اتصل بنا
 

الارتفاع التاريخي غير المسبوق في معدلات طلبة الثانوية العامة لعام 2020م

نيسان ـ نشر في 2020-08-16 الساعة 12:28

نيسان ـ أثار ارتفاع معدلات الطلبة الأوائل في امتحان الثانوية العامة ، حيث بلغ عدد الطلبة الحاصلين على معدل 100% 78 طالب وطالبة في الفرعين العلمي والأدبي في سابقة أولى من نوعها في تاريخ التربية والتعليم في الأردن ، تساؤلات فيما إذا كانت هذه النتائج مرتبطة بنظام "التوجيهي" الجديد ام بطريقة التقييم
( الامتحان ) ام باختزال ( حذف جزء منها ) المادة المطلوبة في الامتحان ؟
بوجهة نظري أن نتائج الثانوية العامة لهذا العام تتنافى مع التقييم الحقيقي لذكاء ومستويات الطلبة ، هنا لا بد من وجود اختبار خاص لقياس الكفاءات والقدرات والمهارات ، وعلى ضوئه ستكون النتائج حقيقية ، وأود الإشارة هنا إلى عملية رصد كفاءات وقدرات ومهارات الطلبة يحتاج تغييراً في مضمون الامتحان وشكله ، والاعتماد على نسبة من العلامات المدرسية للطالب وبدءً من الصفوف التاسع والعاشر والحادي عشر والثاني عشر.
أن ارتفاع معدلات الطلبة في هذا العام يعود إلى طبيعة الآسئلة ( الاختيار من متعدد ) ، وكذلك مستواها أقل من السنوات السابقة ومباشرة ، وكذلك طبيعة الامتحان بأنه تحصيلي بحت يركزعلى الحفظ ولا يكتشف قدرات الطلبة فقط يعتمد على تخزين المعلومات واسترجاعها فقط.
بشكل عام ان ارتفاع المعدلات ووصولها لدرجة الكمال لا يصب في مصلحة امتحان الثانوية العامة في الأردن وهيبته ، بل هو وكما اشرت سابقا مؤشرعلى رتابة الأسئلة وتكرارها ، وعدم وجود تنويع للأسئلة التي تقيس قدرات الطلبة المتنوعة.
ومن اجل إعادة الهيبة لامتحان الثانوية العامة ينبغي العمل من اجل الوصول إلى صيغ جديدة وتغيير قائم على أسس علمية ومداخل فنية وتربوية مبنية على التخطيط الاستراتيجي والجودة الشاملة وإدارة المعرفة والإبداع وكل ما يتطلبه العصر المعلوماتي والتقني من استراتيجيات وجوانب تطويرية في مجال القياس والتقويم التربوي ، ويتطلب ايضا إصلاح منظومة التعليم بشكل شامل وخطة عمل زمنية تبدأ من الصفوف الأساسية الثلاثة الأولى وتنتهي بالصف الثاني عشر ( التوجيهي ) ، مرورًا بمحطات تقويمية لقياس أداء الطلبة وتقويم الخطة وتعديلها وفق المؤشرات ، مع ضرورة استمرار تطوير البنية التحتية وإصلاح عناصر العملية التعليمية والبيئة التعليمية والتنظيمية لضبط جودة التعليم وتحسين مخرجاته.
مما سبق نلاحظ أن المشكلة التربوية القائمة لدينا في الأردن وهي أن شهادة الدراسة الثانوية العامة تحولت من غاية التعليم والتعلّم إلى غاية اجتياز الامتحان ومعدل الطالب والفرص المتاحة له في القبول الجامعي في مجتمع يحرص على التعليم الجامعي وفي تخصصات محددة ، وبعد التأمل والنظر في الواقع التربوي الأردني وحاجات التعليم والمجتمع الأردني يجب أن نؤمن ونأخذ بمايلي كملاحظات تربوية عامة ومهمة :
1 ) لابد من تطوير امتحان الثانوية العامة ليأخذ بالمعايير التربوية الحديثة ومنها ما يتعلق بالقياس والتقويم التربوي المعتمد على الأسس العلمية الفاعلة.
2 ) يجب عقد امتحان شهادة الدراسة الثانوية العامة على دورتين سنويًا كما كان معمول به سابقا ، ، لتخفيف الضغط النفسي وإتاحة الفرصة لتعديل ما تم الإخفاق به أو التقصير فيه في الفصل السابق، فمعظم الطلبة يستفيدون من خبراتهم في امتحان الفصل الأول ويتداركون الثغرات والسلبيات التي صاحبته، مما يمكنهم من رفع علامتهم في المبحث والمعدل العام لهم.
3 ) إن تعديل الخطة الدراسية للمرحلة الثانوية في الفروع المختلفة سنويًا، يؤدي إلى عدم استقرار النظام التعليمي وزيادة الأعباء على الوزارة وعدم تكافؤ الفرص التعليمية باختلاف الخطط الدراسية في كل عام ومتطلبات تطبيقها ، كما أن ما تقوم به الوزارة من اتخاذ قرارات بهذا الحجم ودون دراسات مسبقة أو خطة شمولية أو إستراتيجية للوزارة لتطوير عناصر المنظومة التعليمية، أو طرح هذه القضية للنقاش على مستوى الخبراء التربويين والمختصين ، والذي يدلل بما لا يقبل الشك على أننا ما نزال نخضع لسياسة الوزير وليس سياسة الوزارة ومجلس التربية والتعليم ، وأننا أبعد ما نكون عن الخطط والاستراتيجيات الناظمة للعمل المؤسسيّ.
4 ) إن الخطة الدراسية الجديدة ووجود المباحث الاختيارية الثلاثة لطلبة العلمي والأدبي وقرار تخفيض علامة النجاح في المبحث ، والاعتماد على مجموع العلامات ، وتعدد خيارات الطلبة ، سيضاعف من إشكالية مدخلات التعليم الجامعي بتخصصاته المختلفة والبناء المعرفي للطلبة والاتصال الرأسي للمهارات العلمية ومن ثمّ ينعكس على مخرجات التعليم الجامعي ، وسنجد أنفسنا أمام المزيد من التراجع في مستوى جامعاتنا بدلاً من الارتقاء بها وتحسين مخرجاتها.
5 ) على مستوى التطبيق للخطة الدراسية في الميدان فإن وجود مباحث اختيارية في الخطة الدراسية قد يؤدي إلى الارتباك لدى الطلبة من حيث اختيارهم للمباحث الاختيارية ومدى ارتباطها بالتخصص الجامعي الذي سيقبل الطالب به ، لعدم معرفتهم بالمعدل الذي سيحصلون عليه في امتحان الثانوية العامة ، وأسس القبول في الجامعات ، مما يتيح فرصًا أقل ومحددة في التعليم الجامعي لكل طالب ، وسيسبب أيضًا صعوبة في الميدان التربوي في الجوانب الإدارية وعملية تقسيم الطلبة إلى الشعب والصفوف وللمعلمين في العملية التعليمية ، مما يؤدي إلى أن الاختيار ستحدده المدرسة وليس الطالب بحيث يجبر الطالب على مادة معينة فيصبح الاختياري اجباري ، وهذا يتناقض مع مبدأ حرية الاختيار للطلبة.
6 ) سيصبح لشهادة التوجيهي قيمة أقل في الجوانب الأكاديمية و التربوية في ظل قيام وزارة التربية بتخفيض علامة النجاح في المباحث لشهادة الدراسة الثانوية العامة وتقليل عدد المباحث الداخلة في معدل الطالب ، والاعتماد على مجموع العلامات المتساوي لها ، والذي يتناقض مع مبدأ الأوزان النسبية للمباحث الدراسية في الخطط الدراسية ، كما أن تصميم الخطة الدراسية الجديدة للصف الثاني عشر تعتمد عدد المباحث التي تدخل في مجموع علامات الطالب ، بالاعتماد على بعض الاختبارات الدولية ، دون الإمعان في مضمون الكتب المدرسية وعدد الحصص المخصصة لهذه المباحث في العملية التعليمية وأهميتها في مجال التخصص الأدبي أو العلمي أو الفرع المهني ، وهذا يتناقض مع فلسفة التطوير والإصلاح وتحسين مخرجات التعليم وتطوير الموارد البشرية.
7 ) إن الخطط الدراسية الجديدة والتعليمات ، ستعزز الطبقية في التعليم الجامعي ، فالطالب الأقدر ماليًا ستكون لديه فرصة أكبر في القبول الجامعي سواء في الجامعات الرسمية ( من خلال البرنامج الموازي ) أو في الجامعات الخاصة ( القبول المباشر ) ، لتصبح جامعاتنا ساحة لتعليم الطلبة الأقدر ماليًا وليس الأكفأ دراسيًا ، مما يقود إلى ضعف مخرجات التعليم الجامعي ، ولعل المستفيد الأكبر من قرار تخفيض علامة النجاح في المبحث ، والخطط الدراسية الجديدة ، هو الجامعات الخاصة التي لحقها ضرر كبير نتيجة ضبط الامتحان وحجم الرسوب في التوجيهي في السنوات الأخيرة ، وجاء هذا القرار لينعش سوق هذه الجامعات وليفتح باب القبول فيها على مصراعيه ، دون أدنى حد من الأسس الأكاديمية والعلمية للقبول الجامعي.
8 ) أما فيما يتعلق بالمنهجية التقليدية المتبعة للتحضير للامتحان وما يتطلبه من إعداد للقاعات ولجان المراقبة والمتابعة والتصحيح والفرز، وما تتسم به من هدر للوقت وغيره والتي يمكن معالجتها بطرق فنية فاعلة وفق آليات عمل فنية ( كما جرى هذا العام حيث تم اعتماد الماسح الضوئي في عملية التصحيح ) ، وهنا لابد من تأكيد أهمية حوسبة امتحان الثانوية العامة ، وأن تكون منهجية امتحانات الثانوية العامة معتمدة على مجموعة من وسائل التقييم الحديثة المستندة إلى قواعد إجرائية واضحة ترقى إلى مستوى عالٍ من التطور والتقدم ، ليتم تقيّيم أداء الطالب بما ينسجم وطموحه وآماله وتحصيله الدراسي عبر مرجعيات تقويم أو بنوك أسئلة مقننة تمامًا.
9 ) أهمية وجود اختبارات للقبول في الجامعات ليتم قبول الطالب وفقها بناء على محكات تختلف باختلاف الكفايات المطلوبة لكل تخصص، بحيث تصبح معايير القبول مركبة من: اختبار شهادة الدراسة الثانوية العامة ، واختبار القبول في الجامعة ، بالإضافة إلى إمكانية تطبيق اختبار القدرات واختبار الاتجاهات والميول وغيرها من المتطلبات.
10 ) إن المطّلع على الإجراءات التي ينظر إليها على أنها تطوير لبرنامج الثانوية العامة ، يجد أنها تنحصر في البُعد الكمي ، في حين غاب عنها البُعد النوعي الجوهري غيابا واضحا ، لذا فإننا نأمل أن تصل وزارة التربية والتعليم إلى الجودة الشاملة خاصة في العناصر والجوانب المتعلقة بامتحان الثانوية العامة والتي تفرضها المستجدات ، سيرًا بخطوات جادة نحو الأفكار التربوية العصرية بكل صبر وثبات وجدية بحيث تلبي طموحات التعليم والمجتمع ، بعيدًا عن نقل الأفكار والتجارب في بلدان أخرى تختلف فيها خصائص المجتمع وحاجاته عن وطننا ، وبعيدًا عن كل السلبيات التي نعيشها كل عام ونتحمل جميعًا تبعاتها.

نيسان ـ نشر في 2020-08-16 الساعة 12:28


رأي: قيصر صالح الغرايبة

الكلمات الأكثر بحثاً