اتصل بنا
 

لا ينقصنا شيء سوى واحد بيرة من فضلك

كاتب أردني

نيسان ـ نشر في 2020-07-16 الساعة 10:27

نيسان ـ الفجوة التي في قلبي تجلس مقابلةً لمقعدي الآن، تُخرِجُ علبة سجائر من حقيبتها البنية الغامقة، وتقول لي: واحد بيرة من فضلك أَجلبُ لها تنكة بيرة، أفتحها، أضعها أمامها على الطاولة البلاستِك.. رغم البرودة هنا، التنكة تتعرق بشكلٍ غريب!..
تخرج الفجوة سيجارة من العلبة، تضع قدماً على قدم ، تفرك السيجارة بلطف بين سبابتها وإبهامها، تضعها بين شفتيها الغامقتين... أنظر إليها.. تنظر إلي.. تقول: ألن تشعلها لي؟!... أرجوك؟! أبحث عن القداحة في جيب المعطف والبنطال مرتبكاً.. بشكلٍ هستيري صراحةً.. أجدها، أغطيها بكفّي المرتجفة وأقدح لها النار.
تأخذ نفساً عميقاً، تستند على ظهر الكرسي، وتقول: أتدري يا رأفت؟! ليس هناك الكثير لأقوله لك.. كل الأمر أنني مغرمة بك.. لهذا لا أفارقك، لا أسمح لك بأن تملأني.. تماماً كأي فتاة غيورة.. تعامل مع الأمر!. واجلب لك تنكة بيرة.. أنا حبيبتك الآن.. عليك أن تكتب لي قصائد ونصوصا وأنت مخمور.. كفاك سهواً.. هيا ابدأ...
.......
فليكن الأمر على هذا النحو اذاً يا حبيبتي ، سوف أفتح الحصالات التي أدخر فيها بعض الدراهم، نأخذ ما فيها ونضعه في جيوب معطفينا، ونترك جيبين فارغين، واحداً للسجائر والثاني لزجاجة النبيذ.
ننزل إلى (أحد تجار الحرب) ونرمي بالنقود أمامه على الطاولة بقرف!.. فتتقدمين وتأخذي منها ورقتين أو ثلاث، أنظر إليك لأفهم لماذا قمتي بهذا فتضعين أصبعك على شفتيكِ، أي أن أصمت.
نطلب بثمن هذه النقود، التي نقصت ورقتين أو ثلاث، أصابع الديناميت يضع الأصابع أمامنا فنحملها ونضعها في المكان الذي كانت النقود فيه.
نخرج مبتسمين، ونبدأ بمشاهدة الشوارع الفارغة، أسألك: هل نحن متأكدان؟ تهزين برأسك أربع مرات.
*في اليوم الأول: نصعد إلى منطقة مرتفعة ونبدأ ببناء كوخٍ من خشب البلوط والقصب وأوراق الخريف.
*في اليوم الثاني: ننتهي من الكوخ ونرتاح.. نغط في النوم.
*في اليوم الثالث: أستيقظ على صوتك: "تأخرنا، أيها الكسول، هيا انهض!". أرفض القيام بأي شيء من دون أن أشرب القهوة:
فتقولين لي: فلتكتفِ بالماء.
فأقول : قهوة! أنا مُصرّ.. قهوة؟
فتذهبين إلى الغابة، كأنكِ لم تسمعي مني شئيئا.
*في اليوم الرابع: تعودين ومعك حفنة من حبات البُن في كفّك، تمسكين بأربع حبات وتضعينها في فمي: "امضغها.. هيا" أمضغها ونعود إلى الشوارع.. نتتبع إشارات (X) التي قمتِ أنتِ برسمها بأحمر شفاهك التوتي اللون.. ندخل خلسة إلى ما وراء أبواب الأبنية ونزرع أصابع الديناميت، الشوارع ما زالت فارغة، كل شيء هادئ.
*في اليوم الخامس: هو يوم الأغنية الضائعة، أسند ظهري إلى الجدار وأتململ: كيف ننسى الموسيقى؟! أسطوانة واحدة كانت تكفي! كيف.. كيف؟! وأغط في النوم.
*في اليوم السادس: أستيقظ مرة أخرى، لا أجدك، لكنني أجد في كفّي أربع حبات أخرى من البُن.. أضعها في فمي وأمضغها أتوه في الشوارع التي حفظتها عن ظهر قلب.. وأتأكد بأننا لم ننسَ أن نزرع الديناميت عند كل إشارة (X) أتسلق إلى المرتفع الذي عمّرنا عليه كوخنا، أستنشق رائحة الغابات وأداعب السناجب، لأصل عند الساعة العاشرة والنصف مساءً، وأجدكِ..
فتقولين لي :"انظر، بتلك الورقات الثلاث اشتريت (فونوغرافاً) قديماً، لكنه يعمل بشكلٍ جيد، والكثير من الأسطوانات الموسيقية، كنت أعرف أنك ستتذمر.. كنت أعرف! هيا اجلس، اقتربت الساعة.. ها هي سجائرك.. وها هي زجاجة نبيذنا."
*في اليوم السابع: تجتمع مخلوقاتُ الغابة بوبرها وأوراقها إلى جانب النار التي أشعلناها، مشيرة إلينا إننا أصبحنا في اليوم السابع.. أعود وأسألها: هل أنت متأكدة؟! تهز برأسها ألف مرة.. كانت ترتدي وشاحاً زهري اللون.
ونفجّر المدينة.. إنه الضوء...
لا ينقصنا شيء الآن يا عزيزتي!...

نيسان ـ نشر في 2020-07-16 الساعة 10:27


رأي: رأفت القبيلات كاتب أردني

الكلمات الأكثر بحثاً