لم أجد أجرأ من هذه الأمة على الكذب
محمد فاروق الإمام
مؤرخ وكاتب سوري مقيم في تركيا
نيسان ـ نشر في 2015-04-10
محمد فاروق الإمام
شن كبير معممي قم في يوم التقنية النووية الإيرانية، أمس الخميس 9 نيسان 2015، هجوماً حاداً على عملية "عاصفة الحزم"، قائلاً: إنّ "ضرب السعودية لليمن خطأ زاد التوتر في المنطقة، مشبّهاً الخطوة السعودية بأفعال الكيان الصهيوني في غزة".
ورأى أنّه "يجب محاسبة هذا البلد على جرائمه، وأنّ الرياض ستكون الطرف الخاسر في النهاية، حيث سيمرغ أنفها في التراب، فلدى إسرائيل قدرات أكبر ولم تستطع الانتصار".
من جهته، اعتبر الرئيس الإيراني، حسن روحاني، أن "القصف والضربات الجوية، لن تنفع ولن تثني الشعب اليمني"، داعياً "الأطراف الإقليمية للتعاون لإيقاف الحرب في هذا البلد، وتبنّي الحوار بين الأطراف اليمنية". أما قائد الجيش الإيراني عطاء الله صالحي، فاعتبر أن السعودية "تحوّلت اليوم إلى دولة مرتزقة تعمل ضد مصالح الشعوب وضد رغباتها، بدلاً من أن تستخدم قدراتها لمحاربة إسرائيل وقوى الاستكبار".
لا أريد التعليق على ما جاء على لسان كبير قم خامنئي ولا الذي جاء على لسان رأس السلطة في طهران روحاني، ولا على لسان قائد الجيش صالحي، فعنوان مقالي أبلغ رد على ما قالوه وما افتروه وما تبجحوا به!!
يا سبحان الله من أي كوكب جاءتنا هذه الأمة لتجاورنا، وتكون أسوأ أمة تنكّد علينا عيشنا المشترك الذي اعتدناه لعشرات القرون!! عندما كانت هذه الأمة تعبد النار جهاراً نهاراً وتقيم المعابد لنيرانها، كان هناك بيننا حسن جوار إلى حد ما، وتفاهم بالحد الأدنى للتعايش رغم الكثير من المنغصات، وكانت علاقاتنا بها بين مد وجزر، وكر وفر، وتلك حال الأمم المتجاورة وتلك سنة الحياة، لكن ما يحز في النفس أن هذه الأمة، بعد أن منَّ الله عليها بنعمة الإسلام، ظننا أنها ستكون الظفر الذي نحتمي به، والقاعدة الصلبة التي سينطلق الإسلام منها إلى جنبات العالم، لينشر التوحيد في أرجاء المعمورة، بما كانت تملكه من إرث حضاري، نازعت من خلاله حضارات اليونان والرومان، وإذ بهذه الأمة لم تجد أمامها إلا المسلمين السنة من أهل الدين القويم والجماعة لتستخدم كل قواها في تنكيد عيشهم والإيغال في إيذائهم، فما أن تمكن حفنة من معممي قم من الاستيلاء على السلطة في طهران عام 1979 حتى اشرأبت الأفعى برأسها، وكان لعهود تدسه في ظلام جحرها، معلنة بكل صفاقة أنها ستعمل على تصدير ثورتها الضالة إلى كل دول الجوار الإسلامية، وبدأت بالعراق حرباً علنية عليه لأكثر من ثماني سنوات، ولما لم تتمكن من الانتصار في حربها العدوانية هذه، أعلن كبيرها خميني بوقف إطلاق النار واصفاً هذا القبول بتجرع السم.
وظننا أن هذه السنين الثمانية العجاف كافية لردع ثوار قم، والالتفات إلى مصالح الشعب الإيراني وتنمية وضعه الاقتصادي، بما يكفل العيش الكريم لأبناء إيران، بدلاً من زجهم في أتون معارك خاسرة لا تغني ولا تسمن من فقر ولا جوع.
قم التي أخفقت في تحقيق حلم معمميها في بسط نفوذها عبر حروب استباقية على الدول التي شاء حظها العاثر أن تكون مجاورة لها، راحت تخطط لحرب من نوع آخر، بأدوات من غير ملتها وعرقها، وتكتفي بالإعداد والتدريب والدعم، تحت شعارات تلهب عواطف الناس، وخاصة عرب المشرق "الموت لأمريكا - الموت لإسرائيل"، واستغلت هذه الشعارات إلى أبعد مدى حتى افتتن بها الكثيرون وصدقوها، إلى أن جاءت ثورة سورية الفاضحة والكاشفة، فظهرت الحقائق وبانت الوقائع وأسفرت الوجوه عن غدر وحقد، ما عرف عند العقارب ولا الأفاعي ولا حتى عند الذئاب ولا الضباع.
إذ بهذه الأحزاب وهذه الميليشيات التي أعدتها للتصدي لأمريكا وإسرائيل بزعمها، تدفع بها لمواجهة الشعب السوري الثائر على ظلم لحق به لأكثر من نصف قرن، ولتتحمل هذه الميليشيات العبء الأكبر في الدفاع عن النظام المجرم السادي الذي دمر سورية وقتل السوريين تحت شعار الزيف والكذب والتضليل، "حماية المقاومة وحلف المقاومة والصمود والتصدي"، ولم تدفع لا أمريكا ولا إسرائيل ثمن ادعاء الصمود والمقاومة، بل الذي دفع الثمن هو الشعب السوري، "أكثر من ربع مليون شهيد، وأكثر من ربع مليون مفقود، وأكثر من ربع مليون في أقبية وسجون ومعتقلات النظام المقاوم، ناهيك عن تهجير أكثر من سبعة ملايين خارج حدود الوطن، ونزوح ضعفهم داخل حدود الوطن".
وعندما وجد هؤلاء المعممين أن كل ما قدموه للنظام السادي في دمشق، من دعم مادي وتسليحي وبشري وإعلامي ودبلوماسي وسياسي، لم يفلح في كسر إرادة الشعب السوري، لجأت إلى خلط الأوراق وصرف الأنظار إلى أبعد من سورية، إلى اليمن فحرضت عميلها الحوثي الذي ربته على عينها لسنين طويلة، وأنفقت عليه مليارات الدولارات، كي يفرض واقعاً جديداً على اليمن ويصرف أنظار العرب والمجتمع الدولي عما يرتكبه نظام نمرود الشام بالشام وأهله من دمار وقتل، هذا الطائفي والمذهبي الصغير الذي أعدته قم، نفذ عن غير وعي وإدراك ما أرادته قم، فاحتل بناء على أوامرها صنعاء وكبرى المدن اليمنية، واستولى على الوحدات العسكرية وقطعاتها، بتواطؤ من الرئيس المخلوع علي عبد الله الصالح التي اشترته إيران مسبقاً، لتكون هذه الوحدات العسكرية التي صرف أبناء اليمن عليها المليارات لحمايتهم وتوفير الأمن والأمان لهم، رديفاً لميليشيات الحوثي في فعلها الغادر والجبان.
السعودية ودول الخليج التي اكتفت بدعم متواضع للثورة السورية، وسورية بعيدة عن حدودها ولا يشكل عدم انتصارها – بظنها – خطراً عليها، وجدت أن العدو التي تخشاه بات على حدودها، وأن أصحاب العمائم باتوا قاب قوسين او أدنى من الأراضي المقدسة ولهذه الديار تجربة مرة مع أجدادهم القرامطة، فلم يكن أمامهم إلا التحرك السريع لوقف هذا الزحف الأصفر، دون انتظار مشورة صديق أو رأي حليف.
وبالفعل كانت غضبة مضرية تُذكرنا بيوم ذي قار، عندما انتصف العرب من الفرس، فتشكل التحالف العشري من دول الخليج وبعض الدول الشقيقة والصديقة، والذي قام بتوجيه ضربات رادعة للحوثيين، وتبني الملف اليمني بكل أبعاده وتداعياته، وجن جنون ملالي قم، الذي لم يكن يدر بخلدهم أن العرب سيتحركون لوقف زحف الحوثيين بهذه السرعة، وهذا ما جعل أهل العمائم يتخبطون في تصريحاتهم وتهديداتهم، وقد فلتت زمام الأمور من أيديهم كما تعودوا، فراحوا يلهثون وراء الفعل بردات فعل هزيلة، مبنية على التصريحات والتهديدات التي لا قيمة لها ولا وزن، يطلقونها بهستيرية وجنون من هنا وهناك، على لسان معمميهم وقادتهم العسكريين، دون أن تجد أي صدى عند تحالف (عملية الحزم)، الذي يعمل وفق خطة مدروسة لتحقيق أهداف موضوعة، "عودة الشرعية في اليمن وتسليم الحوثيين لأسلحتهم ورد المنهوبة منها إلى معسكرات الجيش، والانسحاب من كل المدن اليمنية، والمواقع العسكرية والحكومية التي احتلتها، وإطلاق كل السجناء والمعتقلين الذين اختطفتهم من ساحات التظاهر أو من بيوتهم أو من دوائر عملهم، وتقديم المسؤولين عن كل ذلك إلى المحاكم المدنية اليمنية لتقول كلمة العدل فيهم"، غير آبهين بكل الجعجعة التي تتردد على ألسنة معممي قم وحكام طهران وقادة جيوشهم، فالقافلة تسير والكلاب تنبح، وسيظل التحالف على أداء مهامه وبوتيرة يقتضيها الحال حتى تحقيق الأهداف كاملة.