اتصل بنا
 

التمويل الميكروي والمتوسط.. مشكلة أم حل؟

أكاديمية أردنية وخبيرة اقتصادية

نيسان ـ نشر في 2019-12-31 الساعة 11:07

نيسان ـ قرأنا جميعا الخبر الذي تضمن قيام جلالة الملك عبدالله الثاني - حفظه الله ورعاه- بتوجيه الحكومة إلى حل مشكلة القروض الجماعية التي منحها صندوق التنمية والتشغيل عام 2016 وبداية عام 2017 وذلك بفصل ذمم المقترضين وشطب الأرباح المتراكمة عن الفترة الماضية، وإعادة الجدولة، إضافة الى دراسة حالات القروض الفردية المتعثرة ضمن أسس ومعايير واضحة وثابتة تضمن تلمس احتياجات المواطنين وتحقيق مبادئ العدالة واستدامة عمل صندوق التنمية والتشغيل، ومراجعة آليات عمل الصندوق المستقبلية.
يأتي حديث جلالة الملك في هذا الموضوع في فترة يعاني منها الاقتصاد الاردني من نسب بطالة مرتفعة تجاوزت الارقام المتوقعة بشكل كبير لتصل الى ما يزيد على 19% في المجمل وتفوق 30% فيما يخص بطالة الشباب.
وفي ظل محدودية الاقتصاد وعدم قدرته على خلق فرص عمل اضافية نتيجة لمحدودية الاستثمارات وتواضع معدلات النمو الاقتصادي، ومعاناة القطاع العام من " التخمة" وعدم القدرة على استيعاب المزيد من العاملين، اتجهت الأنظار الى التمويل الميكروي والصغير كأحد الاسباب التي قد تسهم في حل مشكلة البطالة من خلال تشجيع التشغيل الذاتي وريادة الأعمال ورفد الاقتصاد بأعداد مقبولة ومنطقية و"غير مبالغ بها"من فرص العمل التي سيخلقها التمويل الميكروي وبما يتناسب مع حجم الاقتصاد وقدرته، وقدرات وامكانيات المقترضين المالية خصوصا أن الاقتصاد الأردني يقوم على المشاريع الصغيرة والمتوسطة والتي تشكل ما يزيد على 90% من أجمالي المنشأت العاملة فيه.
ورغم تعدد المصادر الاقراضية في الأردن، الأ أن الاقبال على هذه المصادر لم يكن بالشيء المأمول لتحقيق الأهداف المنشودة لمعالجة أو حتى التخفيف من حدة مشكلة البطالة أو "متلازمة" الفقر والبطالة في الأردن وذلك لعدةأسباب كان من أبرزها صعوبة الحصول على الضمانات اللازمة لتسهيل وصول الأفراد الى مصادر التمويل وخصوصا لدى الأسر الفقيرة. إضافة الى افتقار عدد كبير من المقترضين الى مهارات ادارة المشاريع واعداد خطط العمل ودراسات الجدوى الاقتصادية اللازمة للبدء بالمشروع، او حتى مهارات إدارة المشاريع التي تسهم في ضمان استمرارية المشروع، ناهيك عن ضعف القدرات التسويقية لمنتجات هذه المشاريع وصعوبة الوصول الى الأسواق، حيث نرى نسبا لا بأس بها من المشاريع المتعثرة والتي أدت الى خلق مشاكل اقتصادية بدلا من أن تكون هي الحل.
وما صندوق التنمية والتشغيل إلا أداة من الأدوات التمويلية والذي جاءت فكرة إنشاؤه لتنمية وتمويل المشاريع الصغيرة والمتوسطة والمتناهية الصغر ( الميكروية ) من خلال إيراداته الذاتية. وتشجيع وتمويل الفقراء وذوي الدخل المتدني والعاطلين عن العمل لإقامة مشاريع خاصة بهم في المجالات المختلفة وذلك لخلق فرص عمل لهم مستدامة وباستخدام آليات تمويل مختلفة.
ونظرا للدور الكبير الملقى على عاتق الصندوق، جاءت الحاجة ماسة لتقييم أداء الصندوق الاقراضي وقدرته على تحقيق الغايات التي أنشأ لأجلها ومدى مساهمته في خلق فرص العمل وتحسين مستويات المعيشة للمستفيدين من خدمات هذا الصندوق بحيث يشمل هذا التقييم: نوعية وحجم الفئات المستهدفة من البرامج، آليات التنفيذ المستخدمة ومدى تناسبها مع حاجات السوق ومدى مواكبتها لتغيرات العصر، وقدرة الصندوق على ضمان استمرارية العمل وديمومته في المشاريع الممولة، لننطلق بعدها الى الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية لبرامج التمويل وتحليلات " الكلفة- العائد" بحيث ينظر الى العائد المركّب (الاقتصادي والاجتماعي) لهذه البرامج.
وفي ظل " تبعثر" وتعدد الجهات العاملة في مجال التمويل وضعف آليات التنسيق بينها، نستطيع القول بمدى حاجتنا الى وجود إطار عمل متكامل منظم لضبط وتنظيم عملية التمويل، وتعظيم النتلائج المتوخاه منها.
كما أننا بحاجة ماسة الى تفعيل منظومة المتابعة والتقييم لجميع المشاريع سواء اكانت موجههة للتمويل الصغير أو المتوسط أو متناهي الصغر، أو حتى مشاريع التدريب المدعومة حيث تستنزف هذه المشاريع حجما كبيرا من الموازنات (التي هي أساسا أموالا عامة) دون معرفة أسباب عدم تحقيق هذه المشاريع للغايات التي أنشأت لأجلها.
كثير من المؤسسات تنظر الى دراسات التقييم نظرة تخوفيه من النتائج التي قد تودي اليها إما لعدم ثقة هذه المؤسسات بما تقدمه من برامج ومشاريع، أو ضعف الادوات اللازمة للتنفيذ أو ضعف السياسات الخاصة بذلك، أو خشية إبراز نتائج تتنافى مع الحقائق الرقمية الصادرة رسميا. ومن هنا ينبغي على متخذي القرار الإصرار على اجراء مثل هذه الدراسات حتى لو أفضت الى نتائج سلبية لأن الهدف منها التعرف على نقاط القوة وتعزيزها، والتعرف على نقاط الضعف وتجاوزها في المراحل القادمة بدلا من "التعنت" في هدر المزيد من المخصصات المالية دون آثار اقتصادية تذكر!
وهنا أرغب بالقول شكرا سيدي صاحب الجلالة على اهتمامكم المستمر بهذه القضايا وتوجيهاتكم الدائمة لإيجاد الحلول المناسبة للفقر والبطالة، وكلي أمل أن أرى متخذي القرار يحولون توجيهاتكم الى خطط عمل واضحة تسهم في " لم شمل" الجهود المبعثرة وتوحيدها أو حتى الاعتراف بجوانب القصور إن وجدت - ورغم صعوبة ذلك- رغبة في إيجاد حلول ناجعة لهذه المشاكل، فنحن ندرك أن التحديات الاقتصادية كبيرة - وهذا ما تشيرون اليه دائما في لقاءاتكم المتكررة مع مختلف أطياف المجتمع-، ولكننا نؤمن أن تذليل هذه التحديات يأتي بتنفيذ مقترحاتكم وأوراقكم النقاشية وتطلعاتكم الى مستقبل أفضل يستند الى الفكر العميق الخلاق والمبدع المستند الى النهج العلمي في الدراسة والتمحيص والتخطيط المستقبلي، وبإيماننا بقدراتنا البشرية والفكرية وتمكين الشباب ومن ثم الوصول إلى هدفنا المنشود "التنمية المستدامة" والتحول من ديباجة " المستحيل" الى " الممكن".

نيسان ـ نشر في 2019-12-31 الساعة 11:07


رأي: د رغدة الفاعوري أكاديمية أردنية وخبيرة اقتصادية

الكلمات الأكثر بحثاً