اتصل بنا
 

العشرينية تأكلُ شفتيها وأنا أحترق... ماذا حَلَ بِعمان؟

كاتب أردني

نيسان ـ نشر في 2020-04-30 الساعة 13:10

نيسان ـ كانَ ( ميدان الثورة العربية) مُكتضاً بالعدمْ!.. يناظِرُ الهاربينَ إلى ( الجنوب) ويسألهم:ماذا حَلَ بِعمان؟! أينَ الجميلاتُ اللواتي يتكحلنَ ذات أزمةٍ وصخب؟! وأين أبواقُ السيارات؟! أين ضجيج عمانْ؟!...
تجاهلنا تَماماً تِلكَ الأسئِلَةْ، وزممت نفسي بَغصةٍ وفرحْ، إلى حيث يجب أن أهرب..هناك وبَعد (كاميرا السرعة) في أولِ طريقِ المطار كانتْ تَقِفْ دورياتُ تابعة للجيش والأمن العام والدرك والسير، إنهم يدققون على ( تصاريح التنقل)، يتفحّصون الخوف في وجوه المارة.
ركنّا المركبة أقصى اليمين، واليمين هذا فاجأنا برائحة عطر فرنسية قررت صاحبته تعذيب الناس من أنوفهم، وعيونهم، هي فتاة عشرينية طاعنة في الجمال والفتنة، عميقةُ النظرة.
كانت متوترة قليلاً وخائفة؛ فانتقل توترها إلينا وإلى شجرات وحصى شارع المطار، بلا مصافحة.
بجانِبِها أُخرى تجاوزت الأربعين من عمرها، وتكفّلت بالحديثْ مع الضابِطِ المسؤول، فيما ظلت العشرينية تأكلُ شفتيها وانا أسترقُ النظر، وأبتسم! ..أنا لا أبتسم أنا أحترق..ألا تشاهدون كل هذا السنّاج في روحي؟.
بعد لحظاتٌ غادرتْ السيارة ( نقطة الغلق) وسرنا خلفها وسار معنا ملحم بركات وهو يقول:" وانا وانتَ يا نور العين روح وساكنة بجسدين" ...
كانَ طريقُ المطار هادئاً، وشجر السرو شامخاً يستظل تحتهُ راعيٍ وبعض شويهاتٍ بعد جسرْ مادبا باتجاه زيزيا..
كان الطَريقُ مُحتلاً مِنْ بَعضِ العصافير وطائر ( الشنير) وكلابٌ وَقِطْ، وكانت جنباتُه خضراء ضاحكة..وكأنها تسخر من الجميع، أو ربما تنتظر المساء؛ لتكون محطة صاخبة لحب عاجل.
نعم، الجو ربيعي وملائم جداً لجلسةٍ على قارعة الطريق بصحبةِ (حسناء) يتطايرُ شعرها حولكَ لِتستظل مِنْ تفكيركَ وما يدورُ حَولكَ.. (حسناء) تُداعِبُ خيوطَ الشمس؛ فتتركَ داخلكَ مشهداً انطباعياً طاغِياً لا ينجلي، ثم تهمس باذنك غانجة: "لقد أحببتُك بكل شيء، أحببتك في جميع الظروف وتحت أي احتمال، أحببت عيوبك وغضبك وصمتَكَ الطويل وكل الذي تظنُ أني لا أحبه، حتى أنني مُنذ أن عرفتكَ الى الآن لم تمضِ لحظة واحدة بيننا إلا وقد بقيت عالقةً في عقلي، لم يحدث أي شيء بيننا إلا وقد عُقدَ بداخلي ولن يُزيله أي شيء مهما حدث".
"معك قداحة"، قالها رفيقي في الطريق ليوقظني من لهفتي وغطرستي.
أين أذهب؟ وكيف أترك كل هذا الضجيج لأمضي طريح الفراش مع أشقائي الخمسة ؟؟ .
أدركت من فوري حجم الهزيمة، وأنا الذي يدرك جيدا الفرق بين هنا والهناك ..كنت أريد أن أنفق أيام الحظر عاشقاً وتائها فلا أقنع إلا بها..
علي أن اتابع الطريق بدل كل هذه الجروح..نظرتُ يميناً فكانت أشجار السرو والصنوبر تتناثرُ يميناً ويساراً وتكادُ تخلو المنطقة تماماً من أي أبنية حجرية، ثُمَّ انبسط الطَريقُ أمامنا وزادت سرعة السيارة ثُمَّ وصلنا ( إشارة ضوئية) انعطفنا منها نحو ( اليسار)، فغالباً ما يكون الاتجاهُ يساراً، فحتى القلب يستقر يساراً.
برزتْ (معصرة مادبا) وعلى اليمين بنايةٌ او إثنتان وطريقٌ زراعي وأشجارُ السرو تغفو على جانبي ( الطريق الملوكي) الذي نسلكه وبعد مجموعةٍ لا بأس بها من المطبات كانت ( الجامعة الأمريكية) هناك نحو اليسارِ أيضاً، وسط تلٍ يسرُ الناظرين، ولكن سرعان ما حُجِبَت عنا.
وصلنا (مسجد صقر الحامد) وكان هناك رجلٌ في الستين من عمره يتمسمر باب المسجد، وكأنه ينشد "ألله إني ببابك واقف"، فيما انغرست عيناي على كلمة طبعها أحدهم بعجالة على جدار صنع من الطوب الرخيص (بحبك)..إنه الحب الذي ينجينا وهو وحده من يقذف بنا إلى التهلكة.

نيسان ـ نشر في 2020-04-30 الساعة 13:10


رأي: رأفت القبيلات كاتب أردني

الكلمات الأكثر بحثاً