اتصل بنا
 

الحراك الأردني بين الشعاراتية وصناعة الزعامات المحلية

نيسان ـ نشر في 2019-08-05 الساعة 10:49

x
نيسان ـ صحيفة نيسان _ خاص

ظلّ الحراك الأردني خلال العشرة أعوام الماضية، برغم ارتفاع سقف الانتقادات في المحافظات والأطراف، أسير شعارات فئوية تمثل مطالب شرائح وفئات معينة من جانب، ومن جانب آخر شكل مجالا لتجريب صناعة زعامات محلية في المحافظات والأطراف، وميدانا لوصول نقابيين وحزبيين سابقين لمناصب سياسية من جهة، ومن جهة أخرى اتسم الحراك النقابي بالنضال المطلبي" الفئوي" الذي لا يختلف عن الحراك المناطقي في سقف شعاراته، أي أنها مطالب تتعلق بمصلحة الأعضاء المنتسبين لهذه النقابات، وليس شرطا أن تكون منسجمة مع مصالح الفئات الشعبية الأخرى، ولا أدل على ذلك من معارك تسعيرة أجور الأطباء، وتفلّت النقابات المهنية عموما من نظام الفوترة والالتزام بدفع الضرائب المتناسقة مع دخل أعضائها العالي نسبيا.
أهم ما ميّز الحراك السياسي الأردني، خلال الثلاثة عقود الأخيرة، هو تضاؤل دور الأحزاب في الحياة السياسية، حيث صُممت الانتخابات النيابية منذ مطلع التسعينيات بحيث تُضعف فرص الأحزاب في الحصول على أعداد مقاعد برلمانية وازنة في المجالس النيابية، كما تمّ بشكل مبرمج تهشيم وتشويه صورة النائب والبرلمان عموما، ولعل الاستنتاج المستعجل لغايات هذا الاستهداف يقودنا إلى وجود كتلة قوية معنية بإضعاف الأجهزة الرقابية والتشريعية في الدولة من أجل أن يحافظوا على مكاسبهم غير الشرعية.
هذا التراجع في دور الأحزاب، برغم كثرة عددها، والتسهيلات الشكلية المقدمة لها مثل التمويل وغيره، فرض أشكالا أخرى من التمثيل الشعبي، حيث تشكلت حراكات مناطقية وعشائرية في كل منطقة تقريبا، حتى أصبح في كل لواء أكثر من حراك تحت مسميات مختلفة أخذت الطابع الجهوي عموما، وبرغم قلة أعداد المنضوين تحت مظلة هذه الحراكات إلّا انها امتازت بارتفاع صوتها ومواظبتها على إقامة الفعاليات بشكل دوري منتظم.
أرقى أشكال الحراكات سياسيا، وأكثرها انظباطا، هي تلك الحراكات المطلبية التي مثلت فئات العمال والمتعطلين من العمل، وعن سبق اصرار سنؤجل الحديث عن حراكات الرابع التي بدأت في نهاية عهد حكومة الملقي، أما الحراكات المطلبية، وهي جديرة بهذه التسمية، فقد حققت الكثير من المكاسب للفئات الاجتماعية التي تمثلها، وحدّت، نوعا ما، من التعيينات القائمة على أسس التنفيعات أو الوساطة والمحسوبية، وأصبح لهذه الحراكات منصات قوية تراقب أداء المؤسسات في التعيينات غير القانونية، وساعد في زيادة فعالية هذا الدور الرقابي وسائل التواصل الاجتماعي المنتشرة بشكل واسع اليوم، خصوصا مع انتشار التطبيقات التواصلية المجانية على الهواتف الخلوية.
لقد استعاض الأردنيون عن أجهزة الرقابة الرسمية بالرقابة الشعبية التي أصبحت أكثر فعالية بفضل تطبيقات الانترنت كما أسلفنا، لكن غياب الأدوات الرقابية والتشريعية الرسمية النظامية، واتساع الرقابة الشعبية أدى إلى ضعف الثقة بأجهزة الدولة، وصار المواطن ينظر بعين الريبة إلى أي قرار حكومي حتى لو كان صحيحا.
ضمن هذه الأجواء ظل الحراك أسيرا للشعاراتية، وتم استثمار هذه الحالة من قبل بعض النشطاء السياسيين، الطامعين بمواقع الزعامات المحلية على الأغلب، وهم عموما من الخارجين من الأحزاب أو بعض المتقاعدين من الوظائف العامة سواء كانوا عسكريين أو مدنيين من أجل تحصيل مكاسب فردية، وقد زادت هذه الحالة من إضعاف ثقة الشارع بالحراك برغم تأييد قطاعات شعبية واسعة لما يرفع من شعارات أو عناوين للفعاليات.
ليس من سبيل اليوم لتنظيم الحياة السياسية إلّا بقانون انتخابي يجعل الانتخابات تجرى على أساس القائمة الحزبية، وهذا ما سيفعّل عملية الفرز السياسي بحيث تنضم جموع الحراكيين لأحزاب وطنية منظمة صاحبة صلاحيات واسعة.
بقي أن نتذكر أن هناك من يعلل التأخر بانجاز المشروع الديمقراطي الأردني بذرائع ودوافع الحرص على هُوية الدولة، لكن الرد على هذا الادعاء بسيط وجاهز؛ ففي كل الدول ذات النظم الديمقراطية تُطرح أسئلة الهُوية، لكن هذا الأمر غير قابل للنقاش عند مستوى المساس بالمصالح الوطنية العليا، ويتم حسمه بقانون الانتخاب وتوزيع حصص الدوائر الانتخابية من المقاعد على أسس تراعي العمق الديموغرافي للدولة وهُويتها.

نيسان ـ نشر في 2019-08-05 الساعة 10:49

الكلمات الأكثر بحثاً