لماذا الحديث مجدداً عن قرع طبول الحرب في المنطقة؟
عمر الرداد
كاتب وخبير أمني
نيسان ـ نشر في 2019-12-09 الساعة 14:09
نيسان ـ رغم أنّ الإطار العام للصراع الأمريكي- الإيراني، ما تزال تحكمه الإستراتيجية الأمريكية التي أقرّها الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، وجوهرها ممارسة أعلى درجات الضغوط على القيادة الإيرانية، من خلال حزم عقوبات اقتصادية "غير مسبوقة"، يبدو أنّها أثبتت جدواها مع انطلاق احتجاجات شعبية إيرانية واسعة، على خلفية تداعيات تلك العقوبات، يرجَّح أن تزداد مفاعليها في العام المقبل، وهو ما يعني استبعاد الخيار العسكري بالتعامل مع إيران، إلا أنّ الحراك الأمريكي خلال الأسبوعين الماضييَن، اشتمل على قرارات وتوجهات أمريكية جديدة، تشير إلى أنّ الخيار العسكري بالتعامل مع إيران لم يعد مستبعداً تماماً، كما كانت عليه التقديرات قبل أسابيع.
ولعلّ أبرز المؤشرات على توافقات أمريكية جديدة، كانت غائبة إلى وقت قريب، بين الإدارة الأمريكية ومؤسسات الدولة العميقة، وتحديداً وزارة الدفاع، إعلان وزير الدفاع الأمريكي استكمال سحب القوات الأمريكية من شمال شرق سوريا، دون الإشارة إلى القوات الأمريكية التي تحمي منابع النفط السورية، أو القواعد الأمريكية العسكرية في جنوب شرق سوريا، وذلك بعد إفشال هذه الوزارة إعلانات متكررة لترامب حول سحب القوات الأمريكية من سوريا، ولا يستبعد أنّ هذا الإعلان جاء بعد اطلاع وزارة الدفاع على "اتفاقات" سرية عقدت بين ترامب والرئيسَين؛ الروسي والتركي، خاصّة أنّ روسيا تسلّمت إدارة قواعد عسكرية أمريكية في المنطقة، مؤكّد أنّه كان بتوافق بين ترامب وبوتين، ومع أردوغان، بضمانات مرتبطة بمكافحة الإرهاب وحماية الأكراد ومواجهة التواجد الإيراني في سوريا.
يبدو أنّ التهديدات الأمريكية الحالية أكثر جدية نسبياً وتتجاوز حدود التلويح باستخدام القوة ضدّ إيران في ظلّ متغيرات عديدة
ما بين تصريحات بنوايا أمريكية لإرسال عشرات الآلاف من الجنود إلى المنطقة، لمواجهة التهديد الإيراني، بالتزامن مع تصعيد في لهجة الخطاب الإسرائيلي ضدّ إيران، وتوسيع الحلف العربي ضدّها ليشمل المغرب، وإعلانات إيرانية متكررة، حول رفض الاستجابة لما يمكن أن يوصف بتقديم تنازلات في الملفات الخلافية الثلاثة، وهي: الملف النووي، وملف الصواريخ الباليستية، وملف التدخل الإقليمي الذي يقوده الحرس الثوري الإيراني وفيلق القدس، في سوريا ولبنان والعراق واليمن، يتم وبكثافة، عبر دوائر أمنية وسياسية غربية وإسرائيلية، وتسريبات حول خطط عسكرية لتوجيه ضربات عسكرية نوعية لإيران، تشمل أهدافاً داخل إيران وخارجها.
لا يستطيع أحد اليوم الجزم بمدى جدية أمريكا وإسرائيل في توجيه ضربات نوعية لإيران، أم أنّها ما تزال في إطار ممارسة الضغوط على القيادة الإيرانية ومعارك عضّ الأصابع والرهانات الأمريكية على تنازلات إيرانية، مقابل رهانات إيرانية على امتلاك قدرة على الصمود والمواجهة ورهانات على تغييرات داخل الإدارة الأمريكية يغيب معها ترامب وتياره، ورهانات أخرى على استثمار خلافات الإدارة الأمريكية حول الملف الإيراني مع كلّ من الاتحاد الأوروبي وروسيا والصين؟
لكنّ يبدو أنّ التهديدات الحالية أكثر جدية نسبياً، وربما تتجاوز حدود التهديد والتلويح باستخدام القوة ضدّ إيران، في ظلّ متغيرات عديدة، أبرزها: القناعات التي تسود في المنطقة، خاصة في دول الخليج العربي، رسمياً وشعبياً، بعدم جدية أمريكا بمواجهة إيران، وتصل أحياناً حدّ اتهام أمريكا بالاتفاق وتبادل الأدوار لنهب أموال الخليج، وإبقاء "البعبع" الإيراني مهدداً لهذه الغاية، الثورات التي يشهدها العراق ولبنان ضدّ إيران وتدخلاتها وسيطرتها على البلدين، وهو ما يوحي بأنّ ضربات نوعية لإيران ستكون مقبولة، الاحتجاجات الداخلية في المدن الإيرانية، التي أكّدت ضعف موقف القيادة الإيرانية، ومدى شعبيتها وقبول مشروعها من قبل الشعوب الإيرانية، ثمّ ارتباط أية ضربات قادمة لإيران، خاصة إذا كانت من قبل الولايات المتحدة، وبمشاركة إسرائيلية، فإنّها ستقدم خدمة لأطرافها الثلاثة: ترامب ونتنياهو وخامنئي، في ظلّ حاجتهم إلى تلك الضربات، فمن جانبهم؛ تلك الضربات ستخدم كلاً من "ترامب ونتنياهو" في برامجهما الانتخابية، وبما يظهر أمام الناخبَين، الأمريكي والإسرائيلي، أنّهما الأقدر على تنفيذ وعودهما وحماية مصالح بلديهما، خاصة أنّهما يتعرضان لضغوطات داخلية مرتبطة بإجراءات عزل ترامب، ومحاكمة نتنياهو على خلفية قضايا فساد، قد تطيح بمستقبله السياسي، أما بالنسبة إلى خامنئي فضربات أمريكية – إسرائيلية ستمنح للقيادة الإيرانية فرصة الخروج من مأزقها الداخلي وأزمتها المتفاقمة في العراق وسوريا ولبنان، وفق الشعار العربي "لا صوت يعلو فوق صوت البندقية".
الثورات التي يشهدها العراق ولبنان ضدّ إيران وتدخلاتها وسيطرتها على البلدين يوحي بأنّ ضربات نوعية لإيران ستكون مقبولة
ومع ذلك؛ فإنّ التهديدات الإيرانية بأنّ أيّ حرب تشنّ ضدّ إيران لن تكون نزهة، خاصة أنّ إيران ما تزال تمتلك من القدرات العسكرية ما يمكّنها ليس من حسم أية معركة لصالحها فقط؛ بل وإلحاق أضرار بالمصالح الأمريكية والإسرائيلية، وحتى الخليجية، هذا إضافة إلى كون مقاربة أنّ أمريكا قادرة على فتح أيّة معركة مع أيّ طرف وإلحاق أكبر قدر من الخسائر به، إلا أنّها غير قادرة على إنهاء تلك المعارك، ما تزال قائمة، وهو ما يجعل احتمالات أن تكون أية حرب قادمة متفق على حدودها وتوقيتها وأهدافها احتمالات واردة، تحقّق فقط الأهداف المحددة لكلّ طرف منها.
(حفريات)
ولعلّ أبرز المؤشرات على توافقات أمريكية جديدة، كانت غائبة إلى وقت قريب، بين الإدارة الأمريكية ومؤسسات الدولة العميقة، وتحديداً وزارة الدفاع، إعلان وزير الدفاع الأمريكي استكمال سحب القوات الأمريكية من شمال شرق سوريا، دون الإشارة إلى القوات الأمريكية التي تحمي منابع النفط السورية، أو القواعد الأمريكية العسكرية في جنوب شرق سوريا، وذلك بعد إفشال هذه الوزارة إعلانات متكررة لترامب حول سحب القوات الأمريكية من سوريا، ولا يستبعد أنّ هذا الإعلان جاء بعد اطلاع وزارة الدفاع على "اتفاقات" سرية عقدت بين ترامب والرئيسَين؛ الروسي والتركي، خاصّة أنّ روسيا تسلّمت إدارة قواعد عسكرية أمريكية في المنطقة، مؤكّد أنّه كان بتوافق بين ترامب وبوتين، ومع أردوغان، بضمانات مرتبطة بمكافحة الإرهاب وحماية الأكراد ومواجهة التواجد الإيراني في سوريا.
يبدو أنّ التهديدات الأمريكية الحالية أكثر جدية نسبياً وتتجاوز حدود التلويح باستخدام القوة ضدّ إيران في ظلّ متغيرات عديدة
ما بين تصريحات بنوايا أمريكية لإرسال عشرات الآلاف من الجنود إلى المنطقة، لمواجهة التهديد الإيراني، بالتزامن مع تصعيد في لهجة الخطاب الإسرائيلي ضدّ إيران، وتوسيع الحلف العربي ضدّها ليشمل المغرب، وإعلانات إيرانية متكررة، حول رفض الاستجابة لما يمكن أن يوصف بتقديم تنازلات في الملفات الخلافية الثلاثة، وهي: الملف النووي، وملف الصواريخ الباليستية، وملف التدخل الإقليمي الذي يقوده الحرس الثوري الإيراني وفيلق القدس، في سوريا ولبنان والعراق واليمن، يتم وبكثافة، عبر دوائر أمنية وسياسية غربية وإسرائيلية، وتسريبات حول خطط عسكرية لتوجيه ضربات عسكرية نوعية لإيران، تشمل أهدافاً داخل إيران وخارجها.
لا يستطيع أحد اليوم الجزم بمدى جدية أمريكا وإسرائيل في توجيه ضربات نوعية لإيران، أم أنّها ما تزال في إطار ممارسة الضغوط على القيادة الإيرانية ومعارك عضّ الأصابع والرهانات الأمريكية على تنازلات إيرانية، مقابل رهانات إيرانية على امتلاك قدرة على الصمود والمواجهة ورهانات على تغييرات داخل الإدارة الأمريكية يغيب معها ترامب وتياره، ورهانات أخرى على استثمار خلافات الإدارة الأمريكية حول الملف الإيراني مع كلّ من الاتحاد الأوروبي وروسيا والصين؟
لكنّ يبدو أنّ التهديدات الحالية أكثر جدية نسبياً، وربما تتجاوز حدود التهديد والتلويح باستخدام القوة ضدّ إيران، في ظلّ متغيرات عديدة، أبرزها: القناعات التي تسود في المنطقة، خاصة في دول الخليج العربي، رسمياً وشعبياً، بعدم جدية أمريكا بمواجهة إيران، وتصل أحياناً حدّ اتهام أمريكا بالاتفاق وتبادل الأدوار لنهب أموال الخليج، وإبقاء "البعبع" الإيراني مهدداً لهذه الغاية، الثورات التي يشهدها العراق ولبنان ضدّ إيران وتدخلاتها وسيطرتها على البلدين، وهو ما يوحي بأنّ ضربات نوعية لإيران ستكون مقبولة، الاحتجاجات الداخلية في المدن الإيرانية، التي أكّدت ضعف موقف القيادة الإيرانية، ومدى شعبيتها وقبول مشروعها من قبل الشعوب الإيرانية، ثمّ ارتباط أية ضربات قادمة لإيران، خاصة إذا كانت من قبل الولايات المتحدة، وبمشاركة إسرائيلية، فإنّها ستقدم خدمة لأطرافها الثلاثة: ترامب ونتنياهو وخامنئي، في ظلّ حاجتهم إلى تلك الضربات، فمن جانبهم؛ تلك الضربات ستخدم كلاً من "ترامب ونتنياهو" في برامجهما الانتخابية، وبما يظهر أمام الناخبَين، الأمريكي والإسرائيلي، أنّهما الأقدر على تنفيذ وعودهما وحماية مصالح بلديهما، خاصة أنّهما يتعرضان لضغوطات داخلية مرتبطة بإجراءات عزل ترامب، ومحاكمة نتنياهو على خلفية قضايا فساد، قد تطيح بمستقبله السياسي، أما بالنسبة إلى خامنئي فضربات أمريكية – إسرائيلية ستمنح للقيادة الإيرانية فرصة الخروج من مأزقها الداخلي وأزمتها المتفاقمة في العراق وسوريا ولبنان، وفق الشعار العربي "لا صوت يعلو فوق صوت البندقية".
الثورات التي يشهدها العراق ولبنان ضدّ إيران وتدخلاتها وسيطرتها على البلدين يوحي بأنّ ضربات نوعية لإيران ستكون مقبولة
ومع ذلك؛ فإنّ التهديدات الإيرانية بأنّ أيّ حرب تشنّ ضدّ إيران لن تكون نزهة، خاصة أنّ إيران ما تزال تمتلك من القدرات العسكرية ما يمكّنها ليس من حسم أية معركة لصالحها فقط؛ بل وإلحاق أضرار بالمصالح الأمريكية والإسرائيلية، وحتى الخليجية، هذا إضافة إلى كون مقاربة أنّ أمريكا قادرة على فتح أيّة معركة مع أيّ طرف وإلحاق أكبر قدر من الخسائر به، إلا أنّها غير قادرة على إنهاء تلك المعارك، ما تزال قائمة، وهو ما يجعل احتمالات أن تكون أية حرب قادمة متفق على حدودها وتوقيتها وأهدافها احتمالات واردة، تحقّق فقط الأهداف المحددة لكلّ طرف منها.
(حفريات)
نيسان ـ نشر في 2019-12-09 الساعة 14:09
رأي: عمر الرداد كاتب وخبير أمني