اتصل بنا
 

مصفاة بترول معان و 'هجمة اعلام عمان'

نيسان ـ نشر في 2020-01-25 الساعة 14:55

نيسان ـ لست مندهشا على الاطلاق من القراءة التي قدمها ناشطون وإعلاميون حول المؤتمر الصحفي لشيخ مشعل الصباح ، بوتيرة سريعة تحولت القراءة إلى هجوم على الشيخ المستثمر ثم المشروع نفسه ، لانني صحفي واعرف جيدا مربعات الإعلام الأردني وأدوار كل منها وكيف يجري توظيف وتوجيه الموقف تجاه أية قضية كانت ، الأخطر أن متابعة القراءات كشفت عن " حمى نفاس " لدى البعض أفقدته القدرة على فهم منهجية الاستثمار الجاد المبني على خطط مدروسة من قبل فريق فني متكامل ، والسير بالاجراءات وفق آليات علمية وعملية تعتمد الموافقة المبدئية ومعلوماتي الأكيدة تشير إلى عام كامل من الجهد والتخطيط والدراسة وإجراء الحسابات قبل التقدم بطلب لوزارة الطاقة ، المخاطبات اعتيادية بين الطرفين لكن غير المعتاد هو مقابلة جهد استثماري كبير بالتشكيك واتهام الفكرة الاستثمارية نفسها بأنه لا وجود لها ثم الوصول إلى مرحلة أنها حبر على ورق ثم في النهاية الوصول إلى مرحلة التشكيك بالمستثمر نفسه وملائته المالية ليبلغ الخبط عشواء إلى ربط الموضوع بمشروع " نيوم " هنا وصل الاعلاميون إلى كشف غير مسبوق عن قدرتهم على تحويل أقلامهم ومساحاتهم الإعلامية التي تتغذى اعلانيا إلى حراب خراب ، وخناجر في صدر البلد قبل ظهره .
طفولة إعلامية تجاهلت أن رد الشيخ الكويتي المستثمر على سؤال أحد الزملاء حول " الرشى " كان بعد سؤال غبي لزميل ربما كان يتوقع أن يعلن مستثمر عن رشى في مؤتمر صحفي ، ثم إن مستثمرا بحجم الشيخ مشعل الصباح يعلن أن المشروع يتمتع بدعم قيادتي البلدين كان واضحا وهو رجل عائد الى بلده فكيف يمكن أن يدعي دعم سمو أمير الكويت دون أن يكون ذلك صحيحا ، انشغل البعض منا بجزئية كشفت محور التوظيف وهي عدم حضور ممثلين رسميين للمؤتمر ما يعني غياب المتنفعين حولهم ، وهو ما يعني بالضرورة استثناء " قناصة الطوابق العلوية " في عمان من تفاصيل المشروع ، ما استدعى تحريك " كوماندوز الأقبية السفلية " لغايات التشويه والتشكيك ولفت الانتباه إلى خطورة مرور مشروع ضخم بهذا الحجم دون " لحس اصابع " .
أي عاقل في هذا العالم يعي أن استثمارا بالمليارات يحتاج موافقة أولية مبدئية لغايات السير في المسارات الاقتصادية المعروفة ووقتا أكثر لإنجاز المهمة وهو ما أكده رئيس هيئة الاستثمار الدكتور خالد الوزني وشرحه بالتفاصيل الدقيقة ، لكننا هنا إزاء تجاوز خطير حول تسريب مخاطبات بين مستثمر ووزارة في مراحله الأولية ، بعد أن جرى هجوم على مؤتمر صحفي في العرف الاقتصادي هو اعتيادي بعد الحصول على موافقة أولية مشروطة لمشروع استثماري ، وجرى إيهام الرأي العام من خلال ادوات إعلامية أنه وهم اقتصادي أو تمرير ادعاءات ممكن أن تؤدي إلى إعاقة استثمار البلد في أمس الحاجة إليه .
يدرك خبراء اقتصاديون أن فجوة اقتصادية كبيرة - نبه إليها تقرير للمجلس الاقتصادي الاجتماعي الأردني - بين العاصمة والمحافظات بالذات جنوبا تشكل خللا تنمويا كبيرا ، معالجتها تحتاج إلى مشروعات تنموية ضخمة ، لكن
" خبراء اعلام عمان " لم يروها بل شاهدوا فقط أن المشروع الضخم نفسه وهم وادعاء فقط لمجرد أنه لا علاقة لهم بالمستثمر نفسه ولم يطلعوا على التفاصيل منذ البداية ، سلوك غير مسؤول يستدعي اعلان
انكسار النموذج السياسي التقليدي المسؤول عن قيم الولاية العامة المرتبطة بالوجدان الإنساني والوطني العام لكونه أيضا مسؤول عن الرؤية العامة ، وآفاق التخطيط والتنفيذ وفق أعلى درجات هذه المسؤولية الأخلاقية والسياسية لم يترافق مع تأسيس لنموذج بديل بل ترافق مع نموذج أكثر انكسارا ، رغم أن سقف التوقعات منحدر أيضا نتيجة غياب المسائلة اولا وتواضع القدرات التغييرية أيضا لدى السلطة التنفيذية " السلطة الاولى " ، وهو ما فتح المجال لتقفز " السلطة الرابعة " فوقها ايضا ، وهو ما يكشف سرا عن أن السلطة التنفيذية وكامل ادواتها في عهدة الإعلام ، الإعلام الذي يفتح عينا هنا ويغمض الأخرى هناك في الحقيقة هو اعلام انتقائي موجه موظف يتلاعب بواقع البلد ومستقبلها .
قراءة المشهد السياسي والاقتصادي والإعلامي وحتى الاجتماعي " المعاش " وفق هذه الحالة لايبنى على المعيار ولا الأحكام بل على المختلف والمغاير المبني على المعرفة الفورية المباشرة ، اذن فالقراءة هنا ليست نقلا ولا عقلا فقط بل هي أشبه بالتسريب المبني على اطلاع على واقع لا يحتاج استنتاج ولا استقراء ولا حدس ولا تحليل .
حكومة الرزاز التي تعيش حالة إفلاس كامل بعد أن استنفذت كامل خياراتها وبدائلها وتعديلاتها على المستوى السياسي والإداري ، تقف الان في مربع النهاية المنتظرة بعد إقرار الموازنة من جهة وتفاصيل قضية اتفاقية الغاز التي تتفاعل
الأهم هنا هو أن الأمور لم تخرج عن إطار التراكم الذي راكمه المعجم السياسي الأردني خلال عقود ، باستثناء حالة واحدة تجدر الإشارة إليها وهي تعميق الجدل والتجميل والحلول الوهمية ومتابعة إحكام السيطرة على الحقائق ، وهو ما طور الأمور من القلق البسيط إلى مستوى القلق المعقد الذي بات ينتاب أكثر المتفائلين أمام تقنيات بناء القرار اولا وأمام حركة تسيير الموقف السياسي والاقتصادي معا في ظل غياب كامل لدوائر الإعلامية المسؤولة عن الحقيقة والمعلومات و التي باتت في طور الاحتواء الكامل والسيطرة المطلقة حتى أن طوقا شديد الاستدارة بات يحاصر المعلومات وإن ادعى البعض في حكومة الرزاز تصنع الشفافية أو الحديث عنها ، نحن إزاء نموذج جديد في العمل العام يرى التسويق العلني الكاذب غير متناقض ابدا مع الواقع وهو ما يشبه التخدير المؤقت متناسيا أن هذا السلوك " ميكافيلي " غير قابل للتأويل .
إساءة استخدام السلطة " ليس حكرا على المسؤول وخيانة الأمانة ليس حكرا ايضا على من يؤتمن عليها ثمة من يمارسون هذه الجرائم أيضا من ممارسي السلطة الرابعة عندما يعاينون بأعينهم مواضع الخلل ويتجاهلونها بينما يضعون كامل ثقلهم في اتجاه آخر ، بلغت حد عدم القدرة على إيجاد وسيلة إعلام تنشر حقيقة موثقة بسبب العلاقات الشخصية لناشر أو الصحفي مع هذا أو ذاك نتيجة عقود الاعلان تارة أو نتيجة الصداقة المفضية إلى منفعة تارة أخرى ، وهو ما يخلق أبطالا من ورق هنا ، وإنجازات من كذب هناك .
الجبهة الإعلامية الأردنية باتت بحاجة ماسة إلى " مصفاة حقيقية " لتكرير المعلومات وفرزهاوضبط جودتها وحماية مستهلك المعلومات من مزاجية ومنفعية البعض ، التي باتت بشكل سافر توجه الرأي العام بعكس الاتجاه في أحيان كثيرة .
دولة الرئيس الرزاز يعرف أن الإعلام الأردني بمختلف أنواعه يعاني اختلالات بنيوية وفنية ، يبقى الإعلام الرسمي الأكثر جدية والأقل خللا نظرا لطبيعته التي تراعي جملة من المحاذير وان كان يحتاج تطويرا لكن غياب المسؤولية لدى البعض بات يحدث مشكلات عميقة على كافة المستويات ، تشكيك ، تشويه ، اغتيال شخصيات ، إيهام ، تضليل ، بناء مواقف ، وصولا إلى تشكيل راي عام مضاد انطلاقا من مصالح ذاتية وصراعات بين مربعات إعلامية بلغت حدود الإطاحة بعلاقات ود واحترام مع أشقاء وأصدقاء يبذلون جهودا كبيرة لدعم البلاد في ظل أوضاع اقتصادية وظروف إقليمية ودولية معقدة للغاية .

نيسان ـ نشر في 2020-01-25 الساعة 14:55


رأي: خلدون عبدالسلام الحباشنة

الكلمات الأكثر بحثاً