اتصل بنا
 

عصام العريان

كاتب مصري

نيسان ـ نشر في 2015-08-12 الساعة 14:16

نيسان ـ

لا أعرف عدد القضايا المتهم فيها الدكتور عصام العريان، وإن كنت أعلم أنه عندما تمّ إلقاء القبض عليه، وجهت له النيابة العامة العديد من الاتهامات، منها مشاركته في أحداث بين السريات، والتحريض على القتل في أحداث الاتحادية، والتحريض على أحداث الحرس الجمهوري!.

اتهام واحد لم يوجه له، ووجه لآخرين، وهو سرقة عدد من الشقق، وقد وجه هذا الاتهام المسخرة، للشيخ حازم أبو إسماعيل، ولزميلنا "إبراهيم الدراوي" الذي نصب له "تامر ابن أبيه" باعترافه كمينًا، حيث استضافه في برنامجه باتفاق مع أجهزة الأمن، ليلقي القبض عليه بعد خروجه من الأستوديو، وكان واضحًا أن الاتهام وجه له لحين تمكن الأجهزة الأمنية من صياغة الاتهامات المهمة!.

منذ بداية الانقلاب، والاتهامات، بل والأحكام، فقدت وقارها، ولم تعد حتى أحكام الإعدام رادعة، والمتهمون يستقبلونها بابتسامات عريضة، دفعت مراسل التلفزيون المصري، لأن يلفت انتباه المشاهدين، قبل دخول الدكتور محمد مرسي القفص، بأنه سيبدو سعيدًا لكنه في الواقع ليس كذلك، ولأول مرة نشاهد نظامًا تزعجه ابتسامة أسير.

"العريان" تشكلت نجوميته مبكرًا، ومن أدائه في البرلمان عندما فاز في انتخابات مجلس الشعب في سنة 1987، كأصغر نائب وقتئذ، وقد بدا مبكرًا أنه من أصحاب المهارات الضخمة، التي ربما حالت دون تبوئه المكانة التي تتفق مع قدراته بعد ذلك، وكان واضحًا أنه بدأ يفقد اتزانه، من خلال تصريحات بدت غريبة عليه، مثل اعترافه بحق لليهود المصريين الذين نزحوا لإسرائيل في العودة لمصر، ولكن وكما قيل:

يُقضى على المرء أيام محنته.. حتى يرى حسنًا ما ليس بالحسن!.
كانت مصر قد دخلت حالة الاستقطاب السياسي فاعتبر خصوم الحكم الإخواني فيما قاله "العريان" رمية بغير رامٍ، ولم يقف أحد ليسأل عن مرشحين رئاسيين كانوا قد بنوا سمعتهم على رفضهم لكامب ديفيد. وفي الحملات الانتخابية لم يضبطوا متلبسين بنقد واحد لإسرائيل، بل وأكدوا احترامهم لكل "الاتفاقيات الدولية" التي وقعتها مصر في السابق. وبدون لف أو دوران فإن "الاتفاقيات الدولية" كان مقصودًا بها اتفاقية واحدة هي التي وقعها السادات مع الإسرائيليين.. حمدين صباحي أنموذجًا!.

لي عبارة قديمة، هي من إفراز الحالة الصحفية في مصر، عندما بدأ الاحتفاء بمعدومي الموهبة مع الإصدارات الصحفية الجديدة وهي أن "كفاءة المرء عبء عليه"، فلم تتسع هذه التجارب لكفاءة صحفية بحجم "شفيق أحمد علي"، في حين نرى معدومي الكفاءة، ومن يجد مشقة بالغة كأنما يصعّد في السماء لكي يكتب عبارة مستقيمة، هو كاتب ورئيس تحرير في الصباح، وهو مذيع وضيف في "المساء والسهرة"!.

هذه العبارة صالحة للاستخدام في المشهد المصري برمته: "كفاءة المرء عبء عليه". فيتشكل برلمان الثورة، ويقرر الإخوان أن تكون رئاسته لهم بعد حديث عن أن رئاسته للمستشار محمود الخضيري، فيظن المراقب أن الأصلح للرئاسة هو "العريان"، فيجري اختيار الدكتور "سعد الكتاتني". ويخلو موقع رئيس حزب "الحرية والعدالة"، بانتخاب الدكتور محمد مرسي رئيسًا، فيخوض "العريان" الانتخابات على رئاسته، فيذهب الموقع لصاحب "القسمة والنصيب"، أيضًا الدكتور "سعد الكتاتني"!.

كانت دولة مبارك، تعرف خطورة "العريان"، فجرى اعتقاله مرات كثيرة، ليس لقدرته التنظيمية، ففي الواقع أنه لم يختبر في هذا على المستوى الأعلى في الجماعة، ولكن لقربه من القوى الوطنية، مما يمثل حضورًا مقدرًا للجماعة في هذه الأوساط. وظل عقودًا له احترامه وحضوره بين هذه القوى، والتي كانت تتعجب لأن تعرف هي قدره، ولا يعرفه الإخوان، فلم تكن الساحة السياسية تعرف كثيرًا من أعضاء مكتب الإرشاد لكنها تعرفه هو وعندما جرى اختياره عضوًا في مكتب الإرشاد على مضض، كان المراقبون يرون أن هذا القرار تأخر كثيرًا!.

بيد أن "الحلو لا يكتمل"، فمن عيوبه الشخصية أن لديه ميلاً للتعالي في لحظات النصر، اختلط مع شعوره بأنه لن يحصل على مكانته التي تتفق مع قدراته في ظل حكم الإخوان، فأنتج شخصية بعيدة عن مجالها الحيوي، بين القوى المدنية، وكان يمكن أن يقوم بدور قبل الانقلاب لإصلاح ذات البين، لولا هذه الحالة، وربما لأنه لم يكن مخولاً له تنظيميًا القيام بدور، فوجد الحل في التعالي، وهو التنظيمي الملتزم!.

عشية استبعادي من الترشح على قائمة "التحالف الوطني" التقاه صديق فأخبره بما جرى، وبتعالٍ رد عليه "عصام العريان"، هذا ليس غريبًا فالغريب أن يرشح "سليم عزوز" على قوائم الإخوان!.

وهذا صحيح، لكن الصحيح أيضًا أنه عندما تمّ الإعلان عن مسمى "التحالف الوطني" كان الحديث عن أنه تجمع للقوى الوطنية ويضم 44 حزبًا بجانب الشخصيات العامة في مواجهة الدولة العميقة، فهو تكتل ثوري وليس قائمة للإخوان المسلمين!.

لقد تذكر هجومي على الجماعة، ولم يتذكر أنني كتبت عنه خمسة مقالات في اعتقالات مختلفة له، نددت فيه باعتقاله، وهاجمت نظام مبارك الذي أقدم على اعتقال شخصية محترمة ومقدرة كالدكتور "عصام العريان"!.
قبل الثورة بعدة أسابيع كنت أتولى بشكل سري رئاسة تحرير إحدى الصحف اليومية، بعد أن اعترض وزير الداخلية، ورئيس جهاز أمن الدولة، بشكل صريح على أن أصبح رئيس تحرير الصحيفة، وقبل أن ينتبه "حبيب العادلي" إلى أنني "رئيس التحرير السري" فيجن جنونه. كان في الصحيفة زميل يغطي أخبار الجماعة، وكانت كل الأخبار حول بيانات ومواقف الإخوان تجد طريقها للنشر، ونقل لي الزميل دهشة الدكتور "عصام العريان" من أن يحدث هذا في صحيفة أنا صاحب القرار فيها. وقلت له مازحًا: ولماذا لم يدهشه دفاعي عنه؟!.

بعد أن ألقت الحرب أوزارها علمت أن "العريان" لم يكن صاحب قرار في اختيار مرشحي التحالف، فقد كان المكلف بالمهمة الدكتور "محمد البلتاجي"، لكنه كرجل تنظيمي لا يملك حق التدخل، قرر أن يدافع عن قرار الإبعاد.

اللافت أن القوى المدنية، التي جمعها بـ "العريان" نضال مشترك، لم (يجمعني) به، لم نجد من بينها من يكلف خاطره ويدافع عن الرجل، الذي كان يجمع ولا يفرق، وكان عنوانًا للموقف الوطني، وإذا كانوا قد بنوا خصومتهم مع حكم الإخوان بأنهم ضد الحكم الديني، بحسب المعلن، فلم يكن "عصام العريان" من هؤلاء، بل وكان لفترة طويلة هو المدخل للجماعة في أي تنسيق مع الأحزاب الأخرى، ولو بإخلاء الدوائر لبعض مرشحيها، كما حدث مع "حمدين صباحي" لدورتين برلمانيتين.

الآن يتخلون عن "العريان" الذي كانوا يتقربون إليه من قبل، ويسعون لخطب ودّه، وكان لهم فيه أكثر ما للإخوان، فلم ينفر المحامون من كل القوى الوطنية للدفاع عنه، في مواجهة التنكيل الذي يتعرض له في سجنه على يد سلطة مجرمة، يخطئ من يظن أن إجرامها سيتوقف على الإسلاميين وحدهم، فالمؤكد أن سيمتدّ للجميع حتى الذين يؤيدونها بالباع وبالذراع، و"العينة بينة".

سلام على "العريان" في محبسه.

الراية

نيسان ـ نشر في 2015-08-12 الساعة 14:16

الكلمات الأكثر بحثاً