تلك الحرب المؤجله
فهمي هويدي
كاتب عربي
نيسان ـ نشر في 2015-08-02 الساعة 16:34
خلال أسبوع واحد ــ من ٢١ إلى ٢٨ يوليو الماضي ــ وقعت في مصر الحوادث التالية:
< يوم ٢١ يوليو نشرت جريدة التحرير على صفحتها الأولى خبرا تحت العنوان التالي:
الإهمال يقتل ٦ أطفال في حضانات مستشفى الدمرداش التابع لجامعة عين شمس.
وفي السطر الأول للخبر ذكرت الجريدة أن «الإهمال الطبي وصل إلى مداه في مستشفيات مصر».
ومن التفاصيل علمنا أن الأطفال حديثي الولادة وضعوا في غرفة الملاحظة، لأنه لم يكن لهم مكان في غرفة الحضانات، ولأن غرفة الملاحظة لم تكن مجهزة للاستقبال،
وبسبب إهمال الأطباء لهم فإنهم ماتوا واحدا تلو الآخر،
ورجحت الصحيفة أن توجه إلى أطباء المستشفى تهمة القتل الخطأ جراء ذلك.
< يوم ٢٣ يوليو نشرت جميع الصحف المصرية أخبار كارثة مركب الوراق التي حملت نحو ٦٠ شخصا خرجوا للتنزه في النيل عندما حل المساء،
ولكن «صندلا» فاجأ المركب واصطدم بها، فقسمها نصفين وأغرق ركابها، الذين قتل منهم ٤٠ شخصا.
وتبين من التحقيقات أن المركب لم تكن مرخصة، وأن قائدها كان «سباكا»، وأن حمولتها الطبيعية ١٥ شخصا.
كما تبين أن الصندل كان يتحرك دون إنارة، ولم يكن مسموحا له بالسير ليلا،
وحين وقعت الواقعة وذاع الخبر فإن شرطة الإنقاذ وصلت إلى مكان الحادث بعد نصف ساعة من غرق المركب،
واستخدمت كشافات ضعيفة في الإنقاذ تحت جنح الظلام، الأمر الذي أدى إلى الإبطاء في عملية الإنقاذ، ومن ثم أسهم في زيادة أعداد الضحايا.
ودلت كل الشواهد على أن الملاحة النيلية بلا رقابة، وأن أجهزة الإنقاذ محدودة الكفاءة والفاعلية.
< يوم ٢٦ يوليو انفجرت قصة فساد محلول الجفاف في محافظة بني سويف، إثر وفاة أربعة أطفال وإصابة ٢٧ آخرين، عولجوا به ولكن العلاج جاء قاتلا، حيث أصيب الأطفال بتشنجات ونزلات معوية ومضاعفات أخرى.
ونقلت جريدة الوطن في ٢٩/٧ عن المديرة السابقة لإدارة الصيدليات بمديرية الصحة في بني سويف أنها رفضت صرف المحلول بعدما علمت بوقوع حالات تشنج وارتفاع في درجات الحرارة لدى الأطفال الذين تناولوه،
لكنها فوجئت بأن إدارة المستشفيات بالمحافظة عادت لتطلب نفس المحلول مرة أخرى، رغم علمهم بما سببه من أضرار للأطفال.
وفي حين ترددت أنباء عن إغلاق المصنع المنتج للمحلول، إلا أن صحيفة التحرير نشرت في ٢٩/٧ أن المصنع لم يغلق، وجميع فروعه منتظمة في عملها، ونقلت عن مدير المصنع قوله إن وزارة الصحة تحاول التستر على إهمال مستشفياتها.
< يوم ٢٧/٧ شب حريق هائل في مصنع للأثاث بمحافظة القليوبية أسفر عن قتل ٣٠ شخصا،
وذكرت صحيفة «الشروق» في ٢٩/٧ أن المصنع يعمل دون ترخيص منذ ٤ سنوات،
وأضافت صحيفة «الوطن» أن الشروط الخاصة بشروط الأمن الصناعي لم تتوافر فيه، حيث لا توجد منافذ للخروج منه في حالة الطوارئ.
كما أن الجهات الأمنية أوصت أكثر من مرة بإغلاقه.
وفي اليوم التالي (٣٠/٧) ذكرت الصحيفة أن عربات الإطفاء وصلت إلى مكان الحادث بعد ساعة ونصف الساعة من وقوع الحريق،
كما أن مياه الإطفاء نفدت بعد ٢٠ دقيقة من استخدامها، إضافة إلى أن قوات الدفاع المدني رفضت دخول المبنى لإنقاذ العمال، لذلك تمت الاستعانة «بونش» لهذا الغرض.
< يوم ٢٨/٧ نشرت جريدة «الشروق» العنوان التالي على صفحتها الأولى:
يوم أسود على طرق المحروسة،
وتحت العنوان تفصيلات لحوادث الطرق التي وقعت في اليوم السابق وأدت إلى مصرع وإصابة ٧٤ شخصا.
وتمثلت تلك الحوادث في انقلاب 3 حافلات (أتوبيسات) في أسيوط وسيناء وبني سويف، وميكروباص في السويس، إضافة إلى إصابة ٤ من أسرة واحدة في اشتعال سيارة بالبحيرة.
< يوم ٢٩/٧ نشرت جريدة «التحرير» على صفحة كاملة تقريرا عن تعدد أجهزة الرقابة في مصر كان عنوانه: ٣٦ جهازا رقابيا والفساد للركب.
وكان العنوان معبرا ما فيه الكفاية، بحيث لم يكن بحاجة إلى شرح أو تفصيل.
ماذا يعني كل ذلك؟
لا مفر من الاعتراف ابتداء بأن هذه الحصيلة التي تجمعت في أسبوع واحد تكشف عن أن الإهمال والتسيب استشريا في مصر،
وبلغا درجة مروعة ومخيفة، بحيث أصبحا يهددان حياة شريحة واسعة ومتزايدة من المواطنين.
وينبغي أن نقر أيضا بأن هذه النتيجة البائسة تمثل حصاد سنوات وأنظمة عدة توالت على مصر. أعني أنها ليست وليدة النظام الحالي.
ولكنها بعض حصاد ما تم زرعه خلال العقود الأربعة الأخيرة على الأقل.
إن شئت فقل إنها من أعراض مرض تمكن من الجسم المصري وظل بلا علاج طوال السنوات التي خلت. ثم إننا لسنا نبالغ إذا قلنا إن مظاهر التسيب والإهمال هذه لم تواجه بما تستحقه من حزم حتى الآن.
صحيح أن ثمة تصريحات رسمية كثيرة دعت إلى ذلك، لكن تلك التصريحات لم تترجم على أرض الواقع بنفس القدر من القوة الذي صدرت به.
من ناحية أخرى، فيتعين الاعتراف بأن انشغال مؤسسات الدولة وأجهزتها بمشكلة الإرهاب أدى إلى تراجع الاهتمام بمشكلات أخرى حيوية تعاني منها قطاعات واسعة من الجماهير.
إن أجراس التنبيه والإنذار تدق طول الوقت داعية إلى ضرورة الاحتشاد والاستنفار لمواجهة وباء التسيب والإهمال.
ولا أعرف كم من الناس ينبغي أن يموتوا لكي يؤخذ الأمر على محمل الجد، بحيث تعلن الحرب على تلك الجبهة المسكوت عنها.
لكن ما أعرفه أننا لا ينبغي أن نحتمل أو نصبر أكثر من ذلك، بعدما زاد الأمر عن حده، وينبغي ألا ننتظر حتى يطرق الفساد باب كل بيت ليضرب كل أسرة.
الشرق القطرية