اتصل بنا
 

الاحزاب والبنية السياسية

كاتب

نيسان ـ نشر في 2019-07-28 الساعة 14:27

نيسان ـ لا تتطور الاحزاب الا بتطوير نظم الانتخاب في اي دولة، وضمن منظومة و بيئة سياسية ناضجة، قوانين الانتخاب تاريخيا اقصتها و حجمتها وقزمتها، وتحديدا احزاب المعارضة، الحزب تتوسع قواعده بحسب تاريخه النضالي و انجازاته وهو في السلطة، و ليس و هو خارجها فقط، تلك الانجازات هي من يجذب المواطن ليناصر او ينتسب لحزب وليس فقط الأفكار .
ان الحاجة لتطوير قانون الانتخاب ليس حديث هامشي ولا فائض عن الحاجة؛ فلا يمكن الحديث عن اصلاح اقتصادي بمعزل عن الاصلاح السياسي، قانون الانتخاب هو عصب النظام السياسي، و ان نجاح قانون الانتخاب يقاس بمخرجاته وافرازاته، رأينا مخرجات هذا القانون ومنتجاته من قوانين الصوت الواحد منذ 30 عاما.
لم تكن المخرجات بالمستوى المطلوب والمأمول، ولم تفرز سوى مجالس هزيلة مفرغة من مضمونها و وظيفتها الطبيعية، الرقابية والتشريعية، لم تمثل تلك المجالس أغلبية شعبية، ولم تكن ممثلة بعدالة لكافة الأطياف ، فقد دأبت السلطة العمل بقاعدة: قل لي ما المجلس الذي تريد، أعطيك القانون الذي تريد!! فكثفت أغلبية مقاعد المجلس- من خلال قانون الانتخاب- في المناطق ذات الاغلبية الموالية، واقصت المعارضة بتقليل عدد المقاعد المحسوبة على معاقلها ومناطقها، وذلك لضمان اغلبية نيابية موالية مطلقة لا تقول لا ولا تحجب ثقة، وتميل حيث تميل الرياح! متذرعة تارة ب "بعبع" الاخوان، و بعبع اليسار تارة أخرى!! ولا ندري اي بعبع جديد ستتذرع به جوائر صنع القرار!!
بالتأكيد، فان السلطة لن تمسك مواطن من يده وتضعه في حزب، ولكن كي يقتنع مواطن بحزب، على الحزب ان يبرز انجازات وهو بالسلطة وليس خارجها فقط، التاريخ والتجربة يثبتا ان الحزب تتوسع دائرته وجماهيريته عبر ادوات من داخله وخارجه؛ من داخله، من خلال قدرته على الحشد وعمل النشاطات وللفعاليات، و من خلال سجله النضالي التاريخي، ومن خارجه، وهو الأهم ، بخلق بيئة سياسية مواتية وكف القبضة الامنية، و قيام الحزب بتوسيع تآلافاته وتحالفاته وقواعده والتي تأتي بتطوير قانون الانتخاب؛ فمهما كانت قواعد الاحزاب كبيرة، فأنها تفتت بقوانين الصوت الواحد ومنتجاتها، التي تشتت وتضعف الكتلة و القوة التصويتية وتشرذمها، ولا يشكل القانون الحالي قانون قوائم بشكله الحقيقي - حتى لو بدا ظاهرا انه كذلك- كما هو معمول به بالقوائم في الدول المتقدمة ديموقراطيا.
ولا يغدو القانون الحالي سوى إعادة انتاج للصوت الواحد بحذافيره، واذا تحدثنا من منظور اكثر ايجابية، فقد شكل هذا القانون انتقالا من الصوت المجزوء الى الصوت الواحد في أحسن الاحوال عندما تم تعديل الذي سبقه، وهنا يبرز السؤال: لماذا كانت لدينا حياة حزبية قبل سبعين عاما؟ ولماذا تمكنت تونس التي كانت دولة بوليسية من انشاء حياة حزبية فاعلة حيث يتواجد في البرلمان التونسي اليوم ثمانية عشر حزبا، خمسة أحزاب منها لها 8 مقاعد أو أكثر من أصل 217 مقعدا، وكلها أحزاب حقيقية ولها برامج متكاملة تنتخب على اساسها؟ ولماذا تمكنت تونس في 7 سنوات من غربلة الـ116 حزبا التي خاضت الانتخابات العام 2011، غربلة تمت من الشعب وليس من الحكومة؟
وهنا، فالامر يحتم ان نعود الى الوراء قليلا، الجماهير انتفضت ضد مشروع قانون الضريبة قبل نحو عام ، أي ضد النهج الاقتصادي، والذي اساسه نهج سياسي قاصر سببته ادارة حكومات غير منتخبة من الشعب، الذي هو مصدر السلطات، حكومات غير برامجية وغير متجانسة ولم تخرج من رحم الشعب ولم تمثله ولم تقنعه، تشكل من هنا و هناك على اساس مناطقي و جهوي وعلائقي، و على اساس الاسترضاء و الولاء و المحاصصة. لن تكون مشكلتنا شخص رئيس الحكومة سواء كان الملقي او الرزاز او النسور، كل منهم يأتي ليطبق برنامج جاهز معد مسبقا، مع نكهة بسيطة منه، لا تدوم طويلا، و أحيانا بلا اي نكهة، الأساس بالعمل الرئاسي انه عمل مؤسسي و عمل فريق متجانس له برنامج قابل للتطبيق، وله ايديولوجيا تشكل خلفيته، وليس عمل شخص او فرد.

لا بديل عن حكومات تمثل نبض الشارع، ينتخبها ويتحمل نتائج اخفاقها ، ان احسنت يعيد انتخابها، حكومات تشكل من كتل أغلبية نيابية مبدئيا، ليس على شكل الكتل الحالية النيابية التي شكلت على اسس مناطقية وعلائقية داخل المجلس بدلا من اسس فكرية، فتجدها كالرمال المتحركة، سرعان ما تتبدل و تتغير و يقفز نائب من كتلة الى أخرى حسب اهوائه ومصالحه .
لن نصل لكتل حزبية نيابية الا بتعديل و تطوير قانون الانتخاب، ليصبح قانونا اكثر تمثيلا للاحزاب و يضمن وصولها بشكل وازن وبحجمها الحقيقي الى القبة ، بدلا من قوانين انتخاب تقصي الأحزاب وتقزمها و تهمشها، وتضمن هيمنة طيف سياسي واحد باغلبية مطلقة، ان الوصول الى حكومة برلمانية لا يمكن ان يتم دون وجود قانون انتخاب يسمح بذلك، قانون اكثر عدالة وتمثيلا لكافة المكونات السياسية، و الا سنبقى ندور في حلقة مفرغة.
معروف ان القانون الحالي ومنتجاته غير صالح لتشكيل حكومة برلمانية ولا كتل وازنة ، يفترض بالحكومة الحالية انها جائت على وقع ازمة سياسية، على اعتبار ان تؤدي مهمة تاريخية ان صح التعبير، من خلال قيادة حوار شامل مع كافة مكونات المجتمع من احزاب و نقابات و مؤسسات مجتمع مدني حول معالم الاصلاح بحدها الادنى، و على رأسها قانون الانتخاب ، واذا كان الاصلاح السياسي كما يبدوا ليس على اجندتها، فالاجدر ان تستقيل وان تشكل حكومة تسيير اعمال تناط بها مهمة ادارة العملية السياسية وادارة حوار وفق شروط متفق عليها، ذلك يقود الى تشكيل بنية تحتية سياسية تشكل دعائم للنهوض بالاقتصاد.
الحديث عن اصلاح اقتصادي مهما كان نوعه بمعزل عن الاصلاح السياسي لا يغدو سوى ذر للرماد في العيون، النظام السياسي هو البنى التحتية والاساسات للبنية الفوقية المتمثلة بالاقتصاد، فلا حديث عن اقتصاد بدون بناء سياسي.

نيسان ـ نشر في 2019-07-28 الساعة 14:27


رأي: فراس عوض كاتب

الكلمات الأكثر بحثاً