اتصل بنا
 

حتى لو خرجت من جلدها ..!!

رئيس تحرير صحيفة الثورة السورية التابعة لنظام الاسد

نيسان ـ نشر في 2015-08-13 الساعة 16:02

نيسان ـ

لم يعد بمقدور المشهد المتداول في المنطقة وخارجها أن يحتمل كل ما ينضح به إناء السياسة، وما يتفوّه به كثير ممن أدمن على اللغو في الوقت ما بعد الضائع، حيث الحسابات والمعادلات الناشئة في أغلبها تواجه معضلة الخلط بين الممكن الذي تجيده السياسة
وبين الوهم الذي يفرضه أمر العمليات المتبدّل حسب الظرف ووفق المزاج، في وقت تطفح مشاهد السياسة بما يفوق حاجتها وما يفيض عن طاقتها.‏

ورغم ما يطفو من حراك سياسي نشِط وواعد في زوايا المشهد الممتد خارج المنطقة كما هو متجذّر في داخلها، فإن عبوات التفخيخ وآليات الشدّ العكسي والكوابح المعدّة مسبقاً لا تزال حاضرة بقوة، بل هناك من يجزم بأن الحراك في مجمله لم يُخرجها من الحفرة المتمترسة فيها، وأن البناء على ما يطفو لا يكفي للنظر أبعد من حدود المساجلة في السياسة ولا أكثر من معطيات المواجهة على الأرض.‏

بهذه المعايير يفرض المشهد حتمية العودة إلى الأصل الذي يتوه أحياناً في تفاصيل خارجة عن حدود المحاكمة أو المقاربة التي تسوقها الفرضيات، عندما تكون النيات وحدها الحاضر في المقاربة السياسية، فيما الإرادة الجماعية تتشظّى بين جاد وحقيقي وآخر يسوّف ويماطل وينافق، وطرف تتزعمه تركيا والسعودية يبني وهمه على الصورة المقلوبة فيعود إلى اللعق من القاع الذي أغرقه في أوحال المستنقع من جديد.‏

في المبدأ.. نستطيع جميعنا أن نجزم أن الرغبة الإيرانية الروسية تحكمها الإرادة الجادة والفاعلة، وتلاقت معهما واشنطن في الشكل، مع ما أظهرته وما قدمته من مقدمات افترضت أنها تصلُح للقبول بتجريب ما يمكن تجريبه في لعبة تقطيع الوقت، في مشهد مقابل يتجاوز التوصيف إلى الفعل، ليس بقاعدة الشدّ العكسي على ما فيها، بل بصيغة التفجير من حيث وصلت إليه الجهود، فيعود السعودي إلى موقعه الوظيفي في لعبة المبازرة، فيما التركي يُرجئ الزيارة المقررة لوزير خارجية إيران أو يؤجلها، ويوفد مرتزقته ليكون التصعيد على الأرض.. والتسخين في المواقف -وبالتنسيق المسبق- وجهين لعملة واحدة.‏

على هذه القاعدة، يبدو الحراك السياسي محكوماً بكثير من الاستطالات التي تعكس واقعاً عملياً لسياقات ومواقف كانت وستبقى حيث هي في حيّز لا يكاد يلتقط من الكلمات إلا ما يخدم فجوره وما يعبّر عن فحوى وجوده الوظيفي، رغم ما يحيط به من تراكمات العجز ومشاهد الفشل المتنقلة، حيث عودة السعودي إلى المربع الأول وما قبله لا تحتاج إلى كثير من العناء ولا تتطلب تحضيراً يمهّد للتراجع الفوضوي القائم، بقدر ما تحتاج إلى إعادة ترسيم للمشهد وفق حقيقة دوره في دعم الإرهاب.‏

فالسعودية هي ذاتها التي أنتجت كل هذا الإرهاب، وتركيا هي نفسها التي ساهمت في دعمه وحمايته والتنسيق معه، لن تكونا غير ذلك حتى لو خرجتا من جلدهما لبعض الوقت، أو تهيأ للبعض أنهما يفعلان ذلك، وسيبقيان كذلك الآن وفي المستقبل، وأي تعويل على تغيير هنا أو هناك لا يعدو كونه تعويلاً على وَهم لن يتحقق، وإضاعة للوقت في غير مكانه، وأي رهان على ضغط أميركي لن يكون أبعد من تدوير مؤقت للزوايا لتواكب متطلبات التغيير في مقاربة المصالح الأميركية.‏

الأخطر في هذا السياق أن يبني البعض أو يعوّل على أن تلك الانقشاعات الناتجة في سماء المنطقة الملبّدة منذ ما ينوف عن خمس سنوات دليل حراك أو تغيير، فهي لا تعكس انفراجاً بقدر ما تحمل إعادة تجميع لعواصف من التصعيد وأعاصير من التسخين وقد عَهدت بها إلى تراكمات من الوَهم المنظّم والقائم على فرضية الدور والوظيفة، لتعيد تفخيخ المشهد وتفجير ما يتم تحضيره وفق هذه المعايير.‏

الحراك السياسي بهذا المنظور ليس محكوماً بالاستطالات المرضية الظاهرة للعيان في السعودية وتركيا فقط، بل في أصل المشكلة والمعضلة القائمة التي تبنيها أميركا وترسم وفقاً لإحداثياتها كل ما ينتج عنها اليوم وغداً وبعده وبعد بعده.‏

وما يجري لا يعبّر عن الرغبة في التهدئة، بقدر ما يرسم انتقالاً تلقائياً نحو مواجهة مفتوحة تتبدّل فيها أشكال المجابهة وقد تتعدّل الأدوات أو الأوراق لكنها تحتفظ بكل ساحات المواجهة وبجميع نقاط الاشتعال وهي لا تُغيّر حتى في قواعد الاشتباك ولا في حدوده أو مظلاته أو مساحاته، ولا تُعدّل في أهدافه أو أجنداته حتى لو لوّنت من كذبها وجنس نفاقها أو أبدت رغبة في الخروج من جلدها لبعض الوقت.‏

الثورة السورية

نيسان ـ نشر في 2015-08-13 الساعة 16:02

الكلمات الأكثر بحثاً