اتصل بنا
 

صفقة القرن.. ما خفي أعظم!

نيسان ـ نشر في 2020-02-16 الساعة 12:04

x
نيسان ـ د. حازم الناصر

لماذا نرفض "صفقة القرن" بأبعادھا السیاسیة والمائیة؟
- خطة السلام الأمریكیة الإسرائیلیة او ما یسمى "بصفقة القرن" والتي نعارضھا ونرفضھا لأسباب عدیدة؛ منھا ما ھو
ٌ الى ما انطوت علیھ من اشارات جدیدة في الملف المائي الشائك
سیاسي ومنھا ما ھو اقتصادي واجتماعي ودیني، إضافة
بین الفلسطینیین والإسرائیلیین من جھة، وبین الإسرائیلیین ودول الجوار من جھة أخرى.
الخطة لم تعط الملف المائي الوزن المطلوب ولا الاھتمام الذي ینم عن حسن نیة اتجاه إقامة الدولة الفلسطینیة على حدود
الرابع من حزیران عام ١٩٦٧ ،وعاصمتھا القدس الشرقیة، والمتفحص للمبالغ المالیة الواردة بما یسمى "صفقة القرن"،
یجد ان مجموع ما خصص للمیاه في كل من فلسطین، بما في ذلك غزة وسیناء والمشاریع المشتركة مع الأردن لا تتعدى
١.٣ ملیار دولار امریكي، على فترة زمنیة تتراوح ما بین عامین الى عشرة أعوام.
وبالمناسبة ھذا المبلغ یوازي ما أنفقھ الأردن على قطاع المیاه الأردني لتلبیة احتیاجاتھ المائیة المتزایدة، واحتیاجات اللجوء
- السوري خلال الفترة ٢٠١٣ ٢٠١٧ ،اذ أنفق الأردن ھذا المبلغ رغم ضیق الحال دون الدخول بصفقات مع أحد.
من الواضح ان القائمین على ھذه الخطة یعلمون جیدا أھمیة المیاه لقیام الدولة الفلسطینیة، وانھ بدون مخطط مائي طویل
الأمد قابل للاستمرار والاستدامة فلن تكون ھنالك مقومات الدولة المنشودة، ولھذا ابتعدت الخطة عن الملف المائي من
حیث أولا؛ التنكر للاتفاقیات السابقة الموقعة مع الفلسطینیین، وثانیا الاستمرار بالسیطرة على المناطق الغنیة بالمیاه
السطحیة والجوفیة وبناء المستعمرات علیھا، یظھر ذلك جلیا في منطقة القدس ونابلس الغنیتین بالمیاه السطحیة والجوفیة،
بالإضافة الى السیطرة على ما تبقى من الأراضي المحاذیة لنھر الأردن وشمال البحر المیت ودون ان یكون للفلسطینیین
أي سیطرة او حقوق سیادیة.
إسرائیل ضمن "صفقة القرن" لم تتخذ من المیاه ومواردھا مناطق حدودیة مع الفلسطینیین لان الاستراتیجیة قد تغیرت في
ظل وجود فائض من الغاز، فقد عشنا الفترات التي كانت بھا روافد ومنابع نھر الأردن ھي المحرك الرئیسي لعدوان
١٩٦٧ ومن قبلھا حرب عام ١٩٤٨ واخرھا حرب الاستنزاف عام ١٩٧٣والتي انتھت حروبھا بخطوط ھدنة تتلاءم
والسیطرة على موارد المیاه في نھر الأردن او الضفة الغربیة او الجولان المحتل وبحیرة طبریا، إضافة إلى السیطرة
على مرتفعات الضفة الغربیة وخزاناتھا الجوفیة الغنیة بالمیاه والتي سحبت إسرائیل میاھھا بطرق جائرة دون ان یكون
ھنالك نصیب او أدنى حق للفلسطینیین في میاھھم.
بالعودة الى ما یسمى "بصفقة القرن" والاستراتیجیة الإسرائیلیة الجدیدة، فقد ركزت محاورھا ومشاریعھا على شبكات
المیاه والخطوط الناقلة من الداخل الإسرائیلي باتجاه الضفة الغربیة وسیناء وغزة والأردن، وبالوقت ذاتھ تجاھلت
- الاتفاقیات المبرمة سابقا ابتداء من "أوسلو" وانتھا ًء باتفاقیات العام ٢٠١٧ ٢٠١٨ ،بخصوص تزوید الضفة وغزة
ً بالمیاه، والتي كانت جزءا
من اتفاق ناقل البحرین التي ترفضھ إسرائیل نھارا ، وتصر على ادخالھ "بالصفقة"؛ ً جھارا
لتقول للولایات المتحدة الامریكیة وأوروبا بانھا مع التعاون الإقلیمي، ولكن التنفیذ والالتزام شأن اخر، خاصة اذا كان
ھنالك منفعة للأخرین، والسبب ان الاستراتیجیة تغیرت في ظل عدم وجود موارد مائیة جدیدة للسیطرة علیھا في
الضفة الغربیة.
الاستراتیجیة الجدیدة ھي امتھان مھنة بیع المیاه لكل من یحتاج " طبعا مقابل الثمن"، فھي لدیھا میاه البحر القابلة للتحلیة
ولدیھا أفضل تكنولوجیا لتحلیة المیاه، ولدیھا الطاقة الوفیرة الرخیصة، وھنا اقصد "غاز المتوسط".
نعم، الاستراتیجیة الجدیدة مربحة اقتصادیا وسیاسیا، وھي أیضا غیر شائكة، كما ھو الحال في السیطرة على موارد میاه
الغیر، وما یتبعھ من إشكالات دولیة وقانونیة.
اما السیطرة على شمال البحر المیت فلھ أسبابھ، ظاھرھا التوسع في احتلال أراضي الفلسطینیین، وترسیم حدود جدیدة،
الا ان ھنالك أسبابا أخرى تتعلق بمستقبل صناعة البوتاس من البحر المیت، والتي تدر الملیارات على الاقتصاد
الإسرائیلي من خلال بیع املاح البوتاس ومنتوجات البحر المیت.
خ ِّطط الإسرائیلي یعلم بان میاه البحر المیت وفي ظل عدم الرغبة بالمضي قدما بمشروع ناقل البحرین الأردني، فان المُ
بانحسار باتجاه الشمال، " أي باتجاه حدود الضفة الغربیة على البحر المیت " والتي أصر الأردن خلال السنوات الماضیة
على ان دولة فلسطین ھي احدى الدول المتشاطئة، ولھا حقوقھا وتم ادخال الفلسطینیین كشریك فاعل بمشروع ناقل
البحرین الأردني".
ولتوضیح ھذه النقطة بالأرقام، فان طول الشاطئ الغربي للبحر المیت الیوم ھو حوالي ٥٤ كم، منھا ١٨ كم فقط داخل
حدود إسرائیل عام ١٩٤٨ وما تبقى أي ٣٦ كم تقع داخل حدود الضفة الغربیة عام ١٩٦٧ ،وفي حال استمرار انحسار
ً ٢٥ عاما القادمة لن یكون ھنالك شاطئ للبحر المیت داخل حدود ، فمن المتوقع انھ وخلال ال
میاه البحر المیت شمالا
إسرائیل ١٩٤٨ وستختفي الفوائد الاقتصادیة المقدرة بالملیارات من خلال استغلال میاه البحر المیت، ولذلك تصر
إسرائیل على ضم مناطق غور الأردن الفلسطینیة المطلة والممتدة على طول شاطئ البحر المیت.
المیاه حق أساسي من حقوق الانسان وجسر للتعاون ما بین الشعوب ولا یجوز باي شكل من الاشكال استخدامھا كسلاح لقھر
واضطھاد الشعوب او لتمریر صفقات سیاسیة كتب لھا الفشل قبل ولادتھا.
لا بد من تذكیر المجتمع الدولي الذي أشبعنا تنظیرا بضرورة تنظیم استعمالات المیاه والحقوق على ما یعرف بـ (الدول المتشاطئة)
والتي روج لھا من خلال العدید من المواثیق والمعاھدات ابتدا ًء من قرارات رابطة القانون الدولي في اجتماعھا "بھلسنكي" عام
١٩٦٦ وانتھا ًء باتفاقیة قانون استخدام المجاري المائیة الدولیة للأغراض غیر الملاحیة لعام ١٩٩٧ ودخولھا حیز التنفیذ عام
٢٠١٤ ،والتي أكدت على مبدأ مشاركة دول المجرى المائي في الانتفاع بھ وتنمیتھ، وأن یكون الانتفاع منصفا ومعقولا.

نيسان ـ نشر في 2020-02-16 الساعة 12:04

الكلمات الأكثر بحثاً