اتصل بنا
 

رسالة الى الشهداء : القصاص لكم فى رقابنا

نيسان ـ نشر في 2015-08-02 الساعة 16:33

نيسان ـ

ليست هذه المرة الأولى ولن تكون الأخيرة التى نخاطب فيها الشهداء ، ومن الضرورى أن نقدم بعد كل فترة ما يجدد العهد بأبطال ضحوا من أجل هذا الوطن وثورته ،على رأس هؤلاء يقع الشهداء ، ونعيش اليوم سباق الشهداء، حاملي راية الأمة إلى ذرى العزة، نرى بأعيننا ونسمع بآذاننا ونعي بقلوبنا وعقولنا، كيف يتنافس البنات والشباب، والنساء والرجال، بل الشيوخ والأطفال لنيل الشرف الأشرف، والوسام الأرفع، وارتقاء المقعد الأعلى (مقعد صدق عند مليك مقتدر).


هؤلاء الذين يطهرون بالدماء ما دنسه الخائنون عبر تاريخنا، ويحررون بأرواحهم ما ضيعه المنهزمون من أرضنا وعرضنا، ويعبرون ببطولاتهم إلى مستقبلنا ومصيرنا الحر الكريم اللائق بالأمة ، شهداء الثورات على الاستبداد والاستعباد وتضييع البلاد والعباد، شهداء ربيع الورد والزهرات التي تفتحت في حدائقنا.. الذين اغتالتهم يد الغدر والخيانة، ينضمون اليوم ومنذ فاح الياسمين بأرجاء تونس، وتخضبت بالدم الزكي أرض ميدان التحرير، وتواكبت في ليبيا وسوريا واليمن وغيرها.. ينضمون إلى موكب شهداء المقاومة.

وهاهى صورة شهداء التحرير ومن دهستهم عربات العسكر في ماسبيرو ومن صفت أعينهم ورءوسهم رصاصات الشرطة في محمد محمود ومجلس الوزراء وبورسعيد، تتقدم مسيرة شهداء ارتقوا كالحمام الطائر بين السماء والأرض، حين سقطت أجسادهم النحيلة ممزقة ومحرقة ومخنقة عند الحرس الجمهوري، وأمام المنصة، وفي ربوع مصر، حتى مجزرة رابعة الكبرى، وأخواتها وتوابعها من مجازر العسكر ومستبيحي أرواح البشر بلا أدنى مبالاة ولا وخزة ضمير حي. هذه المسيرة وتلك الصور تتصل اليوم بعروة وثقى وميثاق غليظ مع شهداء غزة.. يتسابقون صعودا إلى السماء: أيهم أسرع إليها وصولا، وأحرص عليها إقبالا وأمضى قبولا.


من الدروس المهمة التي نقرأها بعد مرور هذه السنوات على ثورة 25 يناير والتي تتالت فيها مراحل انتقالية فشلت كلها أو أفشلت مع سبق الإصرار والترصد، وطيلة هذه الأيام وتجدد الأحداث كنا نرى أن الاستهانة بالدماء صارت من المسائل الأساسية التي يستبيح فيها صاحب القوة والسلطة دماء الناس من غير حساب ومن غير عقاب، وبدت هذه الأمور خطابا ثابتا يتحدث لبعض هؤلاء الذين يضطلعون بالمهام الأمنية أن يحرضوا بالضرب في المليان وفي القلب وفي الرأس مع وعد من السلطة لن يطولهم أي عقاب أو أي حساب، الأمر في ذهن السلطة هو القيام بعمليات تطويع وتركيع وتفزيع لصناعة عقلية القطيع حيث يسلس قياده، وتضمن طاعته، وفي طيلة هذه الأحداث وقع شهداء واستبيحت نفوس وازهقت أرواح بغير عدد وبغير إحصاء دقيق فكأن من مات أو قتل أو استشهد لا يستحق حتى أن يحصى عددا فضلا أن يتخذ له قصاصا.

بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير وقد سقط شهداء لم يعرف أنه اقتص ممن قام بهذا الفعل رغم التأكد منه ومن هويته، بدت الأمور وكأنها تهويم في قضية القصاص حينما يحاول هؤلاء ومن كل طريق الحديث عن الشيوع وعدم معرفة الجاني على وجه الخصوص والتعيين، كان ذلك مدخلا لمهرجان البراءات للجميع طالما تعلق الأمر بأجهزة أمنية وظللنا طيلة هذه السنوات نشهد هذا المسلسل نكاية في الثورة ونكاية فيمن سقط شهيدا فيها ومن أجلها، وبدت هذه القضية يوما بعد يوم تتوارى عند أهل السلطة والسلطان يحاولون طمسها بكل فعل يؤدي إلى التعتيم والتعويم لهذه القضية وصار النداء بالقصاص لكل هؤلاء أمرا يتصدر الشعارات ولكنه يختفي في مساحات الأرض بل ويحدث العكس في إطار مهرجان البراءة.

كنا نظن أن ذلك ليست إلا عمل يتعلق بالملفات والاوراق وأن النيابات لم تقم بتقديم قضايا حقيقية حتى يتسنى المحاسبة والقصاص والعقاب ولكن مع مرور الأيام وتواتر الأحداث واختفاء المطالبات بدا الأمر في مسار أخر وكأنها سياة ثابتة من أهل السلطة تعطي لذاتها كسلطة قمعية أن تقتل وتقنص وتطارد من غير حساب أو مسئولية أو مساءلة وعقاب، وبدا الأمر في كل الأحوال وكأننا ننتظر فقط مزيدا من الشهداء ومزيدا من استباحة الدماء، صارت كل هذه الأمور طقسا متواترا؛ الاحتجاجات ينتج عنها شهداء ولا يحاسب هؤلاء، ولكن يحاسب من احتج أو تجرأ على أن يقول لا، أو أن يكشف طبيعة هذا النظام القمعية والاستبدادية، ومن هنا شهدنا ليس فقط هذا الوقوع شبه اليومي لشهداء أو قتلى ولكن الأمر شهد مجازر حقيقية تعددت؛ نستطيع أن نقول باطمئنان وفي ظل احصاءات محايدة أن هؤلاء يحصون بالآلاف كعلامة ومؤشر أن أصحاب السلطة لا يقيمون وزنا للإنسان نولا لأي كيان، ويستهينون بالأرواح ويستبيحون كل نفس ولا يقيمون وزنا لهذا الميثاق الغليظ المتعلق بالنفس والمتمثل في القصاص (من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا).

في ظل هذه الحالة السائدة والسياسات الممتدة صار ذلك ديدنا لأصحاب السلطة وتعدت تلك الاستهانة بالنفوس واستباحة الأرواح مسائل تتعلق بالتظاهر والاحتجاج إلى النظر للإنسان وكأنه لا وزن له ولا قيمة لحياته، وبدت الأمور تتحول أن الإنسان تحول إلى مجرد رقم وربما ضنوا عليه كذلك بأن يحصى كعدد أو رقم، ومن ثم وجدنا أشكالا كثيرة للاستهانة بالنفوس، واستباحة حرمة الدماء وكأن ذلك أصبح سلوكا يوميا تقوم به السلطة وهي تضمن أن تزيد فاتورة الدماء ولا يمكن بأي حال محاسبة من قتل أو أساء، باتت المسألة قيام السلطة بتزوير الحقيقة فكانت الاتهامات للأحياء والشهداء وساومت أهليهم عند دفن الأجساد ليموهوا على سبب الوفاة والحديث على الانتحار حتى لو تعددت الرصاصات في ظهره أو في قلبه أو رأسه.ويطور الوضع الآن الى التعمد فى إسقاط الشهداء ظلما وعدوانا بل وخارج إطار القانون بالاختطاف القسرى والتصفية الجسدية والقتل تحت التعذيب فى السجون ،وإهمال المرضى منهم عمدا حتى يفارق الحياة ،وهاهم اليوم يلوحون بل أعدموا دون استيفاء أشكال التقاضى المتاحة فاستعجلوا إعدامهم بدم بارد وهاهو المنقلب الأكبر يلوح بأن تأخير الإعدامات أمر لم يعد مقبولا وأنه سيغير القوانين حتى تكون الإعدامات ناجزة..وهاهو صوت يأتى لا نعرف من أين صدر "عاوزين إعدامات ياريس" ،وكأن إزهاق النفوس صار مطلبا أو هكذا يلوحون ،أمر خطير على سكة الاستهانة بالنفوس والاستخفاف بالأرواح.

لا نتزيد إذا قلنا أن هذا صار مسارا مستمرا ومتراكما حتى أنه يعكس في حقيقة أمره أن تلك سياسة قائمة دائمة لا يعتذر عنها ولا يتحدث بشأنها ولا يطالب أحدا بالقصاص لها، والسلطة تموه على الحقيقة وبعض القضاء يسهم في ذلك ليمرر الأمور من غير حساب أو عقاب، وصارت كل الجهات والمؤسسات التي من أهدافها وأدوارها، من وظائفها ومهامتها أن تقوم بحماية النفس البشرية والتأكيد على حرمتها تتوارى في العمل بل وتختفي في التأثير والأثر؛ فها هي منظمات حقوق الإنسان وعلى رأسها المجلس المدعى بأنه قومي لحقوق الإنسان لا يقوم بأي دور يذكر سوى بأعمال تشكل غطاء لإزهاق الأرواح والإعفاء من المسئولية عن الدماء والشهداء في استهانة عجيبة وغريبة وكذا معظم جمعيات حقوق الإنسان التي بدت في ثوب الساكت عن الحق، وأي حق أعظم من حق الحياة وحرمة النفوس، فلعبت دور الشيطان الأخرس لا تقوم بوظائفها متهربة منها أو متحاشية لها، أما استهانة المؤسسات الأخرى من مثل المؤسسات الأمنية التي انقلبت أدوارها إلى الترويع والتفزيع والقتل والقنص فإنها تقوم بضد مقصودها في حماية الناس وتأمين حياتهم، وكذا مؤسسة العدالة بدت تتخذ من أحكام الإعدام ما تستهين به من نفوس وما تتهاون فيه من حرمة الحياة، فأعدمت بالشبهة هنا وحكمت بالبراءات هناك، وبدا الأمر خارج عن حد العدل إلى كل معاني الظلم والجور.

إن تأكيد أن تلك صارت سياسة ثابتة منذ مشهد الأحداث التي توارت بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير من أحداث تصاعدت إبان جمعة الغضب ومواصلة انتهاك حرمة الحياة لكل مواطن أو إنسان على أرض هذا الوطن مرورا بأحداث عدة في البالون وماسبيرو ومحمد محمود ومجلس الوزراء وبورسعيد والعباسية، والاتحادية وقصر النيل واستمرت هذه السياسات في كل مرحلة تتراكم من غير قصاص ولا يبدو في الأفق أي عمل حقيقي لإعمال المساءلة عن دماء الشهداء، وبعد الانقلاب الذي ورث هذه السياسات القمعية والاستبدادية إلا أنه زادها دماء وجعلها استراتيجية للترويع والتركيع حتى أنه في عام واحد قتل الآلاف واعتقل ما يزيد عن الأربعين ألفا، وبدت كل المؤشرات في الاستهانة بحياة الإنسان وكرامته، واستباحت دمائه من كل طريق ومن أٌقرب طريق، فها هي مجزرة الحرس الجمهوري، والمنصة، وفض اعتصامي رابعة والنهضة، وأحداث مسجد الفتح برمسيس، وذكرى 6 اكتوبر، واحتفالات ثورة يناير والتي شهدت قتل ورقص في آن واحد فذاك يقتل وذاك يرقص ويحتفل، وأحداث أخرى صارت من كثرتها وتراكمها تستعصي على العد والإحصاء وفي كل جمعة يقع الشهداء وتسيل الدماء.

ويتناسى هؤلاء أخطر ما في الموضوع أيا كان هؤلاء من عسكر أو من قوى سياسية تداعب خيالاتها أن المصالحة يمكن أن تحدث ويتناسى هؤلاء أو يغفلون "لعنة الدم" التي تشكل حاجزا كبيرا وعظيما لا يمكن تجاوزه إلا بوضع استراتيجيات حقيقية لتأمين عملية القصاص في ظل استراتيجية متكاملة للعدالة الانتقالية قادرة على أن تجعل من عملية القصاص أي أهم شروط تحقيق أصول مصالحة استراتيجية كاملة قادرة على تخطي هذا الوضع الذي اصطنعه الانقلاب .الكارثة تمثلت في الإهدار المتعمد لحقوق الشهداء والمصابين في ثورة يناير، حينما بُرأ المخلوع وأذنابه، من جريمتهم الواقعة في حق أبنائنا.


أن الشهداء لم يصبهم ما أصابهم في معركة بين عائلتين حتى يمكن أن نحيل حق دمائهم إلى أولي الدم، ولكنهم ارتقوا وأصيبوا في ميادين الثورة، وهم يحملون رسالتها الكبرى في تحقيق العيش والحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية، ولذلك فإن مصير هؤلاء الشهداء لا يتعلق بنا، نحن أهلهم، إنما هو معقود ومنوط بثورة يناير وأهلها.القصاص لهم فى رقابنا.إن هؤلاء الذين يستهينون بدماء الشهداء، ويبرئون، ظلما وزورا، من أزهقها، ويجعلونها محل مساومات في صورة تعويضات، إنما يغلقون باب القصاص الذي فتحه الله سبحانه ليكون حياة للجميع (ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب).

فى مضمار الشهداء والقصاص لهم يوجب على كل القوى الثورية الاصطفاف والمطالبة بحقوق الشهداء والمصابين في القصاص العادل، دون مساومة أو تفريط، والقيام بكل الفاعليات التي من شأنها الحصول على هذه الحقوق، لأن تحصيل هذه الحقوق هو البداية الحقيقية لانتصار الثورة وأن ضياع هذه الحقوق هو بمثابة التفريط في هذه الثورة وأهدافها ومكتسباتها.أن قضية القصاص إنما تخص الجماعة الوطنية والأمة بكافة مكوناتها وكياناتها، هي قضية وطن وقضية ثورة وليست قضية أهالي الشهداء أو المصابين ، وأن القصاص لثوار يناير هو بداية طريق للقصاص لكل من استشهد بعد هذه الثورة.


هؤلاء الشهداء والمصابين قد ارتقوا وأصيبوا في ميادين الثورة وحملوا مع غيرهم من الشباب أمل الثورة ورسالتها الكبرى في تحقيق العيش الكريم لهذا الشعب والحرية الأساسية لكافة مواطنيه والكرامة لكل إنسان والعدالة الاجتماعية للجميع، ومن ثم فإن مصير هؤلاء الشهداء لا يتعلق بأهل لهم أو باعتبارهم أولياء دم ولكن مصير هؤلاء الشهداء معقود ومنوط بثورة يناير وأهلها بما يشكلونه من طاقة ثورية جامعة لكافة الحركات والكيانات والتكوينات التى من حقها أن تدافع عن هذه الدماء والقصاص لها.

إن هؤلاء الذين يستهينون بهذه الدماء التى سالت تارة بتبرئة المسئولين والمستخفين بالنفوس وإخلاء ساحاتهم وجعل هذه الأمور محل مساومات في صورة تعويضات أو ما شابه لهو استمرار لمسيرة التفريط في دماء الشهداء وإغلاق باب القصاص الذي فتحه الله سبحانه وتعالى ليكون حياة للجميع وردعا للقاتلين أو المستهينين بالأرواح والمستخفين بالنفوس، الدم ليس له ثمن إلا القصاص، والتعويضات كمساومات غير مقبولة فضلا عن أنها مساومات فاشلة .


هكذا وصلنا إلى أن الأمر تحول من سياسة إلى استراتيجية لهذا الانقلاب اللعين حينما يجعل من الاستهانة بالحياة ديدنا وطريقا وأسلوبا، الإنسان بنيان الله معلون من هدمه أو أسهم في نقضه أو إزهاق روحه، ألا شاهت الوجوه، ألا طمست الإنسانية في حسابات هؤلاء ومن ثم نقول لهم أخجلوا إن كان لديكم بقية من حمرة الخجل، هؤلاء الذين استهانوا بالدم لا يمكن وصفهم إلا أنهم ليسوا عندهم دم. وملخص رسالتنا للشهداء دماؤكم غالية ، والقصاص لكم فى رقابنا ،وما استشهدتم من أجله هو جل همنا وعملنا.

مصر العربية

نيسان ـ نشر في 2015-08-02 الساعة 16:33

الكلمات الأكثر بحثاً