اتصل بنا
 

الدولة العثمانية

نيسان ـ نشر في 2020-07-13 الساعة 16:30

x
نيسان ـ بقلم راكان الشخانبة
بين كل فترة وأخرى نسمع الطعن في الدولة العثمانية.
أن الدولة العثمانية أكثر دولةٍ في العالم قد تعرضت لتشويه على مدى العصور إلى هذا اليوم.
لم يتورع المؤرخين الأوروبيون واليهود والنصارى والعلمانيون الحاقدون عن الهجوم على التاريخ الدولة العثمانية، فاستخدموا أساليب الطعن والنشوية والتشكيك فيما قام به العثمانيون من خدمة للعقيدة والإسلام، وسار بكل آسف على هذا النهج الباطل أغلب المؤرخين العرب بشتى انتماءاتهم واتجاهاتهم القومية، والعلمانية، وكذلك المؤرخين الأتراك تأثروا بالتوجه العلماني الذي تزعمه مصطفى كامل، فمن الطبيعي أن يقوموا بإدانة فترة الخلافة العثمانية.
فلقد وجدوا فيما كتبه النصارى واليهود ثروة ضخمة لدعم تحولهم القومي العلماني في تركيا بعد الحرب العالمية الأولى، فقد كان الموقف من التاريخ العثماني بالنسبة للمؤرخ الأوروبي بسبب تأثرهم بالفتوحات العظيمة التي حققها العثمانيون، وخصوصا بعد سقوط عاصمة الدولة البيزنطية(القسطنطينية) على يد القائد "محمد الفاتح"، وقد تم تحوليها إلى دار إسلام وأطلقوا عليها إسلام بول (أي دار الإسلام).
كان هذا سبب حقد الأوربيون على الدولة العثمانية لأنه أراد العثمانيون الوصول إلى الأندلس لإنقاذ المسلمين فيها، وعاشت أوروبا في خوف وفزع وهلع ولم تهدأ قلوبهم إلا بوفاة السلطان محمد الفاتح.
لقد شارك اليهود النصارى بأقلامهم المسمومة، وأفكارهم المحمومة في الهجمات المتواصلة بعد فشل كافة مخططاتهم في أخذ أي شير من أراضي الدولة العثمانية لإقامة كيان ساسي لهم طوال الأربعة قرون من عمر الدولة العثمانية السنية، ولكن بعد زوال الدولة العثمانية بعد سقوطها استطاع اليهود بمعاونة الصليبية والدول الاستعمارية أن يحققوا هدفهم المنشود على حساب القومية التي قامت في الغرب والعرب، والتي توصف الدولة العثمانية بالتخلف والرجعية والجمود والانحطاط وغير ذلك.
أما المؤرخين العرب في العالم الإسلامي فقد ساروا في ركب هؤلاء لفترة العثمانية مدفوعين إلى ذلك بعدة أسباب يأتي في مقدمتها إقدام الأتراك بزعامة " مصطفى أتاتورك" على إلغاء الخلافة الإسلامية عام 1924م، وأعقب ذلك إقدام الحكومة العلمانية التركية بالتحويل الكامل إلى المنهج العلماني في الجوانب الاجتماعية والاقتصادية والسياسية على حساب الشريعة الإسلامية التي ظلت سائدة في تركيا منذُ قيام العثمانيين، وتحالفت هذه الحكومة مع السياسة الأوروبية المعادية للدول الإسلامية والعربية، و اشتركت سلسة الأحلاف العسكرية الأوروبية بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، والتي رفضتها الشعوب العربية الإسلامية وبعض حكوماتها بقيام الكيان الصهيوني في فلسطين عام 1948م، مما جعل الشعوب العربية الإسلامية تندفع خلف الحركة القومية بعد غياب الدولة العثمانية التي كانت تجاهد كل من تسول له نفسه بالاعتداء على أي شبر من الأراضي المسلمين.
تشتغل الدولة العثمانية حيزاً كبيراً للغاية في التاريخ سواء تاريخ العالم الإسلامي أو تاريخ أوروبا: امتدت فتوحاتها إلى ثلاث قارات العالم القديم: آسيا، وأوروبا، وإفريقيا.
وهي دولة عالمية، تأسست في سكود بالقرب من بورصة، وقد شملت مناطق شاسعة في القارات الثلاث، وتشمل على أقصى اتساع لها أوائل القرن 17م (الأناضول، قفاسيا، القرم، جنوب أوكروانيا، المناطق التي تشملها اليوم دول رومانيا، يوغسلافيا، بلغاريا، اليونان، المجر، سوريا، الأردن، لبنان، فلسطين، العراق، السعودية، اليمن، دول وإمارات الخليج العربي، مصر، تونس، ليبيا، الجزائر، وجزر البحر المتوسط).
كانت أكثر الجيوش الأوروبية تعداداً وأحسنها تدريباً وأعظمها قوةٌ.
إن لم يكن الحكم العثماني قد شمل جميع الأمصار الإسلامية كلها لكنه ضم أكثرها إذ امتد على أوسع رقعةٍ من مساحة تلك الأمصار، وكانت الخلافة العثمانية محط أنظار المسلمين ولو كانوا خارج حدودها بصفتها مركز الخلافة، وإن الخليفة هو للمسلمين، وليس خليفة للعثمانيين، وآل عثمان هم جزءٌ من المسلمين كما أنها كانت أقوى دولةٍ إسلامية يومذاك بل أنها من دول العالم الكبرى إن لم نقل أعظمها.
لم يعلن العثمانيون أنفسهم خلفاء حتى سلمهم إياها العباسيون في مصر إذا أن الخلافة كانت بيد الخلافة العباسية في مصر، وكانت الدولة العثمانية إحدى الدويلات التي انفصلت عن جسم الخلافة العباسية في شطر الثاني من الخلافة العباسية آنذاك.
عندما دخلت الدولة العثمانية البلاد العربية قد تحطم الحلم البرتغالي، والجدير بالذكر أن الزحف البرتغالي كان من خططه السيطرة على البحر الأحمر واجتياح الحجاز والاستيلاء على قبر الرسول صلى الله عليه وسلم.
ولكن الوجود العثماني منعهما ووقفوا في وجه الإسبان عندما حاولوا الاستيلاء على بلاد المغرب بعد سقوط الأندلس، ودعموا المسلمين ضد الروس في أواسط آسيا ومنطقة البحر الأسود.
أن لدولة العثمانية الفضل علينا في كثير من الأشياء التي نجهلها ففي عهد السلطان عبد الحميد الثاني رحمه الله البعض من المؤامرات الأوروبية:
1تهدف إلى تمزيق العالم الإسلامي إلى دويلات طائفية وعرقية، والسيطرة على أرضها، وثرواتها بعد رد أهلها كفاراً حسداً.
2.إشعال الفتن الطائفية بين المسلمين والنصارى؛ وبين أبناء الأمة، وأوليت الأمر، ثم التدخل بحجة حماية الأقليات النصرانية؛ أو بحجة حماية الديمقراطية وحقوق الإنسان وسيادة، كما حدث في عام2003 ليس ببعيد عن هذا.
3.أوروبا تعتمد في تحقيق الهدف على الغزو العسكري، والغزو الفكري، والهيمنة الاقتصادية.
هذه هي استراتيجية أوروبا التي تعمل على تنفيذها في العالم الإسلامي وخاصة العربي في تسعينات القرن العشرين الميلادي: تمزيقه إلى دويلات طائفية (نصرانية، يهودية قوية، إسلامية ضعيفة)، وذلك من خلال إشعال الفتن بين أبناء الأمة ثم تدخل العسكري كما حدث عام 2003م، أو كما حدث في الهند أثناء الاستعمار البريطاني له.
لا أحد ينكر أن لدولة العثمانية سلبيات، ولكنها أيضا لها إيجابيات تحسب في صالحها.
حسنات الخلافة العثمانية
1 - توسعة مساحة الأرض الإسلامية: ويكفي أنها فتحت القسطنطينية ونتذكر هنا حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: "لتفتحن القسطنطينية، ولنعم الأمير أميرها، ولنعم الجيش ذلك الجيش". وقد تقدمت في أوروبا حتى أنها وصلت إلى النمسا وحاصرتها أكثر من مرة، كما أنها استولت على كل جزر البحر المتوسط وجذبت لها الإسلام.
2 - الوقوف في وجه الصليبيين على مختلف الجبهات: فتقدموا في أوروبا الشرقية لتخفيف ضغط النصارى على الأندلس ولكن الأندلس سقطت لشدَّة ضعفها، وأنهوا الوجود البرتغالي في بلاد المسلمين.
3 - الإمبراطورية العثمانية تواجه الصهيونية: كان حلم اليهود منذ زمن بعيد إقامة وطن لهم في فلسطين، وفي هذه الفترة زاد نشاطهم، ويذكر أنهم قدموا عروض خيالية مغرية للسلطان عبد الحميد الثاني لنيل موافقته، فواجهوا الرفض بكل قوة وإصرار. كما أن العثمانيين منعوا اليهود من الإقامة بمنطقة سيناء بمصر.
4 - الإمبراطورية العثمانية حاربت الشيعة الرافضة المتمثلين في الدولة الصفوية، وقد كان المسلمون في بلاد الخليج والعراق يعانون أشد المعاناة من هؤلاء الرافضة.
5 - عملوا على نشر الإسلام: وقد أسلمت أكثر قبائل الشركس على أيديهم، ونشروا الإسلام في البلاد التي وصلوها في أوروبا وأفريقيا.
6 - أن دخول العثمانيين في بعض الأمصار الإسلامية حماها من بلاء الاستعمار الذي ابتليت به غيرها.
7 - كانت تضم أكثر أجزاء البلاد الإسلامية (تجاوزت مساحتها 20 مليون كم 2).
8 - كانت أوروبا تحارب العثمانيين على أنهم مسلمون لا بصفتهم أترك، فدافعها كان الحقد الصليبي، وهي ترى أنهم أحيوا الجهاد الإسلامي من جديد.
9 - كانت تمثل المسلمين؛ فهي مركز الخلافة، ولا يوجد سوى خليفة واحد في ديار المسلمين، لذا فهو رمز للمسلمين وينظرون إليه نظرة تقدير وإجلال واحترام.
وهنا يبقى السؤال الذي دائما يرافقني دائما، بعد خروج الدولة العثمانية.. ما هو التطور الذي حققه العرب بعد زوال الدولة العثمانية لحتى تتم المهاجمة عليها في مرة بالإعلام المطبوع أو المسموع؟
سيئات الخلافة العثمانية
1 - في قمة السيئات نظام الحكم المطلق الذي يضع مقدرات هذه الإمبراطورية الفسيحة في يد شخص واحد هو السلطان، وسلطانه بلا حدود.
2 - الاضطرابات الاقتصادية والاجتماعية في أواخر عهد الدولة؛ فقد أصبحت مالية الدولة فاسدة، ولا توجد ميزانية ولا إصلاحات، والرشوة تملأ كل مكان، والحرية مفقودة، والمصادرات تهدد كل مالك، والجواسيس منتشرون في كل مكان بينما السلطان لا يهمه إلا هواه وشهواته.
3 - توالي السلاطين المنحرفين الطغاة على الحكم في أواخر عهدها، وشهد القرن (13هـ=19م) مجموعة من أشد الخلفاء استبدادًا وأعنفهم بطشًا.
4 - إضعاف العرب (خوفًا من بروزهم) فعزلوهم عن الوظائف المرموقة وأهملوهم تمامًا، فأصبح العرب في هذه الفترة جهلاء، مرضى، متخلفون، فقراء.
5 - إهمال اللغة العربية التي هي لغة القرآن والحديث الشريف وهما المصدر الأساسي للتشريع.
6 - عدم الوعي الإسلامي الصحيح لديهم، وعدم فهم الإسلام على أنه منهج حياة متكامل، فكان كثيرون منهم لا يعرفون من الإسلام سوى العبادات.
7 - كانوا يحرصون على تغيير الولاة باستمرار، وخاصة في أواخر عهدهم خوفًا من استقلالهم بولاياتهم، وهذا يؤدي إلى عدم معرفة الوالي الجديد بالمنطقة، وبالتالي يؤدي إلى الضعف والتأخر.
8 - عرف لدى بعض السلاطين قتل إخوتهم خوفًا من المنافسة.
9 - كان بعضهم يتزوجون من النصرانيات لجمالهن فقط، وعلى الرغم من جواز ذلك، فإن فيه إساءة كبيرة للأمة، لأنها قد تؤثر على زوجها أو أبنائها السلاطين، وأن تكون عينًا لقومها ضدَّ المسلمين.
10 - سار العثمانيون على الحكم الوراثي كـ الأمويين والعباسيين، وكلهم مخالف للسنة.
11 - أعطوا العسكريين أكثر من حقهم، مما دعاهم إلى التسلط والتدخل في شئون الحكم، حتى أفسدوا وطغوا.
12 - كان العثمانيون يكتفون من البلاد المفتوحة بالخراج ويتركون السكان على وضعهم القائم من العقيدة واللغة والعادات، فالحرص على نشر الإسلام لم يكن بالقدر المطلوب.
13 - عندما أصبحت الخلافة ضعيفة في أواخر عهدها، ركز الجميع على النواحي السلبية فقط، فسلطت عليها الأضواء إلى أن سقطت الدولة.
إما اليوم أصبحنا نأخذ المعلومة من الأفلام، والمسلسلات التي تبث لنا سموم المدسوس بالعسل من أجل أن يخلق جيلٌ جديد لا يعلم عن ماضيه أي شيء يذكر.

نيسان ـ نشر في 2020-07-13 الساعة 16:30

الكلمات الأكثر بحثاً