اتصل بنا
 

عربات فارغة ...نعمْ يسيطرُ الخوفُ الآنَ على مُدُنِ الأشباحِ

كاتب أردني

نيسان ـ نشر في 2020-03-23 الساعة 20:09

نيسان ـ عرباتُ القطارِ فارغةٌ،
وحدي أنا أرسمُ العالمَ الجديدَ في مُخيّلَتي،
هل ينتظرني الفايروس في المحطّةِ القادمة،
أم ما زلتِ أنتِ تنتظرينني !
نعمْ يسيطرُ الخوفُ الآنَ على مُدُنِ الأشباحِ
ولكنّ الإنسانيّة أقوى !
حتّى لو جاءَني الفايروس
فَنَفَسُكِ الجميلُ مُضادٌّ آخرُ للكورونا !
أنا سيّدتي منْ وجَعٍ
وُلِدتُ صدفةً بين بندقيّة أبي
وحبّاتِ الندى حيثُ تتوضأُ أمّي
...
كُلُ العالَمِ باتَ زنازين يا سيدتي،
وَ كُلُ البيوتُ باتت منفى...
في هذا الحجر، الذي لابد منه، وفي ظل الهدوء الصاخب الذي يملأ المكان، أخيطُ أغنية بأغنية، وقصيدةً بِقصيدَة، علي أملأ الفراغ، علي أجد مؤنساً لوحدةٍ تصدعُ جدراني، الأشد و الأقسى من هذا كله مُعضِلةُ أن تَشكَ حتى في ذكريات تتكأ عليها، وتهش بها على حزنك، وتشد أزر نفسك بها إن سقطت.
الغيابُ الذي تسبب في هذا الفراغ، تملأه بَعض كلمات فيروز، و بعض ألحان بليغ حمدي، ولا بأس بأي موسيقى، فهذا الغياب لن يملأه شخص مطلقاً.
هذا الحَشدُ المعتصم في قلبي، هذا الحَشدُ الذي يناكِفُني هدأ ذات ثلاثاءٍ ، كان شارع المدينة المنورة بلا زِحامْ، وكانت الأنوارُ تميلُ إلى القاني، وكنتُ انا الباهِتَ الوحيد...
في المكتب (206) كانوا مُجتَمعين، كان دخان سجائرهم يملأ المكان، وبقايا فناجين القهوة، وبعض ورقٍ، و صحيفة...
والكثير من إستراتيجيات النصر، والخطط اللحظية، وإنتقاد..
ولكن في الغرفة الأخرى من المكتب كانت حَمامَةُ أيكْ وغَصَةُ عُمرٍ ووجعٌ لن يزول، تجلس على كُرسيٍ مُغترٍ بِها، يداعِبُ شعرها الذي ينسابُ كجدولِ كوثر، ويراقِصُ كَلماتِها التي كانت جاحِدَةً جداً بها وهي على يقينٍ بأنني عَطِشٌ لأي كَلِمَة او إشارةٍ تَخرُجُ مِنها.
كُنتُ مُنصِتاً حد الموت، كُنت عظيماً، مشرئباً، قوياً، شرساً، مُقاتِلاً، شامخاً، مُزمجراً، ولكن كل هذا لأداري ضَعفاً لا يزول، لأول مرة تصنعتُ القوة في عز ضعفٍ مُرعب، في الحقيقة كنتُ طفلاً تم إستدعاءْ ولي أمره لإدارة المدرسة، واهناً، مستسلماً، لا أقوى على التبرير، كنت فقط أفكر (بما سيفعله ولي أمري بعد قليل فقط).
‏"سيكون سهلاً لو استطعت أن أشرح، و لكني لا أستطيع.. لا يمكنني وضعه في نصٍ أو إقتباس، إنّه مُجرَّد شعور."
كانت إجابتي الوحيدة:‏"ولكنني حين أعود إلى فراشي في نهاية كل يوم، لا أذكر سواك.. أنا الذي جاهدت طوال اليوم أن أتجاهلك."
حينما نظر إلى صاحبنا، كان يقرأني جيداً، ويتصنع الغباء كما أفعل انا تماماً قرأ في عيني التي كنت أشيحهما عنه كي لا يقرأني أكثر ‏(لقد حَاولت..وهذا كل مايُمكنني قوله حاولت حتى عندما كانت مُحاولاتي تؤذيني.)
قلتُ لها مُستدركاً : "عزيزتي إنكِ إن غبتِ لن تسقطَ السماوات أو تنفطر الأرض، ولن تتوقف الحياة أو تغيب الشمس وينطفئ القمر، ولكن وحدي أنا من يحدث له كل ذلك"
بَلغتْ الساعةُ حينها بتوقيتِ قلبيَ المقدسيِّ منتصفَ الليلِ إلّا هي...
ولكنني هَمَمتُ بالهروب، الهروب ذاته الذي أستطيعه.
في غَدٍ يَنامُ في حُضنِ الماضي
وفي مَكانٍ لا أبعادَ فيهِ
أنامُ أنا
وأحتضنُ جَسديَ النَحيلْ ونعم أبكي.

نيسان ـ نشر في 2020-03-23 الساعة 20:09


رأي: رأفت القبيلات كاتب أردني

الكلمات الأكثر بحثاً