حنيّة العبيد.. كومبارس مشاعر

نيسان ـ في كوريا الشمالية، يكفي أن تتحوّل الى متهم، لأنك لم تبك كما يجب على موت الزعيم.
هذا رأيناه، ثم شعرنا بالامتنان من أنفسنا لأننا مختلفون جدا. وهذا غير صحيح.
الحق أننا لا نختلف كثيرا ، الا بالملف المطلوب منا فيها أن نبكي كثيرا.
في كوريا الشمالية عليك أن "تقطّع" روحك إربا من حرارة البكاء ومشاعر الفقد، إذا مات أحد أنصاف الآلهة.
في المجتمعات البشرية الأخرى، ومنها العربية اليوم، تنطبق عليك الحالة نفسها، وإن كانت بثوب جميل ذو ألوان وتكنولوجيا وفساتين قصيرة.
لعلك تجرؤ على البوح بما كنت تظن أنه مسلّمات من مشاعرك. لا يمكن. جرّب إن استطعت، ثم تلقى العصي على شكل ألسن، ومنشورات وتعليقات.
إنها ثقافة هوليودية هلامية تحوّلنا فيها جميعنا الى "كومبارس مشاعر".
مشاعر العبيد، أو قل القطيع. حنيّتهم. دموعهم. اصطفاف مواقفهم بلا طائل.
الغربي لم يحتل أرضنا فقط. لم يعبث بثقافتنا ولساننا وحسب. صار الأمر بأن احتل مشاعرنا أيضا. عليك أن تشعر بما يشعر به تماما، وإلا فإنك إقصائي ومتوحش ومقيت.
لم تعد مخيّرا فيما يجب أن تشعر به حيال ما تراه أمامك من حوادث. عليك أن ترى ما يرون، وينبض قلبك لهواهم هم.
اذا شعروا بصداع ما، عليك أن تصرخ "آآخ". إن أحبوا أحببتَ، وإن كرهوا كرهتَ. وإن دخلوا جحر ضب عليك أن تتمتع ليليا في ظلماته.
ميّعوا دينهم. وصادوا الافكار جميعها. يقولون ويفعلون الشيء ونقيضه معا. معايير اخلاقهم هي ما يحددها لهم أنصاف آلهتهم من البشر، حتى صار التطهّر تهمة، والحشمة عار، والرذيلة مواسم موضة.
الاضطرابات النفسية للمجتمعات البشرية اليوم، ومنها العربية، شواهد على حالة البؤس الذي يعيشه الأصحاء. الأصحاء اليوم غرباء.
كنّا نغنيها أطفالا. لم نعش المعنى حينها. بالفعل كم نحن: "غرباء غرباء غرباء غرباء".