اتصل بنا
 

إسراء غريب...ضحايا وقبور

كاتبة اردنية

نيسان ـ نشر في 2019-09-07 الساعة 16:23

نيسان ـ تجنبت الحديث عن الضحية "إسراء غريب" حتى اكتمال التفاصيل والتحقيقات نظراً لتضارب القصص والتفاصيل غير المقنعة والأخبار التي تؤكد ثم تنفي معلومات هنا وهناك على لسان مسؤولين وجهات حكومية وآخرها تأكيد النائب العام الفلسطيني إرسال عينات مخبرية لجثمان إسراء إلى إدارة المختبرات والأدلة الجرمية التابعة لمديرية الأمن العام في الأردن للوقوف على أسباب الوفاة- الخبر الذي نفاه مدير المركز الوطني للطب الشرعي في الأردن! ولكن بكل الحالات هي ضحية مجتمع متخلف بأحكامه
ونظرته للأنثى ومجتمع ما زال يؤمن بالسحر والجن في حل مشاكله وضحية لإهمال طبي.
في عالمنا العربي هناك ملايين من إسراء منهن أحياء أموات ومنهن أموات .. ورفعت الجلسة وأُغلقت القضية ولم نسمع عنهن.
لماذا حازت إسراء على التغطية الإعلامية الكثيفة أكثر من غيرها؟ مبدئياً لنعترف أن مواقع التواصل الاجتماعي لها دور إيجابي في فضح ونشر تصرفات غير أخلاقية، بالإضافة إلى مؤشر جيد وهو أن هناك أعدادا كثيرة بدأت تنبذ فكرة القتل بداعي الشرف وكان التفاعل كثيفا في رفض هذه الأفكار والممارسات.
بيد أن الواقع في عالمنا العربي ما زال مظلما ومليئا بالتحديات والظلم اتجاه الأنثى ولتكن قضية" إسراء" هي المحرّك لتغيير جذري من الداخل ومراجعة لبعض المفاهيم والأفكار المتخلفة وربما تكثيف حملات توعية في المدارس والجامعات وتشغيل خط ساخن للاتصال في حال تعرّضت أو شعرت الأنثى لأي تهديد حتى يتم التدخل لحمايتها قبل فوات الأوان، والأهم من ذلك هو أخذ تلك المكالمات على محمل الجد مع كادر مدرّب وخطط حماية جدية ومدروسة.
لا أملك إجابات أو حلولا، هو مجرد اقتراحات ولكن ما أعلمه هو أن الطريق طويل وشاق لتغيير مفاهيم معينة مغلوطة ونمط تفكير سطحي وغير إنساني يبدأ رحلة علاجه من البيت ومحيط العائلة والتعليم وهذه المسؤولية تقع على عاتق الجميع من مجتمع ومؤسسات وأفراد.
نلاحظ أيضاً انتقال هذه الأفكار وتنفيذها من قبل عائلات عربية تعيش في مجتمعات غربية، حيث ما زالت الأفكار المشوهة عالقة ونلاحظ أيضاً ضغط المجتمعات العربية المحيطة لتلك العائلات المنغلقة على ذاتها وترفض مفاهيم الإنسانية والحريات الأساسية للأفراد وهذا موضوع آخر ولا أنسى ذلك الأب الذي أطلق النار بدم بارد وقتل ابنته وآخر دعس ابنته على مرأى من الجميع!
مشاهد وحوادث وقصص مؤلمة تجعلني ألعن تلك المجتمعات البائسة الحزينة الهشّة والتي لبست قشور الحضارة وروحها جاهلية !
المجرم الحقيقي في كل هذه القصص المتشابهة هو المجتمع مشوّه الأفكار والأحكام والضغط الهائل الذي يفرض تخلفه على الأهل والأفراد بحيث يجبر الأب والأخ وغيرهم على انتزاع إنسانيتهم وضمائرهم في سبيل إرضاء مجتمع متخلف لا يرحم.. مجتمع مشوّه لا يعرف من الأخلاق والإنسانية سوى القشور.
كل مصائبنا تأتي من التمسك بالقشور وتجاهل ووأد العقل والإنسانية لإرضاء التخلف السائد.
متى نصحو من غفوتنا وجهلنا الذي طال وطحن وما زال يطحن ويقمع ضحية تلو الأخرى حد التصفية الجسدية، أو النفسية حتى الانهيار والتعاسة ثم القبر !؟
لقد سئمنا من الكتابة والتعبير والإنشاء "وصفّ الحكي" .. ولكننا لا نملك سوى مشاعرنا والقلم للتعبير عن دعمنا لكل أنثى في محنتها وتحدياتها الكثيرة في مواجهة مجتمعات سطحية جاهلة تكثر فيها الثرثرة والأحكام والقمع والعنف والجن والسحر!

نيسان ـ نشر في 2019-09-07 الساعة 16:23


رأي: هيا منير كلداني كاتبة اردنية

الكلمات الأكثر بحثاً