عن اغتصاب الأطفال
لميس أندوني
كاتبة وصحفية
نيسان ـ نشر في 2020-07-19 الساعة 10:58
نيسان ـ تبرز حكايات اغتصاب الأطفال التي تنتهي بقتل وحشي أحيانا وتغيب، ليس لأنها قليلة الحدوث، بل لأن أغلبيتها لا يجري التبليغ عنه، ولكنها تترك جروحا لا تندمل، فالسر يبقى مدفونا حافرا ثقوبا في القلب والروح، قلما ينجو الضحية من تشويه لشخصيته وعلاقاته الإنسانية، إلى نهاية عمره أو عمرها.
يرعبني التفكير في شعور طفل يجري اختطافه واغتصابه وتعذيبه ودق رأسه حتى الموت. أتخيله مستنجدا بأمه بصرخاتٍ تخفت مع خفوت نبضات قلبه الصغير، أو بمشاعر فتىً يتتابع من أكبر منه على الاعتداء عليه، في كابوس يومي، لا يلقى من يشكو إليه وينجده أو طفلةٍ قد لا تتجاوز الخامسة، يعتدي عليها وحش بشري، وهي لا تفهم ماذا يحدث من شدة الألم والخوف، ويلقيها من السطح، كما حدث في بلد عربي.
لا نسمع عن هذه الجرائم إلا إذا نتج عنها موت الطفل، أو انكشفت الواقعة، لكن ما يهزّني دائما أن الاعتداء على الأطفال لا يهزّ المجتمع كفاية، فعائلاتٌ تنتفص معاقبةً فتياتها بالتعذيب أو الضرب أو الذبح لمجرد شك في أنها "لطخت شرفها". وفي حالة الاعتداء على الأطفال، لا نجد حديثا عن شرف، إذ لا ينطبق مفهوم الشرف الممسوخ على الأطفال، وقد يكون من حسن حظهم، ولا أحد يتحدث عن انعدام شرف المجرم، والنتيجة أن لا نجد اهتماما بقدر بشاعة الجريمة.
هناك استسهالٌ مخيفٌ في الاعتداء على الأطفال بغرض اللذة الجنسية، وخصوصا الذكور منهم، وكأن غياب غشاء البكارة لدى هؤلاء يجعل من اغتصابهم عملا مقبولا، لا يعكس على سمعة فاعلها أو فاعليها، بل يتم التعامل مع الموضوع كأنه جزء من طيش الشباب وإثبات الذكورة العادي. وإذا ما كان المرتكب من العائلة، تجري الطبطبة عليه وكأنها مشكلة بسيطة، فالمشكلة هي الفضيحة وليس الفعل نفسه. عدا حالات المتحرّشين من الباغين الغرباء الذين يجدون في الأطفال صيدا سهلا، وقد لا يشعرون بذنب، ويمضون في حياتهم اليومية، غير مبالين بنتائج جرائمهم.
تكشف قصة الطفل السوري التي فضحها فيديو اعتداء ثمانية من أقاربه الشباب عليه، سنتين، الكثير عن عقلية وتربية مجتمعية، تتيح للشباب، كما رأينا في صورهم المنشورة، بالظهور شبابا عاديين، أو حتى مقبولين ومحبوبين اجتماعيا، قد يكون بعض منهم في أحلام فتيات يرين فيهم عرسان المستقبل. ولا يوحي مظهرهم بميول إجرامية (أو سيكوباتية) فيهم.
وليس مستغربا أن شبابا من ممارسي هذه التحرّشات الجنسية يعتقدون أنهم لا يرتكبون أي خطأ، ولا خطيئة في فعلتهم، فلهو الشباب الجنسي في المجتمع مقبول، إذا لم تكن هناك مظاهر تكشفه، فهي من طقوس إثبات الذكورة. وأحيانا يلعب البعد الطبقي دورا مهما، فالطفل الذي تزجّه عائلته، بسبب العوز، في سوق العمل، يكون هدفا سهلا للمتربصين من المهووسين جنسيا بالأطفال أو من طلاب اللهو الجنسي، المتاح والسهل.
لم أجد دراسات عربية من ظاهرة البيدوفايل (المصابين بالهوس الجنسي بالأطفال)، وقد يكون من الصعب إجراء مثل هذه الأبحاث، فهي تحتاج تقييما سيكولوجيا للمعتدين، وهؤلاء عادة يرتكبون تلك الجرائم باستمرار، وليس لمجرد اللهو العابر للتنفيس عن الكبت الجنسي. لذا تتكرر حوادث لا تسجل في مراكز الشرطة أو وزارات الشؤون الاجتماعية. وفي الغالب، لا تُعرف هوية هؤلاء. وفي دول كثيرة يجري تصنيف "البيدوفايل"، وأخذ إجراءات لحماية المجتمع منهم، وأحيانا يجري عزلهم إلى درجة أن أسماءهم تظهر وتوزع في بياناتٍ تجعل من الصعوبة بمكان سكنهم في أي حي يكتشف الجيران وجودهم بينهم، فيجري العمل على طردهم، حتى لو كانوا قد تعافوا، بيد أن هناك جدلا بين المختصين عن إمكانية تعافي "البيدوفايلز" من الحالة، ولكن جرى تسجيل حالات متعافية وتوثيقها، بعد جلسات طويلة من العلاج النفسي التي وجدت نجاحا في مصحات أوروبية وأميركية، فعاد هؤلاء إلى ممارسة حياة طبيعية، من دون المس بالأطفال.
لا يعني ما سبق أن حوادث التحرّش والاعتداء الجنسي كلها تعود إلى المصابين بالهوس الجنسي بالأطفال. واعتقال رجل في الأردن، بعد محاولته الاعتداء على شقيقين، واعترافه بأنه مهووس بممارسة الجنس مع الأطفال، يثبت وجود مثل هذه الحالات الموثقة، ولكن من دون تشخيص نفسي، ولا يبدو أن هناك سجلا محدّدا لهذه الحالات. في الماضي، كان يجري إخضاع هؤلاء، وحتى قبل أن تكون هناك تسمية طبية لحالتهم، إلى الإخصاء، وفي العصر الحديث استبدل ذلك بالعلاج النفسي، مرفقا مع إجراءات لحماية المجتمع، غير مأخوذ بها في العالم العربي، أي أن الأطفال في عرضةٍ دائمة لتصيد هؤلاء، ولكن المشكلة الأكبر قد تكون في غير المصابين في الحالة، ففي معظم الأحيان، لا يتم تحليل أو على الأقل نشر نتيجة التحقيق النفسي في الجرائم. ولكن، وبغض النظر، إن كان الفرق بين جريمة المصاب الهوس الجنسي بالأطفال والذي يتحرّش بهم للعبث واللهو المؤقت، في مرحلةٍ عمريةٍ ما، فالمشكلة الأساس غياب الحماية المنظمة والمدروسة من المؤسسات الرسمية من خلال قوانين رادعة وواضحة، لا تتيح لأيٍّ كان التساهل في العقاب وتطبيق الإجراءات الوقائية.
جزء من المشكلة أنه في حالات كثيرة من الاعتداء الجنسي داخل العائلة يجري التغطية عليها، خوفا من الفاعل نفسه، أو خشية من انهيار العائلة، خصوصا إذا كان الفاعل معيل الأسرة. والأنكى حين يشارك أفراد آخرون من الأسرة بمساعدة المعتدي وترهيب الضحية، بل وإلقاء اللوم عليها. وفي حديثٍ مع محامياتٍ واجهن مثل تلك الحالات، تبقى في ذاكرتي جملةٌ يستعملها آباء من المعتدين، إن الطفلة ملكه، وله الحق بفعل ما يشاء بها، فملكيته لها، في نظره تجعل الجريمة حقا طبيعيا له. وينطبق ذلك على حالات التعنيف والتعذيب، كما على حالات الاغتصاب، وحتى القتل، فيتقلص مفهوم العائلة إلى سجن وسجان، بل وسجانين وسجناء ومُعِذبين ومُعَذبين، وكلها تحت مسمى العائلة.
المخيف أيضا أنه عادة حين يهرب الطفل ويتم التبليغ، يتم إعادة الطفل أو الطفلة إلى المنزل نفسه. وهذا لا ينفي وجود أدوار اجتماعية، ومبادرات من المجتمع المدني، لكنها ما تزال قاصرة على تقليص الجرائم غير المحكية والمبلّغ عنها، والتي لا يقتصر دور المعتدي على الذكر في العائلة، ففي حالةٍ قد تكون الأولى المسجلة رسميا من نوعها، كانت المعتدية جنسيا على ابنتها هي الأم نفسها.
تفضح الجرائم الكثير من زيف الادعاء بالأخلاق والتقاليد، وعن حالة كبتٍ جنسيٍّ في مجتمع يمجّد الذكورة، و"يغفر" تعدّياتها وتجاوزاتها، أي أننا بحاجةٍ إلى عملية تربية، تترافق مع قوانين صارمة وتوفير دور رعاية اجتماعية وإعادة تأهيل، والأساس أن نعتبر فجيعة اغتصاب أي طفلٍ، أو التعدّي عليه، فجيعتنا الشخصية.
العربي الجديد
يرعبني التفكير في شعور طفل يجري اختطافه واغتصابه وتعذيبه ودق رأسه حتى الموت. أتخيله مستنجدا بأمه بصرخاتٍ تخفت مع خفوت نبضات قلبه الصغير، أو بمشاعر فتىً يتتابع من أكبر منه على الاعتداء عليه، في كابوس يومي، لا يلقى من يشكو إليه وينجده أو طفلةٍ قد لا تتجاوز الخامسة، يعتدي عليها وحش بشري، وهي لا تفهم ماذا يحدث من شدة الألم والخوف، ويلقيها من السطح، كما حدث في بلد عربي.
لا نسمع عن هذه الجرائم إلا إذا نتج عنها موت الطفل، أو انكشفت الواقعة، لكن ما يهزّني دائما أن الاعتداء على الأطفال لا يهزّ المجتمع كفاية، فعائلاتٌ تنتفص معاقبةً فتياتها بالتعذيب أو الضرب أو الذبح لمجرد شك في أنها "لطخت شرفها". وفي حالة الاعتداء على الأطفال، لا نجد حديثا عن شرف، إذ لا ينطبق مفهوم الشرف الممسوخ على الأطفال، وقد يكون من حسن حظهم، ولا أحد يتحدث عن انعدام شرف المجرم، والنتيجة أن لا نجد اهتماما بقدر بشاعة الجريمة.
هناك استسهالٌ مخيفٌ في الاعتداء على الأطفال بغرض اللذة الجنسية، وخصوصا الذكور منهم، وكأن غياب غشاء البكارة لدى هؤلاء يجعل من اغتصابهم عملا مقبولا، لا يعكس على سمعة فاعلها أو فاعليها، بل يتم التعامل مع الموضوع كأنه جزء من طيش الشباب وإثبات الذكورة العادي. وإذا ما كان المرتكب من العائلة، تجري الطبطبة عليه وكأنها مشكلة بسيطة، فالمشكلة هي الفضيحة وليس الفعل نفسه. عدا حالات المتحرّشين من الباغين الغرباء الذين يجدون في الأطفال صيدا سهلا، وقد لا يشعرون بذنب، ويمضون في حياتهم اليومية، غير مبالين بنتائج جرائمهم.
تكشف قصة الطفل السوري التي فضحها فيديو اعتداء ثمانية من أقاربه الشباب عليه، سنتين، الكثير عن عقلية وتربية مجتمعية، تتيح للشباب، كما رأينا في صورهم المنشورة، بالظهور شبابا عاديين، أو حتى مقبولين ومحبوبين اجتماعيا، قد يكون بعض منهم في أحلام فتيات يرين فيهم عرسان المستقبل. ولا يوحي مظهرهم بميول إجرامية (أو سيكوباتية) فيهم.
وليس مستغربا أن شبابا من ممارسي هذه التحرّشات الجنسية يعتقدون أنهم لا يرتكبون أي خطأ، ولا خطيئة في فعلتهم، فلهو الشباب الجنسي في المجتمع مقبول، إذا لم تكن هناك مظاهر تكشفه، فهي من طقوس إثبات الذكورة. وأحيانا يلعب البعد الطبقي دورا مهما، فالطفل الذي تزجّه عائلته، بسبب العوز، في سوق العمل، يكون هدفا سهلا للمتربصين من المهووسين جنسيا بالأطفال أو من طلاب اللهو الجنسي، المتاح والسهل.
لم أجد دراسات عربية من ظاهرة البيدوفايل (المصابين بالهوس الجنسي بالأطفال)، وقد يكون من الصعب إجراء مثل هذه الأبحاث، فهي تحتاج تقييما سيكولوجيا للمعتدين، وهؤلاء عادة يرتكبون تلك الجرائم باستمرار، وليس لمجرد اللهو العابر للتنفيس عن الكبت الجنسي. لذا تتكرر حوادث لا تسجل في مراكز الشرطة أو وزارات الشؤون الاجتماعية. وفي الغالب، لا تُعرف هوية هؤلاء. وفي دول كثيرة يجري تصنيف "البيدوفايل"، وأخذ إجراءات لحماية المجتمع منهم، وأحيانا يجري عزلهم إلى درجة أن أسماءهم تظهر وتوزع في بياناتٍ تجعل من الصعوبة بمكان سكنهم في أي حي يكتشف الجيران وجودهم بينهم، فيجري العمل على طردهم، حتى لو كانوا قد تعافوا، بيد أن هناك جدلا بين المختصين عن إمكانية تعافي "البيدوفايلز" من الحالة، ولكن جرى تسجيل حالات متعافية وتوثيقها، بعد جلسات طويلة من العلاج النفسي التي وجدت نجاحا في مصحات أوروبية وأميركية، فعاد هؤلاء إلى ممارسة حياة طبيعية، من دون المس بالأطفال.
لا يعني ما سبق أن حوادث التحرّش والاعتداء الجنسي كلها تعود إلى المصابين بالهوس الجنسي بالأطفال. واعتقال رجل في الأردن، بعد محاولته الاعتداء على شقيقين، واعترافه بأنه مهووس بممارسة الجنس مع الأطفال، يثبت وجود مثل هذه الحالات الموثقة، ولكن من دون تشخيص نفسي، ولا يبدو أن هناك سجلا محدّدا لهذه الحالات. في الماضي، كان يجري إخضاع هؤلاء، وحتى قبل أن تكون هناك تسمية طبية لحالتهم، إلى الإخصاء، وفي العصر الحديث استبدل ذلك بالعلاج النفسي، مرفقا مع إجراءات لحماية المجتمع، غير مأخوذ بها في العالم العربي، أي أن الأطفال في عرضةٍ دائمة لتصيد هؤلاء، ولكن المشكلة الأكبر قد تكون في غير المصابين في الحالة، ففي معظم الأحيان، لا يتم تحليل أو على الأقل نشر نتيجة التحقيق النفسي في الجرائم. ولكن، وبغض النظر، إن كان الفرق بين جريمة المصاب الهوس الجنسي بالأطفال والذي يتحرّش بهم للعبث واللهو المؤقت، في مرحلةٍ عمريةٍ ما، فالمشكلة الأساس غياب الحماية المنظمة والمدروسة من المؤسسات الرسمية من خلال قوانين رادعة وواضحة، لا تتيح لأيٍّ كان التساهل في العقاب وتطبيق الإجراءات الوقائية.
جزء من المشكلة أنه في حالات كثيرة من الاعتداء الجنسي داخل العائلة يجري التغطية عليها، خوفا من الفاعل نفسه، أو خشية من انهيار العائلة، خصوصا إذا كان الفاعل معيل الأسرة. والأنكى حين يشارك أفراد آخرون من الأسرة بمساعدة المعتدي وترهيب الضحية، بل وإلقاء اللوم عليها. وفي حديثٍ مع محامياتٍ واجهن مثل تلك الحالات، تبقى في ذاكرتي جملةٌ يستعملها آباء من المعتدين، إن الطفلة ملكه، وله الحق بفعل ما يشاء بها، فملكيته لها، في نظره تجعل الجريمة حقا طبيعيا له. وينطبق ذلك على حالات التعنيف والتعذيب، كما على حالات الاغتصاب، وحتى القتل، فيتقلص مفهوم العائلة إلى سجن وسجان، بل وسجانين وسجناء ومُعِذبين ومُعَذبين، وكلها تحت مسمى العائلة.
المخيف أيضا أنه عادة حين يهرب الطفل ويتم التبليغ، يتم إعادة الطفل أو الطفلة إلى المنزل نفسه. وهذا لا ينفي وجود أدوار اجتماعية، ومبادرات من المجتمع المدني، لكنها ما تزال قاصرة على تقليص الجرائم غير المحكية والمبلّغ عنها، والتي لا يقتصر دور المعتدي على الذكر في العائلة، ففي حالةٍ قد تكون الأولى المسجلة رسميا من نوعها، كانت المعتدية جنسيا على ابنتها هي الأم نفسها.
تفضح الجرائم الكثير من زيف الادعاء بالأخلاق والتقاليد، وعن حالة كبتٍ جنسيٍّ في مجتمع يمجّد الذكورة، و"يغفر" تعدّياتها وتجاوزاتها، أي أننا بحاجةٍ إلى عملية تربية، تترافق مع قوانين صارمة وتوفير دور رعاية اجتماعية وإعادة تأهيل، والأساس أن نعتبر فجيعة اغتصاب أي طفلٍ، أو التعدّي عليه، فجيعتنا الشخصية.
العربي الجديد
نيسان ـ نشر في 2020-07-19 الساعة 10:58
رأي: لميس أندوني كاتبة وصحفية