اتصل بنا
 

رُجم_الدحنون ..لماذا نقتل الأطباء.. ولماذا نقتل العسكر باستهتارنا؟!

نيسان ـ نشر في 2020-03-24

نيسان ـ مدت يدها و فتحت جيب بدلته "الفوتيك" العسكرية، و ووضعت فيها عشرين دينار.. اعترض محاولا!.. ولكنها قفلت تلك الجيب.. وخشيت أن تحضنه؟! وكتفت بالنظر إلى وجهه.. برغم أن عيناه كادتا أن تدمعان.. ولكنه تعالى عليهما و عدل "البوريه" وقال لها:
كيف بالله.. هيبه صح؟! وانطلق بعدها في ذلك الصباح الربيعي البارد في عام 2020 إلى باص الجيش!
آخر، أدار محرك سيارة "المتسوبيشي"، ويده تلوّح من شباكها لطفله و لزوجته الواقفان مودعان له.. قطع ذلك الوداع صوت رسالة على جوالة.. "تم إيداع مبلغ 650 دينار راتب شهر آذار، رصيدك الحالي 420 دينار"!
نزل من "المتسوبيشي" و هرول إلى طفله و حضنه ورفعه عاليا بالهواء.. و وعده أن يعود له وهو يحمل لعبة سيارة شرطة.. كما كان يتمنى الصغير.. ضحكت زوجته وقالت: إذاً الراتب نزل؟!.. أو ما تبقى منه بعد قسط السيارة!
وصل إلى باب المستشفى.. عشرات أم مئات أم اكثر.. يحتلون مواقف المستشفى.. وآخرون على باب الطوارئ.. منهم الواقف، ومنهم الذي افترش الأرض .. وآخرون بين الحياة والموت.. وصوت سعالهم ولهيث انفاسهم بكل مكان.. كبار في السن و منهم الأطفال .. ومنهم من هم بسن الورود.. كلهم يسعلون ويلهثون لا بل جلهم يختنقون!
توقف باص الجيش، وهم ذلك العسكري بالوقوف، وبرغم برودة الجو الذي اندفع من باب الباص، إلا أنه كلما تذكر وعده لزوجته بأن يجلب لها "علبه مناكير" بتلك العشرين دينار، هدية في يوم عيد الأم، برغم أنهما لما يرزقا بأطفال.. كان يبعث الدفء فيه.
وما أن نظر من باب الباص.. وشاهد اشباه الموتى .. ولهاثهم أمام المستشفى، حتى تسلل برد الشتاء إلى جسده!
هرع الطبيب.. محتارا خائفا عابسا.. والسعال يلفه و يقتل مسامعه.. من أنقذ ومن أولى أن يعيش.. ذلك المسن؟ أم تلك السيدة .. أم ذلك الطفل ..من.. من ؟!
وقف ذلك الجندي إلى جانب باب المستشفى، وحاول أن يكون جندي و أن يراقب السيارات العابرة .. و يحاول أن لا يسمع صوت ذلك الألم الذي يختلط بالسعال.. فالجندي خلق ليحمي البلاد... ولكن السعال كان أقوى من واجبه ومن معنى الجندية!
ركض الطبيب من بين كل هؤلاء المرضى ليستعد لإنقاذهم .. ولكن.. الثواني لها قيمة ! ولكن هناك أم تحضن طفلها .. وسعالها أعلى من سعال ابنها.. ولكنه لا يتحرك! .. حمل الطبيب الطفل.. وهم الجندي وساند الأم.. الغرف مليئة .. الممرات مليئة.. لا احد من الأطباء ولا الممرضين .. لا احد يضيع ثانية .. الكل يمسك مريضا أو جهاز تنفس.. أو يصعق بضربات كهربائية من اقترب من وداع الحياة لعله يبقى زمنا قليلا!
القى الطبيب و الجندي والأم وابنها على سريرين فتشاركوهما مع آخرون يسعلون .. و تشاركوا أيضا الادوية وأجهزة التنفس ة!
لم يعد الجندي .. ولم يعد الطبيب في الأسبوع الأول .. ولا في الأسبوع الثاني .. ولما يعودا بعدها!
تقدمت زوجة الجندي من رُجم الدحنون في ذكرى استشهاد الجندي الأولى، و كتبت بعلبة مناكيرها التي كان سوف يهديها أيها في 2020 .. كتبت على حجر تبلل بماء ربيع 2021 ، "أحبك "
فتح الطفل الحقيبة ، و اخرج منها لعبة سيارة شرطة و اهداها لابن الطبيب أمام ذلك "الرُجم" .. وقالت أم ذلك الطفل .. مات ذلك الطبيب وظل يقاوم 14 عشر يوما أو يزيد لينقذ مئات الناس و يموت هو .. واليوم نحقق جزء من حلمه .. فهو انقذنا .. و جئنا لابنه بسيارة شرطة التي وعد ابنه فيها قبل أن يموت.
اهتزت وردات الدحنون .. و ابتعدت الغيوم لتترك للشمس نورها أن يستطير على ذلك "الرُجم" .. الذي القي عليه رماد أجساد الجندي .. والطبيب بعد حرقهما .. فحرق الأجساد ليس عند الهندوس أحيانا.. ولكنه حياة لآخرين في عصر الكورونا!
أوقفوا الاستهتار .. فقد يقتل استهتاركم طبيب .. أو جندي.. أو يقتل أبي .. او حبيبتي.. و قد .. وقد
للطبيب.. وللجندي.. وكل من ينقذ روح تحية
#الانسان_المهدور

نيسان ـ نشر في 2020-03-24


رأي: محمد ملكاوي

الكلمات الأكثر بحثاً