اتصل بنا
 

على هامش قرار المحكمة الدستورية..مكانة المعاهدات في التشريعات الأردنية

نيسان ـ نشر في 2020-05-13 الساعة 22:38

على هامش قرار المحكمة الدستورية.. مكانة
نيسان ـ الصحافي والقانوني يحيى شقير

أثار قرار المحكمة الدستورية رقم 1 لسنة 2020 التفسيري بعدم جواز إصدار قانون أو تشريع يلغي أو يعدل اتفاقية سبق للمملكة ان وقعت عليها، شهية الكثيرين للتعليق عليه.
ومع أن المادة 33 من الدستور لم تنص على مكانة القانون الدولي في حال التعارض مع تشريع وطني، إلا أن القضاء الأردني مستقر على تغليب المعاهدات الدولية المتعارضة مع التشريع الداخلي.
المادة 33
1.الملك هو الذي يعلن الحرب ويعقد الصلح ويبرم المعاهدات والاتفاقات.
2.المعاهدات والاتفاقات التي يترتب عليها تحميل خزانة الدولة شيئاً من النفقات أو مساس في حقوق الاردنيين العامة أو الخاصة لا تكون نافذة الا اذا وافق عليها مجلس الامة ولا يجوز في أي حال ان تكون الشروط السرية في معاهدة أو اتفاق ما مناقضة للشروط العلنية.
ويتبين من النص الدستوري أن الملك يمارس صلاحياته في الفقرة (1) بصفته رئيساً للسلطة التنفيذية ويكون ذلك بإرادة ملكية موقعة من رئيس الوزراء والوزير أو الوزراء المختصين يبدي الملك موافقته بتثبيت توقيعه فوق التواقيع المذكورة، وذلك في المعاهدات والإتفاقيات التي “لا يترتب عليها تحميل خزانة الدولة شيئاً من النفقات أو مساس في حقوق الاردنيين العامة أو الخاصة” بمفهوم المخالفة للفقرة (2).
أما الفقرة (2) فتوقيع الملك على (المعاهدات والاتفاقات التي يترتب عليها تحميل خزانة الدولة شيئاً من النفقات أو مساس في حقوق الاردنيين العامة أو الخاصة لا تكون نافذة الا اذا وافق عليها مجلس الامة) يكون بصفته شريكا للسلطة التشريعية.
وبما أن الإلتزامات الواردة في العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية هي التزامات سلبية (أي تمتنع الدولة فيها عن الإنتقاص من الحقوق والحريات الواردة فيه، ولا يحمِّل خزانة الدولة شيئاً من النفقات ولا يمسّ بحقوق الاردنيين العامة أو الخاصة، فلكل ذلك يعني عدم وجوب عرضه على مجلس الأمة لتنفاذه طالما أنه جرى نشره في عدد الجريدة الرسمية رقم 4764 بتاريخ 15/6/2006 صفحة 2227، كما نشر في نفس العدد العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية صفحة 2239، والاتفاقية الدولية للقضاء علي جميع أشكال التمييز العنصري نشرت صفحة 2246، واتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب
المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة نشرت صفحة 2220
وهناك قرارات قديمة للمجلس العالي لتفسير الدستور قبل إنشاء المحكمة الدستورية في هذا المجال (منها قرار التفسير رقم 2 لسنة 1955، وقرار التفسير رقم 1 لسنة 1962، وكذلك قرارات عديدة لمحكمة التمييز منها
(تمييز حقوق: القرار: 2426 / 1999 مجلة نقابة المحامين لسنة :2002 صفحة: 1787) الذي جاء فيه :”إن الاتفاقيات الثنائية أو الدولية واجبة الإلزام ويجب العمل بها وهي أعلى مرتبة من القانون الداخلي في حال تعارضهما”.
أي أن المعاهدة تسمو على التشريع الوطني وتعطِّل تطبيقه (سمو تعطيلي).
كما تنص المادة 27 من اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات لعام 1969 على عدم جواز التمسك بالقانون الوطني للامتناع عن العمل بالاتفاقيات الدولية.
وجاء في رد الأردن لقائمة المسائل المقرر تناولها أثناء النظر في التقرير الدوري الرابع للأردن حول تطبيق العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية[1] جلسة لجنة حقوق الإنسان في جنيف 11-29/10/2010:
إن الأردن ملتزم بالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية وبنفس الوقت العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية (نشر العهدان في الجريدة الرسمية بتاريخ 15 حزيران 2006)، حيث تعتبر الاتفاقيات التي صادقت عليها المملكة الأردنية الهاشمية جزءا لا يتجزأ من التشريع وتسمو على القوانين الوطنية، بدلالة نص المادة 24 من القانون المدني الأردني إذ تنص “لا تسري أحكام المواد السابقة إذا وجد نص في قانون خاص أو في معاهدة دولية نافذة في المملكة الأردنية الهاشمية يتعارض معها”.
ويساند هذا المنحى الاجتهاد القضائي في قرارات لمحكمة التمييز الأردنية منها القرار رقم 818/2003 الصادر بتاريخ 9 حزيران 2003 إذ جاء فيه “تسمو المعاهدات والاتفاقيات الدولية مرتبة على القوانين المحلية ولها أولوية التطبيق عند تعارضها معها ولا يجوز الاحتجاج بأي قانون محلي أمام الاتفاقية …”.
كما ان “هناك العديد من الاجتهادات بهذا الخصوص لدى محكمة التمييز الأردنية يعطي فيه للمعاهدات الدولية مكانة ومنزلة تعلو على القوانين والتشريعات الأردنية المعارضة لها سواء أكانت المعاهدة سابقة أم لاحقة للقانون الأردني.
ومثال على ذلك ما قررته محكمة التمييز ايضا في القضية رقم 38/91 تاريخ 18 أيار 1991:
“إن من المتفق والمستقر عليه قضاء أن القوانين المحلية السارية المفعول هي الواجبة التطبيق ما لم يرد في معاهدة أو إتفاق دولي ما يخالف أحكام هذه القوانين وهذه القاعدة لا تتأثر بأسبقية القانون المحلي على الاتفاق الدولي أو بأسبقية القانون الدولي على القانون المحلي”.
وهذا يعني ان أي معاهدة دولية وقعت وصادقت عليها المملكة الاردنية الهاشمية تغدو اسمى من القوانين الوطنية وهي الواجبة التطبيق عند تعارضهما.
ولحل اشكالية مكانة القانون الدولي في التشريعات الوطنية عمدت بعض الدساتير الى بيان مكانة المعاهدات في صلب الدستور، وتنص اغلب الدساتير على ان المعاهدات الدولية تحت الدستور وفوق القانون, وهناك بعض الدساتير تنص على تساوي نصوص المعاهدة الدولية مع القوانين الوطنية مثل دساتير كل من مصر والكويت.
وتنص المادة (93) من الدستور المصري (لعام 2014): تلتزم الدولة بالاتفاقيات والعهود والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان التى تصدق عليها مصر، وتصبح لها قوة القانون بعد نشرها وفقاً للأوضاع المقررة. أما في دستور 1971 فكان النص شبيهاً بالمهدة 33 من الدستور الأردني. ومعروف أن الدستور الأردني لعام 1952 مأخوذ في أغلبه من الدستور المصري لعام 1923
وعلى الرغم من وضوح مساواة المعاهدة الدولية بالقانون الوطني في مصر إلا أن القضاء المصري كالأردني يعلي من شأن المعاهدة الدولية إذا تعارضت مع التشريع الوطني، وهناك قرار مشهور لمحكمة أمن الدولة العليا طوارئ ببراءة عمال السكة الحديد من تهمة إضراب 1986، الذي استندت فيه لتوقيع مصر على العهد الدولى للحقوق الاقتصادية والاجتماعية.
وجاء في قرار المحكمة:
بالنسبة للدفع بنسخ المادة 124 ضمنياً بالاتفاقية الدولية للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية فإن مصر قد وقعت عليها ونصت المادة الثامنة منها على أنه “تتعهد الدول الأطراف في الاتفاقية الحالية بأن تكفل أ…. ب…. جـ….
د- الحق في الإضراب على أن يمارس طبقا لقوانين القطر المختص …إلخ.
وهذا النص قاطع الدلالة في أن على الدولة المنضمة للاتفاقية الالتزام بأن تكفل الحق في الإضراب بمعنى أنه صار معترفاً به كحق مشروع من حيث المبدأ ولا يجوز العصف به كلياً وتحريمه على الإطلاق وإلا فإن ذلك مصادرة كاملة للحق ذاته وما تملكه الدول المنضمة للاتفاقية لا يعدو أن يكون مجرد تنظيم ذلك الحق المقرر بحيث تنظيم التشريعات الداخلية طريقة ممارسة ذلك الحق وهناك فرق بين نشأة ووضع قيود على ممارسته، وعدم وضع تنظيم لذلك الحق لا يعنى على الإطلاق العصف به أو تأجيله لحين وضع تلك النظم وإلا لاستطاعت أية دولة التحلل من التزامها بعد وضع تنظيم لممارسة ذلك الحق.
وقد أكد الدستور المصري هذا المعنى فنص في الفقرة الأولى من المادة 151 على “رئيس الجمهورية يبرم المعاهدات ويبلغها مجلس الشعب مشفوعة بما يناسب البيان وتكون لها قوة القانون بعد إبرامها والتصديق عليها ونشرها وفقا للأوضاع المقررة”.
ونص في الفقرة الثانية من تلك المادة على أن “معاهدات الصلح والتحالف والتجارة والملاحة وجميع المعاهدات التي يترتب عليها تعديل في أراضى الدولة، أو التي تتعلق بحقوق السيادة أو التي تحمل خزانة الدولة شيئا من النفقات غير الواردة في الموازنة تجب موافقة مجلس الشعب عليها”.
وبالإطلاع على قرار رئيس الجمهورية رقم 537 لسنه 1981 بشأن الموافقة على الاتفاقية الدولية للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمنشور في العدد 14 من الجريدة الرسمية المؤرخ 8 من إبريل سنة 1982 يتبين أنه قد نص صراحة على أن الموافقة على الاتفاقية الدولية المذكورة وقد تم بعد الإطلاع على الفقرة الثانية من المادة 151 من الدستور مما يفيد أنها قد سردت بعد الحصول على موافقة مجلس الشعب بوصفها إحدى المعاهدات الدولية التي تتعلق بحقوق السيادة بما تضعه من قيود على سلطات الدولة تتمثل في وجوب احترام الحقوق التي أقرتها واعترفت بها الاتفاقية الدولية الصادرة في نطاق الأمم المتحدة وبالتطبيق لميثاقها.
وحيث أنه تطبيقا لنص المادة 151 من الدستور سالفة الذكر ولما استقر عليه الفقه والقضاء فإن المعاهدات الدولية التي صدرت وفقا للأصول الدستورية المقررة ونشرت في الجريدة الرسمية حسب الأوضاع المقررة تعد قانونا من قوانين الدولة يتعين على القضاء الوطني تطبيقها باعتبارها كذلك.
وحيث إنه بالبناء على ما تقدم فإن التهم المسندة إلى المتهمين جميعا تكون قد تخاذلت في أساسها القانوني والواقعي وتقوضت لذلك أركانها الأمر الذي يلازمه البراءة عملا بالمادة 304 من قانون الإجراءات الجنائية.
فلهذه الأسباب، وبعد الاطلاع على المواد سالفة الذكر، حكمت المحكمة حضوريا ببراءة جميع المتهمين مما أسند إليهم. صدر هذا الحكم وتلي علنا بجلسة في 16/4/1987
(نص القرار كاملاً: https://ecesr.org/%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%83%D8%AA%D8%A8%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%A7%D9%86%D9%88%D9%86%D9%8A%D8%A9/%D9%86%D8%B5-%D8%AD%D9%83%D9%85-%D9%85%D8%AD%D9%83%D9%85%D8%A9-%D8%A3%D9%85%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%88%D9%84%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%84%D9%8A%D8%A7-%D8%B7%D9%88%D8%A7%D8%B1%D9%89%D8%A1-%D8%A8
كما قامت المحكمة الدستورية العليا في مصر باعطاء قيمة دستورية لعدد من المبادىء المهمة في حقوق الانسان التي لم ينص عليها الدستور المصري ومن ذلك مبدأ “عدم جواز معاقبة الشخص مرتين عن فعل واحد” (المادة 14/7 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية (والحق في رجعية القانون الاصلح للمتهم (المادة 15/1 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية).
وينص الدستور الكويتي في المادة 70: يبرم الأمير المعاهدات بمرسوم ويبلغها مجلس الأمة فورا مشفوعة بما يناسب من البيان، وتكون للمعاهدة قوة القانون بعد إبرامها والتصديق عليها ونشرها في الجريدة الرسمية.
وتنص المادة 177: لا يخل تطبيق هذا الدستور بما ارتبطت به الكويت مع الدول والهيئات الدولية من معاهدات واتفاقات.
أما ما قيل أنه يمكن استمرار تطبيق عقوبة حبس المدين عن دَين تعاقدي بالمخالفة للمادة (11) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية التي تنص:” لا يجوز سجن أي إنسان لمجرد عجزه عن الوفاء بالتزام تعاقد”، لأنه لم يصدر بموجوب قانون مصادقة وبالتالي لا يخضع باحكامه وفقا لقرار المحكمة الدستورية رقم 1 لسنة 2020 التفسيري فيعني ذلك أيضاً عدم نفاذ اتفاقية مناهضة التعذيب المشار إليها أعلاه.
وتنص المادة (46) من اتفاقية فينا لقانون المعاهدات لعام 1969 التي دخلت حيز النفاذ في عام 1980:” ليس للدولة أن تحتج بأن التعبير عن رضاها الالتزام بالمعاهدة قد تم بالمخالفة لحكم في قانونها الداخلي يتعلق بالاختصاص بعقد المعاهدات كسبب لإبطال هـذا الرضا إلا إذا كانت المخالفة بينة وتعلقت بقاعدة أساسية من قواعد القانون الداخلي”.
ولو فرضنا جدلاً أنه كان على الحكومة الأردنية الإنضمام للعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية بمشروع قانون للمصادقة عليه يرسل لمجلس النواب، فهل يعني ذلك تتنصل الحكومة من تبعات نشره في الجريدة الرسمية، والممارسة العملية للحكومة في مراسلاتها الدولية بالتزامها بالعهد؟!(الأول نيوز)

نيسان ـ نشر في 2020-05-13 الساعة 22:38

الكلمات الأكثر بحثاً