جدا وغير نظيف.. البيضة المسلوقة تقسم على 3 معتقلين، والطعام مرة يوميا.. ربع رغيف خبز يجب أن يكفيك كل اليوم".
وأردف: "عندما دخلت السجن كان وزني 85 كيلوغراما، وفي فرع فلسطين كان وزني، بعد خمسة أشهر، 50 كيلوغراما".
وزاد بقوله: "كنت هيكلا عظميا.. خاف ابني عندما رآني.. كان يوجد معتقل من درعا (جنوب) مسجونا منذ سنة ونصف، عندما كنت آراه كنت أخاف منه لضعفه".
والدموع تملأ عينيه، ختم "المدني" بقوله: "في إحدى المرات كنا في الزنزانة، بعد أن عرفت أن ابني موجودا، وقفت عند الفتحة، وبلا شعور بدأت أصرخ، عسى يسمع صوتي، وأقول: ياسر ياسر، ليسكتني السجان.. كنت لا أحب أن يتضرر أحد غيري من عائلتي".

نيسان ـ نشر في 2019-06-28 الساعة 15:07

الكلمات الأكثر بحثاً