خيبة (قصة)
نيسان ـ عبد الرزاق اسطيطو stitoabderazak@gmail.com ـ نشر في 2015-08-15 الساعة 22:18
لما دخلت علينا مقصورة القطارهي وصديقتها النحيفة ،جلست وهي تتفرس وجوهنا بلا خجل، من عيونها يطل مكر الثعالب وأشياء أخرى وشرح الواضحات من المفضحات، قالت لصديقتها بغنج العاهرات"ارجعي شوفي الرجل، راه يقدر يتلف علينا" وبعد إلحاح منهانزلت صديقتها تبحث عن الرجل على رصيف محطة القطار، بعد دقائق وقبل أن يتحرك القطار، عادت ومعها رجل طويل القامة يرتدي جلبابا أبيض، يضم تحت ابطه حصيرا ملونا، وبيده اليمنى قفة ، وباليد الأخرى قنينة من الحجم الكبير لزيت لوسيور، بعد السلام، بدأ في وضع حاجياته فوق رؤوسنا وأبقى على القفة بين رجليه، قال للفتاة التي تمضغ العلك وتطرطقه أحيانا ،وتنفخه أحيانا أخرى "لولا صديقتك لضعت " ترد عليه الفتاة السمراء"خفت عليك والقطار كما تعرف لا ينتظر أحدا "وأضافت من أي بلد أنت" كنت أظنه زوجها، لكن ظني خاب الآن،،الرجل وهو يزيل جلبابه وطاقيته الحمراء كما لو أنه في غرفة نومه، يجيب على سؤال الفتاة قائلا "أنا من هذا البلد، أنا من الجنوب" ، ثم تعود الفتاة بمكر قائلة غير مبالية بوجودنا،"حتى أنا قريبة من هناك" وهي مازالت مسترسلة في الحديث فتحت باب المقصورة امرأة شقراء آية في الجمال، أخذت مقعدها بيننا مباشرة بعد أن رتبت أشياءها وحقيبتها حييتنا قائلة" بنسوار" الرجل كالأبله نسي حواره مع الفتاة السمراء ونسي نفسه ونسينا، وهو يتأمل حسن الوافدة ، لكن سرعان ماخاب ظنه، لما سألتني بلهجتنا عن الساعة، قلت لها "دقائق ونغادر طنجة "، فعاد الرجل لحواره مع الفتاة، وتركني في حوار ممتع مع المرأة الغريبة التي وضعت رجلا على رجل، حتى بان فخدها المرمري، وفي حركة لطيفة أخذت من حقيبتها علبة شكولاطة وبدأت في توزيعها علينا، شكرت صنيعها ثم عادت لتسألني من جديد عن الساعة، قلت لها "الثالثة إلا ربع ،شكرتني بعد ان بررت سؤالها بكونها لم تحقق ساعتها على توقيت المغرب مضيفةسؤالا آخر عن وجهتي قلت لها" وجهتي القصر الكبير" ، ومن غير أن اسألها أخبرتني بأنها للتو عادت من فرنسا، وأنها ذاهبة لمراكش بلطف قلت لها "علا سلامتك " لكن الفتاة السمراء قاطعت ابتسامتها لي وهي تسأل الرجل الغريب من جديد عن اسمه فرد عليها اسمي "الداهي "تضحك المرأة من غرابة شكله واسمه فيما هو ظل مبتسما كالأبله، ثم عادت فسألته عن مهنته ، هنا ولأهمية السؤال ، عدل من جلسته ووضع رجلا على رجل حتى ظهرت جواربه المتسخة مجيبا " كل يوم ورزقه، لكن يوم الجمعة قد يصل رزقي إلى ألف درهم"من جوابه قد تحسبه تاجرا ، لكن توقعي سوف يذهب مذهب الماء في الرمال، حين عادت فسألته الفتاة من جديد عن مهنته، فرد عليها وهو ينفخ صدره كالطاووس ويضرب بيده على صدره قائلا " مهنتي ،مهنتي مشرطي" فلم نفهم شيئا من جوابه فقد زاد الأمر غموضا ، الفتاة تتجرأ أكثر قائلة وماذا تقصد بمشرطي" ، الكل ينصت له، بلع ريقه ومسح على ذقنه الحليق شارحا لنا معنى الكلمة " أقرأالقرآن على القبوروكل قبر وثمنه وكل سورة وثمنها، وكل ليلة وثمنها .." ولم نتوقف عن الضحك طوال الرحلة ظلت المهاجرة ذات العيون الخضر والشعر الأشقر المقصوص تنظر إليه وتعود للضحك من جديد ، حتى صارت طفلة بيننا ولم نتوقف عن الضحك إلا بعد أن نهض وكاد أن يخنق الفتاة، بعد أن أشبعها ضربا ورفسا كبطل في الملاكمة، كيف حصل هذا قد كانا طوال الرحلة سمنا على عسل كما تقول جارتنا؟ ، هذا هو الفصل الثاني من الحكاية ، بعد أن عرفت الفتاة كل شيء عنه ، خاصة دخله، سألته إن كان متزوجا .ومن خلال هذا السؤال بدا واضحا أن الفتاة ترمي بشباكها وحبالها عليه لتصطاده، الرجل وهي تسأله رن هاتفه ، رفض في البداية أن يرد ، نظر إلى الأرقام عبر الشاشة تم أدخله جيب سرواله، انقلب حاله، غابت أسارير وجهه دفعة واحدة، وتجمد ماء وجهه صار بلا ملامح ولا حس ولا نفس ولا حركة ، ثم علا رنين الهاتف من جديد، ورغم ذلك الرجل مصرعلى عدم الرد، وخائف في نفس الوقت ، وهو يكمل الحوار بصوت منخفض هذه المرة ، يقول للفتاة بأنه غير متزوج ويطمع في الحلال ، وللناس فيما يعشقون مذاهب، وأنه عشقها من أول نظرة وأنه يبحث عن بنت الحلال وأنها نعم التربية ونعم الأصل، أخلاق وجمال .. وبحركة من يدها عدلت الفتاة السمراء شعرها ومسدت صدرها النافر وسوت تنورتها على ركبتيها وربما كانت تقول لنفسها لقد وقع الرجل في شباكي ولن أتركه إلا وهو من نصيبي وكما تقول زوجتي "كل فولة إلا ولها كيالها" ، الهاتف يرن مرة أخرى ويعلو صوته أكثر من ذي قبل، الفتاة السمراء ذي العينين اللامعتين كقطط الليل، تتنفس الصعداء وتقترب منه أكثر حتى كادت تلتصق به، فيما المرأة المهاجرة وهي تحدثني أحيانا عن سحر باريس و وشوارعها وحورياتها ..تطلب من الغريب أن يضع حدا لهذا الرنين المزعج ،فتدخلت الفتاة السمراء من غيرتها قائلة للغريب"رد من فضلك لكي توقف هذا الصداع "الرجل بيد ترتعش كقصبة في مهب الريح، يفتح الخط ويلزم الصمت بين الهاتف وأذنه مسافة شبر، وعلا من سماعة الهاتف صوت مزلزل خشن لإمراة تسب الرجل بفحش ما بعده فحش " لماذا لا ترد ، معك عاهرة أخرى ، لا تشبع من النساء يا ولد ال .." الفتاة السمراء لم تستحمل هذا النعت، فوقفت تسبه وتلعنه وتلعن اليوم الذي صادفته فيه وضحكنا كما لم نضحك من قبل ، الرجل وقد استفزه سباب المرأتيبن وزاده ملحا ضحكنا ، فتوترت أعصابه ، انتفض كالمسعور، طبق على عنق المرأة بيديه الخشنتين المزغبتين ، ولولا وجودنا لكانت الفتاة السمراء في عداد الموتى ، تدخل المسافرون وتدخلت الشرطة ، وبصعوبة أنقذنا الفتاة من موت محقق، والشرطة تقتاده عند أول محطة ، كنت أسمعه يسب نساء العالم ويسب نفسه لثقته بهم ، كان سبابه أقوى من هديرمحركات القطار لذلك ظل طوال الرحلة يذكرنا به ، فنضحك تارة ونلزم الصمت أسفا تارة أخرى.