تشارين..
محمد جميل خضر
قاص واعلامي اردني
نيسان ـ نشر في 2019-11-29 الساعة 17:44
نيسان ـ وداعاً أيها التشارين.. فيك أوّل المطر.. وأوّلُ غَيْثٍ جاءنا من العراق ومن لبنان.. وداعاً وقد حفرت يوماً من أيامك معنى لا يموت: 17 تشرين اللبناني.
في الآرامية أنت يا تشارين بداية الأشياء، وبشائر الزرع الوفير، لك ما قبلك ولك ما بعدك، ولنا فيك نزهاتنا المترعة حروفاً غائصة في الوجدان، إذ تَرِقُّ الروح أمام المشهد الآسر لأفعال الخريف، وتنشد النفس بعضَ وِحْدَةٍ وَتَبَتُّلٍ وصلاة.
فهل ارتوينا منكما أيها التشارين؟ يقول المثل الشعبي: (اللي ما ارتوى من حليب أمو يرتوي من مية تشارين). هل أخذنا حصتنا كاملة من الدم وأحلام الحرية المذبوحة عند أطراف إدلب؟
لكنّ أوردتنا والحنين يا صبايا تشرين. لكنّ زواريب الفرح المنسي في شوارع الأسى. لكنّ مخدات الهجعة الزاخرة برؤى الفارس الشامخ فوق حصانه الأبيض.
غبار حبة التين الأخيرة يرتجف عند نهايات التشارين..
ذكرى حربٍ بعيدةٍ في رمضانٍ بعيد..
صهيل مواعيد اعتراها الخجل وتدفق الرمّان وانهمار الغيم فوق جداول الوقت..
عقارب تنهض وأفاعي تغور داخل جحور الانتظار..
نسمات شكر معافى بالأعياد المؤجلة لحين يزورها ثلج المسرّات
شمس خجولة متوارية مواربة.. صباحات مفعمة بالأشواق..
قنديل زيت ما يزال يسرج العتبات ويضيء آهات الشرفات..
مطلع قصيدة.. دفترٌ صغير وقلمٌ وحيد.. نَصٌّ يتأهب..
برتقال حزين يلوّح من بعيد.. ربما من يافا وما حولها..
مناقيش التشارين لا تشبه غيرها.. أول الزيت وموسم الزيتون
بعد التشارين تأتي الكوانين.. فمن يقدر على كل هذا الحمل من الشِّعر والمظلات وغدران المدى المجبول بالتربة الحمراء؟
تشرين فيروز وورق أغنياتها ومواسم مسرحياتها الدمشقية الوارفة..
تشرين تشتته السياسة التي تجمع وصفي وأبو عمّار وبلفور في سلة واحدة.. رحل الرجلان في الشهر نفسه الذي أطلق فيه بلفور وعده.. وبين رحيلهما المحمّل رمزية وتناقضات وروائح مؤامرة كريهة، وبين الوعد الأخرق على مدى التاريخ، ثمة مسافة طويلة قطعتها الشعوب العربية، وقطعها الأردن وقطعتها فلسطين كي يعود الحق لأصحابه، الفلاح لكرمه، الزهو لشبابه، الليل لنجومه، الفجر لندهاته والساحات لأهلها.
وداعاً أيها التشارين وقد فجّرت داخل حجرات روحي كل هذا البوح وكل هذه الخشخشة فوق صُفْرَةِ الدروب.
في الآرامية أنت يا تشارين بداية الأشياء، وبشائر الزرع الوفير، لك ما قبلك ولك ما بعدك، ولنا فيك نزهاتنا المترعة حروفاً غائصة في الوجدان، إذ تَرِقُّ الروح أمام المشهد الآسر لأفعال الخريف، وتنشد النفس بعضَ وِحْدَةٍ وَتَبَتُّلٍ وصلاة.
فهل ارتوينا منكما أيها التشارين؟ يقول المثل الشعبي: (اللي ما ارتوى من حليب أمو يرتوي من مية تشارين). هل أخذنا حصتنا كاملة من الدم وأحلام الحرية المذبوحة عند أطراف إدلب؟
لكنّ أوردتنا والحنين يا صبايا تشرين. لكنّ زواريب الفرح المنسي في شوارع الأسى. لكنّ مخدات الهجعة الزاخرة برؤى الفارس الشامخ فوق حصانه الأبيض.
غبار حبة التين الأخيرة يرتجف عند نهايات التشارين..
ذكرى حربٍ بعيدةٍ في رمضانٍ بعيد..
صهيل مواعيد اعتراها الخجل وتدفق الرمّان وانهمار الغيم فوق جداول الوقت..
عقارب تنهض وأفاعي تغور داخل جحور الانتظار..
نسمات شكر معافى بالأعياد المؤجلة لحين يزورها ثلج المسرّات
شمس خجولة متوارية مواربة.. صباحات مفعمة بالأشواق..
قنديل زيت ما يزال يسرج العتبات ويضيء آهات الشرفات..
مطلع قصيدة.. دفترٌ صغير وقلمٌ وحيد.. نَصٌّ يتأهب..
برتقال حزين يلوّح من بعيد.. ربما من يافا وما حولها..
مناقيش التشارين لا تشبه غيرها.. أول الزيت وموسم الزيتون
بعد التشارين تأتي الكوانين.. فمن يقدر على كل هذا الحمل من الشِّعر والمظلات وغدران المدى المجبول بالتربة الحمراء؟
تشرين فيروز وورق أغنياتها ومواسم مسرحياتها الدمشقية الوارفة..
تشرين تشتته السياسة التي تجمع وصفي وأبو عمّار وبلفور في سلة واحدة.. رحل الرجلان في الشهر نفسه الذي أطلق فيه بلفور وعده.. وبين رحيلهما المحمّل رمزية وتناقضات وروائح مؤامرة كريهة، وبين الوعد الأخرق على مدى التاريخ، ثمة مسافة طويلة قطعتها الشعوب العربية، وقطعها الأردن وقطعتها فلسطين كي يعود الحق لأصحابه، الفلاح لكرمه، الزهو لشبابه، الليل لنجومه، الفجر لندهاته والساحات لأهلها.
وداعاً أيها التشارين وقد فجّرت داخل حجرات روحي كل هذا البوح وكل هذه الخشخشة فوق صُفْرَةِ الدروب.
نيسان ـ نشر في 2019-11-29 الساعة 17:44
رأي: محمد جميل خضر قاص واعلامي اردني