اعتراف .. فسادي المبكر بدأ بسرقة مزرعة سلامة حماد
نيسان ـ نشر في 2015-07-22 الساعة 12:30
لم تكن طفولتي منضبطة في مجملها، ففي الوقت الذي كان به أقراني يواظبون على دروسهم كنت أفضل لعبة القلول أو الإمعان في البرية بحثاً عن أعشاش العصافير بصحبة آخرين رأوا في النشاطين تغذية وتسلية لا تتوافر لا في الأسرة ولا في المدرسة.
وفي فترة لاحقة، أي بداية المراهقة أتيحت لي فرصة تذوق طعم الفساد، حيث شاركت بتهريب أو سرقة الخضراوات من منطقة الرميل إلى قرية مليح.
على العموم، أستطيع اليوم القول إن لتجربة السرقة منافع وأبعادا كثيرة؛ دفعاً للحرج الاجتماعي. وأستطيع أيضاً أن أعدد الكثير منها من شاكلة؛ النضوج المبكر والعمل ضمن فريق متناغم.
وعلى سيرة "الفريق المتناغم" أتذكر كيف سمح لي شقيقي (أبو يارا)، صنو الروح، بمرافقته وأصحابه حين قرروا غزو مزرعة سلامة حماد، الذي يرأس اليوم أمننا الداخلي.
في الواقع كان رفاق أخي قد كشفوا منذ ساعات المساء الأولى عن نيتهم تنفيذ خطة هجومية قبل الفجر على مزرعة السحيم؛ فأخذت الموضوع كاختبار أولي لمغامرة يبدو أنها محسومة النتائج.
بالفعل، بقيت متنبهاً حتى سمعت همهمات العيال بالقرب من الحمارة (أداة السطو) الوحيدة في ذلك الزمان. وقبل أن أسهب في الأحداث علي أن أضعكم في حقيقة أدوات الغزوة وتفاصيها: (حمار وخرج).
أما الطريقة، فليس أكثر من امتلاك الفقر والرغبة في الانتصار عليه، حتماً سيدفعانك لركوب أي (حمار) والتوجه إلى أقرب (مزرعة).
يا إلهي لم يكن لي أدنى فكرة عن مستلزمات هذا العمل الغامض واللذيذ، وأن هذا الخرج سيضمن لي دخولاً آمنا في عالم بقي على الدوام يشكل هاجساً لعموم أبناء جيلي، كيف لا، وقد أعطاني الشرعية لدخول (القروب) الأنضج في القرية والأكثر تمردا. أقصد مجموعة أخي.
في العودة إلى همهمات العيال المخنوقة كي لا يوقظون أمي من نومها، همست بأذن أخي عارضاً عليه إحضار الخرج وكيس (أبو خط أحمر)؛ في محاولة لإقناعه بمهارتي ونباهتي لاصطحابي إلى المزرعة، فما كان منه إلا الموافقة بعد أن استمزج آراء باقي المجموعة.
سرنا على بركة الله، وضبطنا بوصلتنا باتجاه الرميل، وقبل الوصول تنبه (الباسم) إلى حسيس تصدره مجموعة أخرى بالقرب منا، فاتخذ مكانا قصيا قبل أن ينقض على أحدهم بالضرب. لم أفهم حينها أن الإدارة وفنونها تتطلب ذلك، لكني بقيت مراقباً للمشهد. انتصر الباسم وفرّق المجموعة وتابعنا المسير بعد أن انتزع اعترافاً ضمنياً من الجميع أنه قائد السرب. وهكذا سرنا حتى وصلنا المزرعة فبدأنا قطاف الحلم.
امتلأت بطون الخروج وفاضت بالخيرات، وفي الطريق إلى مليح صادفنا أحد المارة فعرض علينا ابتياع غنيمتنا بعشرة قروش.
10 قروش فقط، كانت كفيلة بأن يضع بعضنا حمولته أرضاً راضياَ مطمئناً، لكن أخي والباسم رأيا أن في القرية مشترين كثر وسيدفعون أفضل، وهو ما تم.
كان ذلك درسي الأول في الحياة، ومضيت.