النظام الاقتصادي في الإسلام في مواجهة فشل (الرأسمالية)
فتح سعادة
كاتب أردني وخبير مياه
نيسان ـ نشر في 2015-07-30 الساعة 16:50
تركز الدعوة الإسلامية خارج البلدان العربية والإسلامية على توفير دور العبادة للمسملين المقيمين في أوروبا وأمريكا أو نشر الدعوة الإسلامية وإدخال الناس في الإسلام في أمريكا وأوروبا وأفريقيا–هذه الدعوة تغفل نهجا استراتيجيا وهو شرح ونشر وتشجيع الاستثمار في تطبيقات نظام الاقتصاد الإسلامي في ظل المأزق الاقتصادي العالمي والذي يتفاقم بشكل مروع ويهدد دولا وشعوبا بمزيد من الفقر والإفلاس حتى في أوروبا واكثر دولها عراقة.
لقد فشلت النظرية الاقتصادية الرأسمالية في حل مشاكل العالم حين قامت على مبدأ الانتهازية والاستغلال والذي هو الأساس غير الأخلاقي للممارسات الربوية والتي تطورت عبر العصور من تدمير للأفراد والأسر الى تدميردول بأكملها.
يغفل المسلمون أن المال كان وسيلة مبكرة جدا في نشر الإسلام وتثبيته في قلوب المسلمين الجدد أو ترغيب غير المسلمين به وهم من سماهم الإسلام المؤلفة قلوبهم بل إن الرسول صلى الله عليه وسلم وفي فتح مكة أعطى المؤلفة قلوبهم وحرم المقاتلين. إذن هناك منهجية إسلامية يمكن استغلالها في الوقت الراهن نظرا للحاجة الماسة للبشرية للخروج من الفقر والجوع الذي أصبح يهدد نسبة هائلة من سكان الكرة الأرضية الذين وقعوا فريسة الرأسمالية المتوحشة.
لو نظرنا بشكل سريع الى حصيلة الحضارة الغربية عالميا سنجد أنها أهدت للبشرية الكثير من التقدم والتكنولوجيا ورفاهية الحياة ولكنها شرعت الأبواب لكل أشكال البؤس والعوز والفقر وطورت كل أنواع الاستغلال والاستعمار والاحتكار ولم ترحم حتى شعوبها حيث أصبحت الأسرة الغربية في مهب الراحة وبحاجة الى أن تعمل ليل نهار لضمان العيش الكريم وأصبحت الأسرة مادية النظرة حتى لأفرادها ومفهموم الأسرة نفسه آخذ في الاضمحلال. إذن حصيلة الرأسمالية الغربية هو استئثار عائلات وشركات بعينها بمعظم الاقتصاد العالمي وتسيير السياسات العالمية بشكل عام لمصلحة هذه العائلات وهذه الشركات.
قبل أن نعرض بعضا من جوانب الاقتصاد الإسلامي لا بد من الإشارة الى أن الكثير من الاقتصاديين الغربيين أشاروا مبكرا جدا ومنذ أوأئل القرن العشرين الى خطورة الاقتصاد الربوي على العالم وتنبأ بعضهم بأن جميع الثروات في العالم صائرة الى فئة صغيرة من البشر وهذا ما حصل فعلا حين تكدست الأموال في بنوك سويسرا وأمريكا وبعض دول أوروبا.
أما الاقتصاد الإسلامي الذي ينبغي أن يقدم للبشرية الآن لحاجتها الماسة إليه فهو اقتصاد لا يقبل ربحا فيه ضرر للغير أو ربحا لا يقابله عمل والذي هو أساس الربا. إن الفرق الجوهري بين الاقتصاد الرأسمالي والاقتصاد الإسلامي أن الاقتصاد الرأسمالي جعل المال سلعة في حد ذاته بينما المال في الاقتصاد الإسلامي أداة لقياس القيمة ووسيلة للتبادل التجاري، وليس سلعة من السلع. فلا يجوز بيعه وشراؤه (ربا الفضل) ولا تأجيره (ربا النسيئة).
لا يقبل الاقتصاد الإسلامي الضرر للآخرين ويحرم مبدأ رابح مطلق وخاسر مطلق فإن كان هناك مجال لربح وخسارة فالمسؤولية مشتركة وهو ما ألغاه النظام الرأسمالي حيث ضمن لصاحب المال حق الربح الأكيد وللمستدين مخاطر المغامرة فزاد الإغنياء غنى والفقراء فقرا . لقد جعل الإسلام تسليف الآخرين عمل خير وليس استغلالا فقيمة المال المسترجعة يجب أن تكون نفسها المستدانة وليس الكسب إلا من خلال إنتاج وبيع سلعة فلذلك ينمو المال ولا يحصل ما يسميه الاقتصاد الرأسمالي التضخم الناتج أساسا عن المعاملات الربوية التي تزيد قيمة السلع لتعويض ما يسمى الفائدة. الفائدة هي المحرك الرئيسي للتضخم (ارتفاع الأسعار) لان الشخص عندما ياخذ قرضاً بفائدة فان ذلك سيؤدي إلى زيادة تكاليف الإنتاج عليه مما يدفعه إلى زيادة أسعار السلع والخدمات وعند زيادة أسعار السلع والخدمات يقوم الدائن بزيادة سعر الفائدة على الأموال.
نأتي الآن الى كنز المال الذي ما أوجده وحفز عليه سوى النظام الربوي. لقد عالج الاقتصاد الإسلامي كنز المال بطريقة عبقرية فكنز المال دون إخراج زكاته حرام وأخذ الربا عليه حرام إذن يبقى المخرج الوحيد لصاحب المال في الإسلام هو استعمال المال في التجارة والصناعة والزراعة واستفادة الناس جميعا منه.
أما في جانب التوزيع العادل للثروة فقد فرض الإسلام نظام الزكاة الذي هو من أركان الإسلام الخمسة والذي ضمن على مدار عصور تطبيق الإسلام رفاهية المجتمع والناس وتوفير الحد الأدنى من الحياة الكريمة للجميع وقد زاد الإسلام على ذلك بترغيب الناس بتجاوز حدود الزكاة في الإنفاق الخيري من خلال نظامي الصدقة والوقف وقد أسس الإسلام لكلا النظامين تأسيسا عقيديا وليس أدل على ذلك من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ينقص مال من صدقة فيعلم المسلم أنه مهما أنفق في وجوه الخير فسوف يعوضه رب العالمين أما نظام الوقف فهو الصدقة الجارية والتي يبتغي المسلم نفعها حتى بعد وفاته الى أن تقوم الساعة.
إذن نعتقد أن أعظم ما يمكن أن يقدمه المسلمون للبشرية الآن هو تخليصها من الفقر والمديونية من خلال تطبيق ديناميات الاقتصاد الإسلامي وشرح مباديء الاقتصاد الإسلامي للعالم من خلال مختلف وسائل الإعلام وإنشاء المؤسسات القائمة على تطبيقات الاقتصاد الإسلامي وإعداد مناهج جامعية لتدريس الاقتصاد الإسلامي من البكالورويس حتى الدكتوراة وما بعدها وتعزيز البحث والتطوير في وسائل تطبيق الاقتصاد الإسلامي عالميا ولا سيما أن وسائل انتقال السلع واستلامها وتسليمها قد أوجد مساحة واسعة لتحديث فقه الاقتصاد الإسلامي. مما يؤسف له أن غالبية الناس تعتقد أن الاقتصاد الإسلامي يقتصر على وجود بنوك تسمي نفسها إسلامية وكثير منها لا يختلف عن أي بنك قائم على الفائدة ولكن بطريقة ملتوية. الاقتصاد الإسلامي هو منظومة متكاملة رائعة من التطبيقات تضمن محو الفقر في مدد قياسية وهذا ما يعجز المسلمون عن شرحه للناس عدا فئة قليلة من المفكرين عكفت على دراسة وتطوير تطبيقات هذا الاقتصاد ولكن للأسف لا يكاد يسمع لهم صوت.
وفي الخلاصة تصوروا لو شرحنا للعالم كيف قضى الخليفة عمر بن عبد العزيز على الفقر في بلاد الإسلام خلال عامين وأوجد فائضا لإطعام الطيور على رؤؤس الجبال...كم سينبهر العالم حين يعلم أنه يحرم على أي حي من الناس أن يناموا وفيهم امرؤ جائع بينما تفرض قيود السوق على الرأسماليين إتلاف كميات مهولة من الطعام للمحافظة على سعر السوق..إذن أين قيم الإسلام من هذه الممارسات الوحشية التي تلقي بالطعام في قيعان البحار وتحرم ملايين الجياع من الناس للمحافظة على مصالح حفنة قذرة من أصحاب رؤؤس الأموال.