سامح المحاريق راثيا رسمي ابو علي: الشرفة لا تتسع
نيسان ـ نشر في 2020-01-08 الساعة 21:58
نيسان ـ بقلم سامح المحاريق
لم أكن أعلم وقتها، أو تحرياً للدقة لم أكن معنياً بكمية السكر التي في زجاجة الكوكا كولا، كل ما يهمني كان أن تأتي باردة، ويلفها ضبابها الخاص، كنا نجلس في الشرفة الضيقة لمقهى الأوبرج نتابع الرائحين والغادين، نجلس متراصين، فالشرفة لا تتسع ترتيباً آخر للجلوس، وقتها كان يطل علينا رسمي أبو علي، يلقي بالتحية ثم يلتحق بلاعبي الورق، يقف أولاً ليتابع بصمت واستغراق لتقييم مواقفهم، كنت أحب ذلك الاهتمام الحقيقي باللعبة البسيطة، وأتى انطباعي بأن الرجل لا يحمل على كاهله الكثير من الخطايا.
حدثني الأصدقاء الذين يقعون في منتصف العمر بيني وبينه عن دوره في مجلة الرصيف التي صدرت في بيروت، وعن دوره في الثورة الفلسطينية ونقاء قناعاته الذي يفسر بقاءه داخل ذلك النمط البسيط من الحياة، وعدم قدرته على تجاوز اللحظة الثورية بكل تفاصيلها، وكان الأمر شارحاً لنفسه لدرجة أنني وصلت لنفس الاستنتاجات دون الحاجة لأن أتبادل معه سوى بعض الحوارات القصيرة والمازحة، ومرت سنوات طويلة دون أن أراه، توقفت عن الذهاب لوسط البلد إلا في حالات نادرة بعد أن كنت لفترة من الوقت من كائناتها المزمنة، بينما بقيت خطواته تذرعها وتتجول في نواحيها حتى فترة متأخرة.
عرفته أكثر في العالم الأزرق، تلمست ذلك الشغب الذي يسكنه، الحنين الذي يتعربش على شرايينه، قلبه الأخضر الذي لم يبارح غضاضته ربما لأنها ذبحت ذات يوم بعيد في بيروت، ولذلك لم يتجاوز تلك المرحلة الغائمة بين الطفولة والشباب، وبقي يحب اللذائذ الصغيرة والعابرات الجميلات، بينما أصبحت أقرأ نسبة السكر في أي مشروب، وفقدت متعة القبض على زجاجة الكوكا كولا من وسطها للاستمتاع بألوانها المنعكسة من أشعة الشمس.
رحل أبو علي، بقلبه الطفولي وصدقه، وأصبحت كهلاً متشاكياً ومملاً.
لم أكن أعلم وقتها، أو تحرياً للدقة لم أكن معنياً بكمية السكر التي في زجاجة الكوكا كولا، كل ما يهمني كان أن تأتي باردة، ويلفها ضبابها الخاص، كنا نجلس في الشرفة الضيقة لمقهى الأوبرج نتابع الرائحين والغادين، نجلس متراصين، فالشرفة لا تتسع ترتيباً آخر للجلوس، وقتها كان يطل علينا رسمي أبو علي، يلقي بالتحية ثم يلتحق بلاعبي الورق، يقف أولاً ليتابع بصمت واستغراق لتقييم مواقفهم، كنت أحب ذلك الاهتمام الحقيقي باللعبة البسيطة، وأتى انطباعي بأن الرجل لا يحمل على كاهله الكثير من الخطايا.
حدثني الأصدقاء الذين يقعون في منتصف العمر بيني وبينه عن دوره في مجلة الرصيف التي صدرت في بيروت، وعن دوره في الثورة الفلسطينية ونقاء قناعاته الذي يفسر بقاءه داخل ذلك النمط البسيط من الحياة، وعدم قدرته على تجاوز اللحظة الثورية بكل تفاصيلها، وكان الأمر شارحاً لنفسه لدرجة أنني وصلت لنفس الاستنتاجات دون الحاجة لأن أتبادل معه سوى بعض الحوارات القصيرة والمازحة، ومرت سنوات طويلة دون أن أراه، توقفت عن الذهاب لوسط البلد إلا في حالات نادرة بعد أن كنت لفترة من الوقت من كائناتها المزمنة، بينما بقيت خطواته تذرعها وتتجول في نواحيها حتى فترة متأخرة.
عرفته أكثر في العالم الأزرق، تلمست ذلك الشغب الذي يسكنه، الحنين الذي يتعربش على شرايينه، قلبه الأخضر الذي لم يبارح غضاضته ربما لأنها ذبحت ذات يوم بعيد في بيروت، ولذلك لم يتجاوز تلك المرحلة الغائمة بين الطفولة والشباب، وبقي يحب اللذائذ الصغيرة والعابرات الجميلات، بينما أصبحت أقرأ نسبة السكر في أي مشروب، وفقدت متعة القبض على زجاجة الكوكا كولا من وسطها للاستمتاع بألوانها المنعكسة من أشعة الشمس.
رحل أبو علي، بقلبه الطفولي وصدقه، وأصبحت كهلاً متشاكياً ومملاً.


