اتصل بنا
 

التيار الديمقراطي التقدمي الاردني يقدم رؤية نقدية للموازنة ويطالب بردها

نيسان ـ نشر في 2020-01-12 الساعة 15:14

x
نيسان ـ نيسان- خاص
يعكس مشــروع قانون الموازنة العامة لعام 2020 عمق الازمة الســياســية والاقتصــادية في البلاد، بعد انســداد الافق امام النهج الســائد في ادارة الازمات؛ اذ لم يعد مطروحا على جدول اعمال الحكومة قضـية الخروج من الازمة؛ بل تذليل الصـعوبات لادارتها، فانحسـار مصـادر دخل الخزينة من "الضــرائب والقروض والهبات"، وانفلات النفقات الجارية وتراجع النفقات الرأســمالية التنموية، واســتشــراء مظاهرة الفســاد، واخضــاع البلاد لشــروط صــندوق النقد والبنك الدوليين، والتخلي عن مؤســســات الدولة لصــالح الاحتكارات الرأســمالية وهيمنة الشــرائح الطفيلية على الاقتصــاد الوطني واغراق البلاد بـالمـديونيـة، افضــــى الى ارتفـاع العـبء الضــــريبي على مـدخلات الانتـاج والمواد الاسـتهلاكية، واصـبح يشـكل النهج السـائد عقبة كأداة امام خروج الاقتصـاد من ازمته، بعد اسـتنزاف طاقات المجتمع الاردني، وتراجع القدرة التنافســـية للمنتجات المحلية، وحرمان البلاد من اســـتثمار موارده، واختناق القطاع الزراعي، في ظل مناخات سـياسـية واقتصـادية، عمقت التشـوهات الهيكلية للموازنة والاقتصـاد الوطني، وزيادة الاعتماد على الخارج في توفير الاحتياجات الاسـاسـية والمواد الغذائية .
خلت الموازنة العامة للدولة من اي رؤية مستقبلية لوقف حالة التدهور، ومع ذلك تواصل الحكومة
حالة الانكار. فقد اسـتهدفت الايرادات المحلية زيادة قدرها 733 مليون دينار بهدف تغطية 5.92 %
من النفقـات الجـاريـة، في حين ان موازنـة عـام 2019 كـانـت تســــتهـدف زيـادة في الايرادات المحليـة
1065 مليون دينار، لتغطية ما نسـبتة 100 %من النفقات الجارية، لم يتحقق منها سـوى 76 مليون
ً على زيادة الايرادات
دينار وتغطية 88 %فقط من النفقات الجارية. فالاقتصاد الاردني لم يعد قادرا
في ظل تراجع النمو الاقتصـادي الى ان وصـل الى ادنى مسـتوياته وبمعدل 9.1 %في عام 2019 ،
كما ارتفعت معدلات البطالة خلال الاعوام الخمسة الاخيرة من 9.11 الى 2.19 %في عام 2019 .
بلغت النفقات العامة 9808 مليون دينار, بزيادة قدرها 778 مليون دينار، وبلغ عجز الموازنة
بعـد المنح 1247 مليون دينـار، علمـا ان عجز موازنـة عـام 2019 مقـدرة ارتفع من 645 مليون
دينـار بعـد المنح الى 1214 مليون دينـار اعـادة تقـدير، بزيـادة قـدرهـا 569 مليون دينـار، رغم
2
تخفيض النفقـات الرأســــمـاليـة بمبلغ 172 مليون دينـار، وزيـادة المنح الخـارجيـة بمبلغ 294 مليون
دينار، بمعنى ان العجز الحقيقي ارتفع اكثر من مليار دينار عما ورد في الموازنة..! .
لقد ادى اتسـاع الفجوة بين الايرادات والنفقات الى تفاقم عجز الموازنة الامر الذي اسـهم بزيادة عبء
المـديونيـة، وارتفـاع تكلفتهـا على حســــاب تراجع الخـدمات العـامة والبنيـة التحتيـة المتهـالكـة، وقد بلغـت
قيمـة فـائـدة الـدين العـام في موازنـة الحكومـة المركزيـة لعـام 2020 مبلغ 1254 مليون دينـار وبزيـادة
قـدرهـا 202 مليون دينـار مقـارنـة مع اعـادة تقـدير لعـام 2019 ،وبلغـت فوائـد الهيئـات المســــتقلـة مبلغ
167 مليون دينـار وبلغـت القيمـة الاجمـاليـة لفـائـدة الـدين العـام حكومـة وهيئـات مســــتقلـة مبلغ 1421
مليون دينار. اما المديونية فقد ارتفعت خلال الشــهور العشــرة الاولى من عام 2019 نحو 742.1
مليار دينار حيث بلغ اجمالي الدين العام مبلغ 195.30 مليار دينار في نهاية ايلول 2019 وبنســبة
9.96 %من النـاتج المحلي الاجمـالي وفق مـا ورد في نشــــرة وزارة المـاليـة لشــــهر تشــــرين اول
عام 2019 ، دون الاخذ بعين الاعتبار ما يســــمى بالالتزامات الســــابقة الواردة في الموازنة التي
ترفع نسـبة الدين العام الى اكثر من 100 %من الناتج المحلي. لقد شـكلت فوائد الدين على الحكومة
المركزية وحدها ما نســــبته 15 %من اجمالي النفقات العامة. ومن المتوقع ارتفاع تكلفة الدين العام
ً للمالية
في الســنوات القادمة بســبب تصــاعد عجز الموازنة وزيادة المديونية مما يشــكل تحديا كبيرا
العامة، حيث تتجاوز كلفة الاقتراض مخصـصـات النفقات الرأسـمالية مما سـيؤدي الى اسـتمرار حالة
الركود الاقتصادي!؟ .
على الرغم من ارتفاع حجم الاقتراض الحكومي من صندوق استثمار اموال الضمان الاجتماعي
على شـكل سـندات خزينة بقيمة 7.5 مليار دينار، فأن تقرير اللجنة المالية لمجلس النواب كشـف عن
توجه لشـــراء صـــندوق اســـتثمار اموال الضـــمان الاجتماعي ســـندات للخزينة بما يوازي المبالغ
المحولة من الموازنة العامة كمسـاهمات الضـمان الاجتماعي بنسـبة فائدة لا تتجاوز 3 %لخفض كلفة
الدين العام اي اقل من نصــف فائدة الســندات التي تصــدرها الحكومة في الســوق المحلي في الوقت
الذي يتقاضى القسم الاعظم من متقاعدي الضمان رواتب متدنية لا تغطي الحد الادنى من احتياجاتهم
الضرورية مما يشكل استقواء على امانات الاجيال القادمة.
3
تسديد التزامات سابقة:
ً على جداول الموازنة تحت مسـمى التزامات سـابقة
ً جديدا
لقد اسـتحدثت دائرة الموازنة العامة بندا
منـذ عـام 2016 ، وبمـا ان الموازنـة هي عبـارة عن موازنـة تقـديريـة لقيمـة الايرادات ومصــــادرهـا
والنفقات وابوابها لعام جديد، وان الســــلطة التفيذية مجبرة بالالتزام بها بموجب قانون الموازنة، فأن
ما يســمى بنفقات التزامات ســابقة لا مكان لها في الموازنة دســتوريا وهي مخالفة لقانون الموازنة،
كما ان الالتزامات السـابقة لم يجر الافصـاح عنها او اقرارها من قبل هيئة رقابية، وان على مجلس
النواب ردهـا، حيـث لا يجوز اجـازتهـا بعـد انفـاقهـا خـارج الموازنـة ودون الافصــــاح عن تفـاصــــيلهـا
خاصـة ان قيمة هذه الاموال التي انفقت وفقا للجدول رقم (30 (لتقرير ديوان المحاسـبة لعام 2018
، شــكلت عجزا متراكما قيمته (3685 (مليون دينار، وهي المبالغ التي صــرفت لتغطية العجز بعد
التمويل في موازنات الاعوام السابقة، ويشير تقرير ديوان المحاسبة في هذا الصدد الى ما يلي:
1 .ان العجز لم يتضــــمن اجمـالي ارصــــدة الالتزامـات الســــابقـة التي ظهرت بقـانون الموازنـة العـامـة
والحســــابـات الختـاميـة لـه والتي بلغـت (6.690 (مليون دينـار خلال الاعوام (2016-2019 (على
النحو المبين في الجدول رقم (31(
وان القرار التفسـيري رقم (2 (لسـنة 2006 تاريخ 26/12/2005 الصـادر عن المجلس العالي
لتفسـير احكام الدسـتور يلزم الحكومة بعدم صـرف نفقات تزيد عن المقرر في قانون الموازنة العامة
الا بموجب قانون يصـــدر لهذه الغاية قبل الانفاق وحيث ان تســـديد الالتزامات الســـابقة يعني انه تم
الانفاق خارج الموازنة العامة ولم يظهر ضـمن العجز المقدر والفعلي خلال الاعوام التي سـبقت عام
2016 ، فإن ذلك يعني أن هذا الانفاق كان مخالف لأحكام الدستور.
2 .لم يتم ادراج ايضــاح مناســب حول العجز المتراكم (التغير في التمويل التراكمي) في المركز المالي
للخزينة متضمنا كل من ارصدة الدين العام والعجز / الوفر بعد التمويل .
ان تجاهل هذه الوقائع وعدم التقدم ببيان يكشــــف حقيقة المركز المالي للدولة وتصــــويب المخالفات
التي ترتكبها السـلطة التنفيذية بما يسـمى التزامات سـابقة، والذي كشـف عنها ديوان المحاسـبة يسـتدعي
محاسبة الجهات المسؤولة عن انفاق المال العام بطرق غير دستورية ومحاسبة المتسترين عليه .
4
السياسة الضريبية:
تعد السـياسـات المالية والضـريبية احدى المحاور الرئيسـية لتحقيق الأهداف الاقتصـادية والاجتماعية،
فالنمو الاقتصـــادي الذي تســـعى الدولة لتحقيقه، ينبغي ان يقترن بالتوزيع العادل لعائدات التنمية من
خلال الضـريبة التصـاعدية، وإعفاء الفقراء من الضـرائب، واعادة توزيع الدخل بما يحدث تغييرات
ملموسـة في حياة المواطنين وتحسـين ظروفهم المعيشـية، وتبرز أهمية اسـتخدام السـياسـة الضـريبية في
تصـــويب التشـــوهات الهيكلية للاقتصـــاد الوطني، بتحفيز القطاعات المنتجة بســـياســـات ضـــريبية
تفضيلية .
لقد شـهدت السـياسـات الضـريبية تراجعا ملحوظا عن المبادئ الأسـاسـية للفلسـفة الضـريبة والتي
تضـ منها الدسـتور، خلال العقدين الأخيرين، وخاصـة بعد اخضـاع الاقتصـاد الوطني لما يسـمى بسـياسـة
"التصـحيح الاقتصـادي" بانتهاج سـياسـات ضـريبية إحلاليه؛ بتراجع دور الضـريبة التصـاعدية، بعد
صـدور قانون الضـريبة العامة على المبيعات في العام 1994 واسـتحدات ضـريبة خاصـة وصـلت
نســـبتها الى أكثر من 100 %على بعض الســـلع والخدمات. ان مصـــادر ايرادات الخزينة وابواب
انفاقها تحدد موقف الدولة من الشــرائح والطبقات الاجتماعية، فالايرادات الضــريبية غير المباشــرة
تشـكل نحو 78 %من بند التحصـيلات الضـريبية بينما الضـرائب على الدخل والارباح لا تشـكل سوى
22 ، %فيهـا انحيـاز للاغنيـاء وهي مؤشــــر على عمق الفجوة وغيـاب العـدالـة الاجتمـاعيـة بين
المواطنين، فقد بلغت نسـبة الايرادات الضـريبية ما نسـبته 73 %من اجمالي الايرادات المحلية، وفي
حال اضــافة ما يســمى بثمن الخدمات والغرامات والمصــادرات للايرادات الضــريبية ترتفع نســبة
ً الايرادات الضـريبية الى 87 .%وهي مؤشـرات كافية للكشـف عن عمق الازمة الاقتصـادية
وانعكاسـا
لذلك ارتفاع معدلات البطالة والفقر. لقد فقدت السـياسـ ة الضـريبية وظيفتها الاسـاسـية، في اعادة توزيع
الثروة وتقليص الفجوة في الـدخول وتوجيـه الاســــتثمـارات . كمـا ان توحيـد العـبء الضــــريبي بين
القطاعات التجارية والصــناعية واخضــاع القطاع الزراعي للضــريبة يعكس الســياســات الجبائية
للحكومات دون مراعاة للمصالح الوطنية في تطوير القطاعات المنتجة .
التحفيز الاقتصادي:
لم تظهر القرارات الحكوميـة المتعلقـة بتحفيز الاقتصــــاد اهتمـامـا من قبـل الرأي العـام الاردني لعـدم
جديتها وتواضــعها، كونها لا تمس القضــايا الجوهرية للازمة المالية والاقتصــادية، ولن تؤدي الى
5
تغيير النهج السـائد في البلاد الذي اوصـل الاقتصـاد الوطني الى ازمة عميقة، ولم تسـاهم في الخروج
من هـذه الازمـة، كمـا لم يعـد المواطن يثق بـالوعود الحكوميـة المتكررة لافتقـارهـا للمصــــداقيـة ولأي
اجراءات ملموسـة في معالجة حقيقية للازمة المالية. ان الخطوة الجدية بدعم القطاع الصـناعي تتمثل
بتخفيض ضريبة المبيعات على مدخلات الانتاج وعلى مخرجاته، وعلى الطاقة ومشتقاتها، بالاضافة
التي اصبحت عبئا لى الصناعة وعلى مختلف القطاعات. ً الى خفض معدلات الفوائد على القروض ع
مع التأكيد على ان الاقتصـاد الوطني لن يغادر ازمته في ظل النهج السـائد، فالخطوات الضـرورية،
لانقاذ الاقتصــاد الوطني تكمن في ســياســات مالية ضــريبية جديدة، منها تخفيض الضــرائب (غير
المباشـرة) واعتماد الضـريبة التصـاعدية بما يتفق مع النص الدسـتوري، وقطع دابر الفسـاد الذي أخذ
ً اشكالا متعددة منها الرواتب ومشتقاتها كالمكافأت على النفقات الجارية
والعلاوات التي اصبحت عبئا
، فالنهج السائد غير قادر على انتشال الاقتصاد الوطني، او وقف حالة التدهور الاقتصادي.
المؤسسات والهيئات المستقة:
لقد اصـبحت قضـية دمج الهيئات المسـتقلة بالوزارات مطلبا شـعبيا لاسـتنزافها لاموال الخزينة، بعد ان
ا، بدمج هيئات ومؤسسات ً اصبحت مكانا ، وما أقدمت عليه الحكومة من اجراءات كان شكلي ً للمكافآت
في عامي 2018 و 2019 حيث انخفض عددها من 57 مؤســـســـة الى 25 مؤســـســـة في موازنة
2020 لم يغير من عبئهـا اذ ان النفقـات العـامـة لم يطرأ عليهـا اي تغيير حيـث بلغـت نفقـات الهيئـات
المســتقلة لعام 2020 مبلغ (1563 (مليون دينار في حين بلغت هذه النفقات في موازنة عام 2017
مبلغ ( 1578 ( مليون دينـار، ممـا يؤكـد على ان الاجراءات الحكوميـة، لم تمس عبئهـا على المـاليـة
العامة. علما ان الهدف الرئيس من المطالبة "بالدمج والالغاء" هو خفض الرواتب الخيالية واخضـاع
ً للمسـاواة والعدالة بينهم، اضـافة الى توفير النفقات
جميع موظفي الدولة لنظام الخدمة المدنية وتحقيقا
الادارية من عملية الدمج.
ان نصــيب وزارتي الصــحة والتعليم لا يتجاوز ا ل 15 %من اجمالي الانفاق العام. وجاء تصــريح
مـدير الخـدمـات الطبيـة حول عجز موازنـة الخـدمـات الطبيـة وارتفـاع ديونهـا التي بلغـت 376 مليون
دينار ليعكس حجم الاختلالات الهيكلية للموازنة وعدم اعطاء الاولوية في الانفاق للتعليم والصـــحة.
وهنا تبرز مخاوف لدى الرأي العام من ان هذه السياسات تهدف الى خصخصة التعليم والصحة.
6
ان التيـار الـديمقراطي التقـدمي الاردني وهو يتســــعرض واقع المـاليـة العـامـة فـإنـه يملـك رؤيـة وطنيـة
لاخراج البلاد من ازماته، وانه يجزم ان حكومة مفوضة من الشعب قادرة على وضع برنامج وطني
يســـخر ثروات البلاد وطاقات ابنائه وســـياســـاته المحلية والخارجية للمصـــالح الوطنية العليا كفيل
بمعالجة المشـــاكل المالية والاقتصـــادية المعقدة التي يعاني منها وطننا واقتصـــادنا، ومن هنا يدعو
مجلس النواب الى رد الموازنـة التي تحمـل في ثنـايـاهـا مزيـد من الازمـات المـاليـة والاقتصـــــاديـة
ٍ والاجتماعية على حد سواء.

نيسان ـ نشر في 2020-01-12 الساعة 15:14

الكلمات الأكثر بحثاً