اتصل بنا
 

التعليم العالي عن بعد في الميزان

أكاديمي وخبير قانوني أردني

نيسان ـ نشر في 2020-04-08 الساعة 17:49

نيسان ـ لم تكن فكرة التعليم عن بعد عموما بالفكرة الموغلة في القدم، إذ انها لا تعدو ان تكون مظهرا من مظاهر الادارة الالكترونية وتقديم الخدمات عن بعد، والتي بدأت ارهاصاتها مع نهاية القرن الماضي وشيوع استخدام شبكة الانترنت في مختلف المجالات، اي انها لا تتجاوز الخمسة وعشرين عاما على ابعد تقدير، وبالضرورة تكون الفكرة احدث من ذلك لدينا في المملكة الاردنية الهاشمية لتأخرنا قليلا عن دول سبقتنا في هذا المجال.
ومع ذلك بدأت فكرة التعليم عن بعد خجولة باعتبارها مجرد رديف وليس بديلا للتعليم التقليدي، وفي الجامعات الاردنية والتعليم العالي عموما لم تكن فكرة التعليم عن بعد اكثر من فكرة مستحدثة تطبق في نطاق محدود ووفق ضوابط صارمة تضمن جودة المنتج التعليمي، لذلك كانت معايير هيئات التعليم العالي بمختلف مسمياتها تحرص ان يكون التعليم عن بعد يغطي بحدود 25% من المساقات التي يتم تدريسها في الجامعة.
لذلك قامت مختلف الجامعات الرسمية منها والخاصة بتهيئة البنية التحتية لذلك في حدود هذه النسبة، والتجريب على مساقات تتناسب طبيعتها مع التعليم عن بعد، او حتى تدريس نسبة من المساق الواحد عن بعد، جنبا الى جنب مع التدريس التقليدي، وكانت كل المؤشرات تشير الى نجاح هذه التجربة في حدودها، بما يبشر بالبناء عليها مستقبلا، ولكن مع الاخذ بعين الاعتبار ان التوجه نحو التعليم عن بعد بشكل كامل لم يكن واردا بالحسبان لأسباب عديدة، اهمها ان التدريس يجب ان يكون في جزء كبير منها تفاعليا وحيا وضمن نطاق البيئة الجامعية ومرافقها التقليدية، ناهيك عن عدم الرغبة بالتحول للتعليم عن بعد على حساب تسريح الكوادر البشرية التقليدية ممثلة بأعضاء هيئة التدريس في الجامعات.
بل يجب المحافظة على هذه الكوادر تحت كل الظروف للقيام بمهمتين رئيسيتين لا غنى عنهما وهما : التدريس والبحث العلمي، والامر لا يخص الاردن على وجه الخصوص وانما هذه هي ظروف التعليم العالي عن بعد في معظم دول العالم، فالجامعات لا زالت موجودة بصورتها التقليدية، وحضور الطلبة للمحاضرات ماديا متطلب رئيس للتخرج، مع مراعاة النسبة المعتمدة للتعليم الالكتروني ضمن مساقات كل تخصص من التخصصات. ولم يخطر ببال اكثر الاشخاص تشاؤما او تفاؤلا ان نتحول بين عشية وضحاها للتعليم العالي عن بعد وبما نسبته 100% ودون تمييز بين دراسات اولية او دراسات عليا، ولكن ما لم يكن بالحسبان قد حصل، ووجدت الجامعات نفسها امام تحد كبير، وهو ان تتحول كلية من التعليم التقليدي الى التعليم عن بعد، مع بنى تحتية مصممة لتعليم عن بعد لا يتجاوز 25% من المساقات التي يتم تدريسها في الجامعة، ولكن للضرورة احكامها.
استنهضت الجامعات الهمم وبدأت بالتدريس عن بعد تحت كل الظروف وبصرف النظر عن شح الامكانيات، وهي تعلم ان الكثير من المعيقات ستقف في طريقها ولكن ما هو البديل؟ هل تتوقف الجامعات عن التدريس وتدخل في اجازة مفتوحة لا يعلم مدتها الا الله ؟ ام انها ستحاول انقاذ ما يمكن انقاذه من الفصل الدراسي والمضي قدما في رسالتها، والتغلب على هذه الصعوبات والمعيقات قدر الامكان، فبدأت الجامعات بتفعيل منصاتها التعليمية الالكترونية، وكلنا يعلم ان الظرف الطارئ لم يترك للجامعات كثيرا من الوقت لوضع خطط وبرامج لمواجهة انتشار هذا الوباء والتغلب على معيقات التعليم عن بعد بشكل كلي.
فرغم ان اعضاء هيئات التدريس في مختلف الجامعات كانوا قد التحقوا مسبقا بدورات تدريبية لممارسة التعليم عن بعد، وكذلك الحال كثير من الطلبة التحقوا بمساقات في التعامل مع الحاسوب ، واطّلعوا على برامج التعليم الالكتروني، وذلك كله بدعم من مراكز التعليم الالكتروني في مختلف الجامعات.
وبدأت الجامعات مرحلة جديدة من التعليم عن بعد تحت ضغط الكثير من الظروف غير المواتية، ولكن هذا اخف الضررين او اهون الشرين كما يقال، واذا كان هناك من سلبيات للتعليم الالكتروني ربما كشفتها التجربة الوليدة فهي ليست مدعاة لصرف النظر عن الفكرة بقدر ما هي حافز للتغلب على هذه الصعوبات والمضي قدما في التعليم عن بعد، فعلى سبيل المثال لا تتحمل الجامعات غياب وضعف وبطء شبكة الانترنت مثلا وهي ناتجة عن اسباب عديدة ليس للجامعة سيطرة عليها، وانما على هيئة تنظيم قطاع الاتصالات والشركات المزودة للخدمة ان تبادر لإيجاد الحلول لذلك.
واما عن ما يذكره بعض معارضي فكرة التعليم عن بعد من ممارسات سلبية، فنقول لهم ان هذه الممارسات ليست وليدة التعليم الالكتروني بل ربما يكون هو من كشفها، فكانت ولا زالت وستبقى موجودة مالم نشخصها ونبحث عن حلول لها بعيدا عن سياسة ترحيل المشكلات والتنصل من المسؤولية والقاء التهم جزافا، فكون عضو هيئة التدريس لا يتقيّد بوقت المحاضرة او يكتفي بتصوير جزء من الكتاب ويطلب من الطلبة قراءته من خلال الموقع الالكتروني للجامعة، فهذه الممارسات هي ذاتها في التعليم التقليدي ايضا.
فعضو هيئة التدريس الذي يلقي المحاضرة قراءة من كتاب، هو ذاته من سيصور ذات الكتاب للطلبة في التعليم عن بعد، وعضو هيئة التدريس الذي لا يسمح للطلبة بالتفاعل هو ذاته الذي يقمع الطلبة في المحاضرة التقليدية ويمنع الاسئلة، فالأصل ان لا ننسب للتعليم الالكتروني نقاط ضعف التعليم التقليدي، وكأننا لم نسمع بها من قبل. ولا ننكر بالمقابل ان الغالبية العظمى من اعضاء هيئة التدريس بمختلف الجامعات يبذلون جهدا اضافيا ليوصلوا المعلومة والفكرة كاملة غير منقوصة للطلبة، فالمحاضرة الواحدة عن بعد تعادل جهد ثلاث محاضرات تقليدية وبالنسبة لنسب حضور الطلبة في المحاضرات ومن واقع الخبرة الشخصية فهي تفوق نسب حضورهم في المحاضرات التقليدية في كثير من الاحيان.
وبقي ان نقول ان ما تم رصده من سلبيات للتعليم عن بعد ما هي الا استثناءات وممارسات فردية، قد يكون عضو هيئة التدريس والطلبة شركاء فيها، وهي لا تغفل الجانب المشرق الذي اظهره التعليم عن بعد، كحل استثنائي في ظرف استثنائي، وبالنسبة للامتحانات ورصد الدرجات والنتائج هي امور لا تزال بقبضة مجلس التعليم العالي صاحب الاختصاص بالتنسيق مع الجامعات للخروج بأمثل الحلول وبما يحافظ على سوية التعليم العالي بمختلف مستوياته ويحفظ حقوق الطالب .

نيسان ـ نشر في 2020-04-08 الساعة 17:49


رأي: ا.د. حمدي قبيلات أكاديمي وخبير قانوني أردني

الكلمات الأكثر بحثاً