اتصل بنا
 

المعلمون والصراع على الملايين

نيسان ـ نشر في 2019-09-26 الساعة 21:02

نيسان ـ مرة أخرى اطلاق العناوين البراقة من البعض على حراك المعلمين المطلبي، ليس إلا لـَيّ لعُنق الحقيقة، فالمعلمون مازالوا يؤكدون على مطالبهم الحقيقية المعلنة وهي علاوة ال 50% ، حاول الكثير من الشباب الوطنيين المتحمسين القفز على واقع وحقيقة تحرك نقابة المعلمين، واطلقوا علية الكثير من العناوين البراقة كممثلين "وحيدين للشعب الأردني" و ممثل "الشرعية الوطنية "و"عنوان التغيير".. الخ، إسقاط الرغبات الذاتية على حراك المعلمين لا يعني إنها تحولت إلى واقع يمكن التعامل معه على انه حقيقة، فصراع المعلمين الآن ليس إلا حلقة متقدمة من الصراع الكلي للشعب الأردني وحراكه الوطني في سبيل هدفه الاستراتيجي في استعادة الدولة وسلطاتها ومواردها.
لقد استطاع المعلمون في دورتهم الانتخابية الأخيرة إنجاز تحالف بين المستقلين من المعلمين الوطنيين، والمعلمين المحسوبين على الاتجاه الإسلامي، الذين استطاعوا تغليب مصلحة النقابة على مصلحة التنظيم، وأنجز هذا التحالف نقيبا مستقلا رحمة الله ،عليه استطاع ان يمثل مصالح جمهور المعلمين ويوحدها في وجه تغول سلطة الحكم، وبرنامجها الاقتصادي الذي تدار به الدولة، واقع الصراع فرض على نقابة المعلمين الوحدة، رغم بعض التناقضات بينهم في سبيل تمثيل مصالح المعلمين والدفاع عنها وهذا ما استطاعوا إنجازه على الأرض بعد وفاة نقيبهم واصبح من الصعوبة بمكان العودة أو التراجع عما اعلنه نقيبهم من أي طرف كان.
لعل الامتحان الأصعب، والمهمة المركزية أمام نقابة المعلمين أن ينجحوا في الاستمرارية في قيادة الصراع للدفاع عن التعليم ومحاولات القائمين على البرنامج الاقتصادي الليبرالي الجديد تخصيصه و"تسليعه"، ففي الوقت الذي استطاع فيه القطاع العام في الأردن منذ خمسينيات القرن الماضي ان يؤسس دار المعلمين والذي خَرجت أجيالا من المُعلمين المؤهلين قبل تفكيك مؤسسات القطاع العام وتفريغها من محتواها، ويراد الأن تحويل هذه المهمة إلى شركات، وإن كان بعضها تحمل صفة "غير الربحية" إلا إنها ستستنزف الملايين من موازنة وزارة التربية والتعليم، ولعل الصراع على هذه الملايين أحد أهم الأسباب في عدم الاعتراف للمعلمين بالعلاوة التي يطالبون بها لأنها بالضرورة ستقلص من الموازنة المخصصة للشركات غير الربحية التي يراد لها تحمل مسؤولية العملية التعليمية، و تأهيل المعلمين في السنوات القادمة، هذا بالإضافة إلى الملايين من المنح والمساعدات الدولية التي تقدم لدعم العملية التعليمية والتي مطلوب ان تستأثر هذه الشركات بحصة الأسد منها، لذلك تكمن أهمية الاستمرارية لنقابة المعلمين في تطوير حراكها بحيث تعمل على التصدي لبرنامج خصخصة العملية التعليمية، وأن تعود مهمة تأهيل المعلمين، وملكية الهيئات المنوط بها ذلك للمعني الرئيسي فيها، وهي الدولة ممثلة بالحكومة ووزارة التربية والتعليم.
شكل الغطاء الشعبي والوطني لحراك نقابة المعلمين حماية لها في وجه السلطة وأدواتها، وهذا مؤشر مهم يؤكد على تغير جذري في الوعي الجمعي للشعب الأردني الذي تراكم عبر سنوات من الصراع، والنضال لمختلف قوى الحراك الوطني الأردني، وهو مكمل له ولا ينفيه، بل يراكم عليه، وما الدعوات الأخيرة للنزول إلى الشارع إلا دليلا على تكامل العمل الوطني وليس إجهاضا لحراك المعلمين أو إضعافا له كما يحاول البعض تصويره، واي حديث عن تمثيل وطني وشرعي للشعب الأردني لن ينجح مالم تُنجز مختلف قوى الشعب الأردني توافقا على مشروعها الوطني ، ولعل اهم عائق يقف أمام هذا الإنجاز هو عدم الخوض الجاد في حوار حول العناوين الواقعية والمهمات المطلوب العمل على إنجازها، وتوافق الشعب الأردني عليها، وما يعيق إنجاز هذا الحوار هو العامل الذاتي لدى مختلف من يتبنون عناوين العمل الوطني، فالذاتية، والأنانية، والفردية، يضاف لها لدى البعض القصور الفكري في قراءة الواقع وأولويات الصراع وطبيعة التناقض والمهمات المطلوب إنجازها ، هذه اهم العناوين التي تعيق إنجاز هذا المشروع ، بالرغم من التسارع في نضوج الشروط الموضوعية للتغيير، بالطبع لا يمكن إنكار دور السلطة وأدواتها عبر السنوات الماضية في تفتيت العمل الجمعي الوطني وإجهاضه، وتشوية. أي محاولة جادة لتوحيد القوى الوطنية، ولكن هذا السبب على من يَصدُق في وطنيته أن يعمل على تجاوزه، ويتنازل عن ذاتيته المُفرطة التي تقف عائقا أمام نجاح أي عمل وطني.

نيسان ـ نشر في 2019-09-26 الساعة 21:02


رأي: المهندس فراس الصمادي

الكلمات الأكثر بحثاً