اتصل بنا
 

احتجاجات لبنان ورمزيتها

كاتب

نيسان ـ نشر في 2019-10-26 الساعة 21:34

نيسان ـ بعيدا عن اي التفات أحادي الجانب، فيما يتعلق بتلك الاحتجاجات والنقد الموجه للبنانيات واللبنانيين وحالة السعار المرافقة للناقد والمعترض والموافق بكافة انفعالاتهم، مضافة لحالة البؤس والشقاء الشرقي في حضرة التنوع اللبناني، و كون ان هناك من ركز نظره وشبقيته على المظاهر الشكلية، ولم يركز عقله وقلبه و روحه على جانب آخر، الجانب الرمزي، رمزية تلك الجوانب بما تحمله من معاني للاحتجاجات و للشعب اللبناني ونظام الحكم والشكل الدستوري والثقافة اللبنانية العامة.
تلك المظاهر لا تبرز من وجهة بصر وبصيرة، سوى حالة طبيعية من التنوع والتعدد، التي يتوق لها كل من ينادي بالتغيير والإصلاح. مظهريا تجلت تلك الحالة بشكل من الجمال والحب والوسامة والفرح والبساطة، في محاولة لكسر الشكل التقليدي الجامد للاحتجاج، ولتصبح جاذبة للجماهير وتغيير ثقافة الاحتجاجات النمطية المرتبطة بالخوف من السلطات او التهديد، وتعبيرا عن حالة الاصرار الجماهيري الشعبي على المطالب المتمثل بشكل تلك الاحتجاجات، كالجلوس بمسبح صغير ولعب الشدة والجلوس على الطاولات و تناول الترجيلة، والجلوس تحت المظلات وما الى ذلك من مظاهر، تعبر عن وعي شبابي مصر ان لا عودة من الميدان قبل تحقيق المطالب.
تنوع شكل الاحتجاج وحالاته وممارساته لتلك الفئات الجماهيرية، من الغناء والرقص والصلاة والدبكة والاهازيج والأناشيد ، تلك الاشكال تجلت برمزيتها بما تعكسه لايديولوجيات متعددة ومتنوعة ومن خلفيات عديدة، وتلكم اساس الدولة التعددية الديموقراطية، وجدنا من يرفع الآذان بصوت جميل، و وجدنا من يغني بصوت جميل أيضا ، وجدنا من يرقص ومن يهلل ويسبح، وجدنا من يدبك ومن يصلي، وجدنا المحجبة ومن لا ترتدي الحجاب، وجدنا الملتحي وسافر الوجه، وجدنا من يرتدي العمامة ومن يرتدي القبعة، من يرتدي العباءة والدشداش، ومن يرتدي القماش والجينز، وجدنا من ترتدي الحجاب والجينز، ومن تردي الجينز بدون حجاب، وجدنا المسلم والمسيحي واللاديني، وجدنا الشاب ذو الشعر الطويل والشاب ذو الشعر القصير، والاناث ذوات الظفائر المنسدلة واناث ذوات شعر قصير، وجدنا من يرفع الفتاة على كتفيه امام العالم و راينا من يخفيها في الصف الاخير، راينا من تتصدر الصورة ومن تتوارى خلف الكاميرات، راينا الأجساد المنحوتة والممتلئة والممشوقة من كلا الجنسين، وجدنا كل ذلك في ارض تتسع للجميع، لمن يصلي ولمن يغني، وتلكم الدولة التعددية المدنية التي تقف فيها السلطة مسافة واحدة من الجميع وتحترم فيها الحريات الفردية والعامة، من الشعب والسلطة، وتحترم فيها الحريات العقائدية والفكرية وحرية الضمير، دون اقصاء والغاء واستئصال للآخر، هذا التنوع والتعدد الثقافي، انما يعكس تحضر المجتمعات، تلكم المظاهر تحكمها ذهنيات وايديولوجيات، تتجلى رمزيتها بحالة التنوع والتعدد و اختلاف المفاهيم للحياة والروح والاجساد والعلاقات الانسانية وللمراة والرجل وللرجولة والمروءة، وللذكورة والانوثة، حالة تعكس ايديولوجيات لا منغلقة، تتعدد فيها طرق التفكير وتنوع المشارب والمذاهب والطوائف والتيارات والخلفيات.
ان التمازج الثقافي والايديولوجي هو اساس تطور المجتمعات، وأن المجتمعات الاكثر تطورا وتقدما وتنمية، هي المجتمعات الغير متقوقعة على ذاتها او تحكمها ثقافة احادية الجانب.
ليس بالضرورة ان تتوافق مع سلوك وثقافة ما، بقدر ما تحترم حرية الآخر العقائدية والفكرية وما ينبثق عنها من سلوك، لطالما لا يسبب لك ضررا ماديا مباشر، فانت حر ما لم تضر، فايذائك بشكل غير مباشر من منظر ما نفسيا، اثره اقل من ايذاء الآخر عندما تمنعه من فعل شيء في نطاق حريته الشخصية دون مساس مباشر بك، كأن تمنعه بفعل مادي او تكرهه على سلوك لا يعتاده وفق ثقافته وطريقة تفكيره، طالما لا يسبب اذى مادي مباشر لك، وهنا، نتحدث في نطاق الحرية الشخصية، كحرية اللباس والمظهر وغيرها، لا نتحدث عن سلوك مؤذي بشكل مباشر، كأن يسرقك احد او يشتمك او يضربك، فهذا بالطبع يسبب اذى مادي وليس حرية شخصية، ولكن، فعل الحرية الشخصية ليس من المفروض ان يسبب لك أذى، لطالما لديك قناعات راسخة وغير كرتونية، فالخلل ليس بممارسة تلك الحرية الفردية، بل بقناعاتك الكرتونية التي تخاف ان تتاثر بها، بغض النظر عن تيارك او ايديولوجيتك وانتمائك، فالأمر برمته ثقافة نفسية، ينشئ عليها الفرد منذ الطفولة تحترم الاختلاف والتنوع الثقافي، تماما كما تنشأ الاجيال العربية او الاسلامية او المسيحية في دول غربية، فتجده يحترم الاختلاف ويتقبل الآخر، حتى لو لم يتفق معه بأي سلوك، المهم قناعاته وقناعاتك، ولك الخيار باي طريق تسلك واي طريقة تفكر، فالمجتمعات ليست ذاتها بل متفاوتة ومتعددة،حتى في المجتمع الواحد، فلست عليهم بمسيطر، ولكم دينكم ولي دين، وان كان بالامكان ان تعلم ابنائك كره الآخر، فالامكان أن تعلمه حب الآخر. او على على الاقل تقبله.

نيسان ـ نشر في 2019-10-26 الساعة 21:34


رأي: فراس عوض كاتب

الكلمات الأكثر بحثاً