اتصل بنا
 

المخفي في الصراع على سوريا .. وحقيقة مصير الأسد

نيسان ـ علي عيد - كاتب سوري - زمان الوصل ـ نشر في 2015-08-12 الساعة 18:36

x
نيسان ـ الخلاف على بقاء الأسد أو رحيله كذبة علينا ألا نصدقها، لأن أقصى التوقعات تقول إن بقاءه مع حكومة انتقالية أو حتى بإعادة الوضع إلى ما كان عليه تعني اغتياله في أول فرصة، ولن يوفر هذه الفرصة حتى غير السوريين. أما المشهد الحقيقي فيمكن قراءته في تحولات العلاقة الأميركية الإيرانية مع اتجاه منكفئ لواشنطن، وتقارب روسي ـ سعودي، وروسي ـتركي، مع اتجاه مندفع لموسكو. التحرك الأمريكي دافعه الأساسي هو الملف النووي الإيراني، أما التحرك الروسي فدافعه اقتصادي استرتيجي، وتبدو الصورة ملتبسة بعض الشيء عندما نقترب من الشأن السوري، علماً أن سوريا كانت المحرك الأساسي للمشهد وتطوراته. كيف يمكن أن نقرأ إصرار الرياض وأنقرة على رحيل الأسد، فيما تعارض موسكو وطهران هذا الخيار، بينما تقف واشنطن واضعة قدماً في هذا المعسكر والأخرى في المعسكر الثاني، تارة تقول إنه لا مستقبل للأسد في سوريا وأخرى تقول إنها لا ترى بديلاً مقنعاً في إشارة على إمكانية الاحتفاظ به فعلياً. النتيجة التي يمكن استخلاصها هي أن جميع الأطراف الإقليمية والدولية لا تتصارع على بقاء أو رحيل الأسد بل على مصالح يؤمنها، وهو ما يعني أن البحث جارٍ عن صيغة تؤمن تلك المصالح. أهم المصالح تتركز في ممرات الطاقة الرخيصة (الغاز) بالدرجة الأولى، فالإيرانيون وقعوا اتفاقاً مع نظام الأسد في تموز ـ يوليو 2013 لتصدير الغاز بين إيران والعراق وسوريا لضمان وصول إنتاجهم إلى القارة الأوروبية عبر المتوسط، وبأقل الأسعار. أما الروس فوقعوا اتفاقاً للانفراد بامتياز النفط والغاز في المياه السورية وذلك نهاية عام 2013. الاتفاقان الروسي والإيراني يعملان لضمان سيطرة البلدين على حصة الأسد من تدفقات الطاقة وبالتالي ضمان السيطرة والتفوق، ويعزز هذا التصور بعض التقارير التي تتحدث عن أن مخزون شرق المتوسط من الغاز والذي تمثل سوريا محوره يجعلها ثاني أغنى منطقة في العالم، وإذا كانت مجلة غاز أويل تتحدث عن 8,5 تريليون م3 من الاحتياطي المثبت فإن هناك تقارير (ليست في حكم الحقائق القاطعة) تقول بأن احتياطي الغاز المأمول في بلاد الشام يصل إلى 340 تريليون م3، مع احتياطات نفطية تقدر بنحو 3,4 مليار برميل. وإذا محصنا في خارطة إنتاج الطاقة الرخيصة التي تشكل دافع الاقتصاد الأوروبي البديلة لروسيا بالدرجة الأولى في المرحلة القادمة، فإن مناطق توزعها هي قطر وجنوب شرق السعودية وإيران والعراق، ووصول شحنات الطاقة من تلك المناطق بطريقة سهلة ومباشرة ورخيصة يعنى مرورها بسوريا التي تعتبر أهم منطقة تجميع في العالم. الصراع شمالاً يتركز محوره الغاز الروسي والأذري وخطوطه، مقابل مشروع خط "نابوكو" من أذربيجان باتجاه أوروبا عبر تركيا، هناك مشروع "السيل الأزرق" الذي وقعت اتفاقه روسيا مع تركيا نهاية عام 2014 لإيصال الغاز إلى أوروبا دون المرور بأوكرانيا، ونلاحظ هنا أن الصراع هو للسيطرة على السوق الأوروبية وهو مفتاح ضغط الأتراك وحساسية الأوروبيين وتجميد مشروع "نابوكو" المدعوم أمريكياً. مع فهم خارطة الأنابيب يمكن فهم الصراعات المسلحة، والخلافات الخفية للدول الكبرى، والإقليمية من الحرب الروسية الأوكرانية إلى سوريا وحتى إلى زراعة تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" في مناطق مهمة لخطوط الغاز في سوريا والعراق. ولكي يسهل فهم الموقف الأمريكي المتأرجح يجب ملاحظة أن النظرية القديمة القائمة على حماية الأنابيب قد تغيرت بعد ظهور الغاز الصخري ووصول الأمريكيين إلى مرحلة اكتفاء ذاتي خلال فترة قريبة، لذلك فمن الطبيعي أن تصبح النظرية مقلوبة باتجاه إشعال خطوط الأنابيب. خلال العامين الماضيين نفذ نظام الأسد صفقات مع تنظيم الدولة حصل مقابلها على الغاز والنفط، بالمقابل فقد اتجه التنظيم نحو حقول الغاز ليصل إلى حقل الشاعر وتدمر ومحيطها، لكن هذا التمدد المشكوك فيه يشير إلى أن التنظيم يعمل وفق استرتيجية الأنابيب تماماً كما تعمل جميع الأطراف، فمن الذي يخطط، وما هي الخريطة النهائية والمدة الزمنية لتغيير قواعد اللعبة في سوريا. ليست القصة عند الروس والإيرانيين والأميركيين والأتراك ـحسب زعمي ـ قصة الأسد فحسب، وربما يكون السعوديون الأقل تضرراً ـاقتصادياًـ حال سيطرة إيران على سوريا لكنهم يعرفون أن هذه السيطرة تعني تحكماً بقرار المنطقة عبر حيازة "كريدور" رخيص يصل أوروبا ومن ثم الحصول على الكعكة كاملة وتعريض أمن دول الخليج للخطر في المرحلة اللاحقة. الخلاف بين موسكو وطهران ليس جوهرياً طالما أن الروس لن يختنقوا استرتيجياً في سوريا، ولكنهم لن يوفروا فرصة الاحتفاظ بالحصة الموعودة. السؤال اليوم .. من سيؤمن مصالح الروس والإيرانيين، ومن سيؤمن مصالح السعوديين والأوروبيين، أما الأميركيين فهم يعيشون نشوة "الفرجة" على صراع ظاهره وقف النزيف في سوريا وباطنه مصالح واستراتيجيات. لا يبدو أن هناك استعجالاً لدى معظم الدول التي تتصارع على سوريا لإنهاء الصراع، وهناك طرفان رئيسيان يعتبران واجهة الصراع المباشر هما السعودية وإيران، وجميع المعارك التي تجري على الأرض تحمل معنى "المكاسرة" بين هاتين القوتين الإقليميتين، وبالنظر إلى جاذبية الطرف السعودي للسوريين المناهضين لنظام الأسد وهم يمثلون الغالبية وذلك لاعتبارات تاريخية ووجدانية، فإن إيران في المقابل اشتغلت على محور الميليشيات الطائفية لتكتسب جاذبية مماثلة إلا أنها باتت اليوم محشورة أكثر من ذي قبل، فهي غير قادرة على ابتلاع الفضاء السني في سوريا، كما أنها تريد في أسوأ الأحوال أن تخرّب المشهد في حال قرارها الانسحاب من هذه الحرب مع تأمين وسادة حماية لحزب الله في المناطق الممتدة من ريف دمشق الغربي بمحاذاة الحدود اللبنانية مرورا بريف حمص فطرطوس مع دعمها لقيام دولة وظيفية للعلويين في مساحة ضيقة على الساحل السوري لن تشمل كامل مساحة اللاذقية بحكم تركيبتها الديمغرافية إضافة إلى أن تركيا لن ترضى بأن يكون مثل هذا الكيان جاراً لها. وإذا تحقق هذا المشروع فإن إسرائيل لن تكون بعيدة عن المشهد، والمؤكد أنها ستقوم بترتيبات جديدة كاقتطاع مساحات من الأراضي السورية في القنيطرة. الحديث عن التقسيم يبقى خياراً مطروحاً، لكنه سيكون الأخير، وبعدها ستنشأ مشكلات جديدة إذ لا يمكن استفراد طرف بمصادر الطاقة، كما لا يمكن لطرف أن يؤمن وحده عملية مرور تلك الموارد، كما أن مشروع الحرب على الإرهاب لا يتماشى مع واقع التقسيم، وكل ما في الأمر أن الأسد سيستمر في تقديم الخدمات لروسيا وإيران وحتى الأميركيين على حساب جميع السوريين بمن فيهم طائفته التي ستتحول إلى المتضرر الأكبر بعد تطورات ريف حماة، إلا أنه سيدفع الثمن في النهاية.

نيسان ـ علي عيد - كاتب سوري - زمان الوصل ـ نشر في 2015-08-12 الساعة 18:36

الكلمات الأكثر بحثاً