اتصل بنا
 

الرئيس والاستثمار وإشارات قرب التسويات الكبرى

كاتب أردني وخبير مياه

نيسان ـ نشر في 2015-08-15 الساعة 20:39

نيسان ـ

إن إشارة رئيس الوزراء أن الاردن يدخل مرحلة جديدة من الاستعداد للاستثمار، وأن الفرصة مواتية حاليا لاستقطاب الاستثمار وادامته ولينال الاردن حصته العادلة من التنمية في المنطقة ..هذا الحديث ربما يحمل في طياته إشارات على قرب إنجاز تسويات كبرى في المنطقة وأن الأردن يجب أن لا يفوت فرصة الاستفادة من هذه التسويات, هذه إشارة ينبغي التقاطها جيدا وعلى كل المستويات لأنها تعني للأردن نقلة تاريخية لن تتكرر.

رئيس الوزراء اعترف بواقعنا المرير حين أشار إلى أهمية ان يكون المسؤولون والموظفون على قدر المسؤولية وعدم وضع العراقيل الادارية او غيرها امام الاستثمارات التي تخدم مسيرة التنمية وتوفر فرص العمل للشباب الاردني. رئيس الوزراء ذهب أبعد من ذلك حين أشار أنه لا يمكن ان يكون هناك سلام اجتماعي ونمو وتقدم في ظل وجود ترهل اداري.

دولة رئيس الوزراء ذهب بعيدا جدا حين تحدث عن نظرة البعض ولا شك أنه يعني هنا بعض المسؤولين الى المستثمرين على أنهم غزاة يريدون سرقة البلد.

الدولة الأردنية تملك رافعة وأدوات ووسائل تغيير الواقع مجتمعة ولا يحتاج الأمر سوى لمبادرة شجاعة تطلق طاقات الأردنيين. المحزن أن الجميع يقر بالواقع ولكن الجميع أيضا يجامل على حساب الحقيقة. الاعتراف بالمشكلة يؤدي إلى حلحلة الواقع ولكن ذلك لا يكفي أبدا في ظل انهيار متسارع في المنظومة الاجتماعية والاقتصادية ناتج عن ضغوط تأتي على مجتمعنا من كل اتجاه وللأسف فازدحام شوارع عمان ومطاعمها ربما يغري البعض ولا سيما المسؤولين أن الوضع على ما يرام ولكن الحقيقة عكس ذلك تماما فغالبية الأردنيون يغرقون أمام واقع استهلاكي مرير يزيد الفقير فقرا والغني غنى.

الاستعداد للاستثمار عنوان كبير لم يفصل فيه كثيرا رئيس الوزراء. هذا التفصيل هو الشغل الشاغل لملايين الأردنيين في مجالسهم. جميع الأردنيين يتحدثون عن غلاء البنزين ومعيقات الاستثمار ومشاكل البنية التحتية ونقص الخدمات وصعوبة المواصلات وغلاء المعيشة ونقص المساكن وارتفاع الإيجارات وقلة الرواتب.

كل مشكلة يتحدث عنها الأردنيون تحمل في طياتها فرصة استثمار مما يريده رئيس الوزراء.

المشكلة هي عدم القدرة على اتخاذ القرار الشجاع الذي ينهي أي مشكلة من جذورها. على سبيل المثال حين يكون ثمن تنكة البنزين حاليا هو تقريبا نفس ثمنها حين كان سعر برميل النفط أكثر من مائة دولار إذن هناك مشكلة ولكن أيضا هناك فرصة استثمار ستجلب للبلد مليارات الدولارات لو كان قطاع الطاقة معوما وليس امتيازا لمصفاة البترول كان من المفترض أن ينتهي عام 2008.

مثال آخر لا يقل أهمية, المواصلات , نحن نعاني الأمرين منذ عقود حيث أن وصول الطالب إلى مدرسته أو جامعته أو العامل إلى مكان عمله مشكلة لمئات آلاف الأردنيين. أين شبكة السكك الحديدية التي نتحدث عنها منذ سنين طويلة والتي لو وجدت ستكون أكبر رافعة للاستثمار وستخدم ليس فقط الأردن بل الإقليم برمته. إن تحقيق شبكة مواصلات تخدم الإقليم هي أكبر استثمار يمكن أن نتحدث عنه الآن في ظل حاجات إعادة إعمار منتظرة في كل دول الجوار.

مثال آخر, السكن, يدفع الأردنيون مليار دينار سنويا بدل إيجارات وقد تحمل المواطن المغلوب على أمره تبعات هذا الملف منذ احتلال صدام للكويت عام 1990 حين تدفق مئات آلاف الأردنيين فجأة من الكويت وبدأت معضلة إسكان لا تزال تتفاقم حيث تلت هجرة الأردنيين من الكويت هجرة العراقيين ثم هجرة السوريين تصوروا أن بدل ايجار المساكن منذ 1990 حتى الآن تضاعف بما لا يقل عن خمسة أضعاف على مستوى المساكن الشعبية وتضاعفت أسعار الأراضي أكثر من عشرين ضعفا. ماذا يفعل من لم يتضاعف دخله منذ ذلك التاريخ ولا حتى ضعفا واحدا.

إذن نحن أمام واقع لا تنفع معه المجاملات ولا حتى سرد الحقائق. نحن بحاجة إلى المبادرة بمشروع إنماء وطني شامل يعالج أدق تفاصيل حياتنا حيث يعاني ملايين الأردنيين. أروع وصف يمكن إطلاقه على معيقات الاستثمار في الأردن هو أن الشيطان يكمن في التفاصيل وإذا أردنا وصفا أكثر دقة سنقول أن كل الشياطين تختبيء في التفاصيل حتى لا يراها أحد وهناك تمارس هذه الشياطين كل ألاعيبها حتى يبقى الوطن والمواطن أسير مصالحها وامتيازاتها. لقد وصل الأردنيون مرحلة السأم في انتظار الفرج.

أخيرا نقول لدولة رئيس الوزراء أن معالجة ملفات الاستثمار تبدأ بإعلان حالة طواريء تنموية تعالج أولا ملفاتنا التنموية الداخلية وتقصي كل المثبطين والمعيقين وأصحاب المصالح الضيقة عندها سيأتي سريعا أكبر المستثمرين وفي مقدمتهم الأردنيون المغتربون ليقودوا مشاريع استثمار كبرى ولكن نكرر: ذلك يحتاج إلى إعلان حالة طواريء تنموية تبعثها حالة طواريء تشريعية تلغي كل امتياز يتعارض مع مصلحة الوطن وتعطي الأردنيين حرية حركة وإبداع ليست مقيدة باعتبارات أصحاب المصالح ويكون عنوانها الأردن أولا فعلا وتطبيقا وليس شعارا.

نيسان ـ نشر في 2015-08-15 الساعة 20:39

الكلمات الأكثر بحثاً