اتصل بنا
 

أمام “كائنات الفضاء” وانتظار بايدن.. كيف تفسر “لطافة” السيسي المفاجئة تجاه المعتقلين السياسيين؟

نيسان ـ نشر في 2020-10-26 الساعة 19:19

أمام “كائنات الفضاء” وانتظار بايدن.. كيف
نيسان ـ هل توجد -حسب رأيك- كائنات فضائية على الكرة الأرضية؟”، كان هذا سؤالاً طرحه شادي أبو زيد على امرأة مصرية محجبة. “بالتأكيد”، أجابت. “هل رأيتها؟”، “لا، ليس هنا في مصر… في أمريكا وأوروبا”. هل بإمكانهم تخريب الدولة، حسب رأيك؟ بالتأكيد. الشخص الآخر الذي أجريت معه مقابلة شخص مقتنع بأن لا وجود لكائنات فضائية هبطت في مصر: “لا يمكن أن يكون ذلك، فمصر مذكورة في القرآن”، أجاب قاطعاً. كرر أبو زيد السؤال، وسأل: “هل من الممكن أن كائنات فضائية كهذه قد تضر الإنسان؟ والشباب؟”، أجاب “بالتأكيد.. قد تغريهم بالأموال والهدايا، وفي النهاية تأخذهم إلى أحد الكواكب.
منذ العام 2015 وأبو زيد يستخدم خياله ومؤهلاته الساخرة ليطلق سهامه إلى المشاكل الاجتماعية والسياسية والاقتصادية في مصر. طور نجاحه المهني الساخر من خلال برنامج “أبله فهيتا” وهو شخصية كاريكاتورية تفحص الواقع في مصر. يعمل أبو زيد مراسلاً لتغطية الأحداث والرد عليها بطريقته الجدية المليئة بالسخرية. يمتنع عن التعامل بالسياسة مباشرة خوف الاعتقال، ولكنه نجح عن طريق السخرية في وضع مرآة مقعرة أمام النظام، وتحول إلى مدون “يوتيوب” يتابعه ملايين المشاهدين.
في العام 2016، في يوم الشرطي، اليوم الذي يصادف بداية مظاهرات الربيع العربي في مصر، تجاوز “حدود المسموح به”، حين وزع مع عدد من أصدقائه بالونات نفخت بواقيات ذكرية وكتب عليها “الشباب يحبون النظام”. أكثر من 1.4 مليون من المتابعين شاهدوا الفيلم يوم نشره. لم يتأخر الاحتجاج ضده، ولم يتخذ ضد أبو زيد أي حكم لأنه وافق على الاعتذار.
         هذا الاعتذار لم ينه القضية بينه وبين الشرطة بشكل خاص ومع النظام بشكل عام. في أيار، اعتقل أبو زيد ونقل سراً إلى مركز شرطة قرب القاهرة للتحقيق معه مطولاً. في السنتين التاليتين، مكث في المعتقل بدون محاكمة بتهمة الانتماء لتنظيم معاد ونشر أمور كاذبة – هي اتهامات معتادة يستخدمها النظام ضد منتقديه والتي بحسبها اعتقل أو حوكم عشرات آلاف المواطنين.
حسب تقديرات منظمات حقوق الإنسان، فإن 60 ألف شخص هم الآن في المعتقلات والسجون المصرية، وهو رقم تنفيه الشرطة بادعاء أن هؤلاء مجرمون عاديون أو إرهابيون. وفي الأسبوع الماضي، أطلق سراح أبو زيد من المعتقل، وليس واضحاً إذا ما سيقدم للمحاكمة أم لا. كان إطلاق سراحه مفاجئاً، حيث يسمح القانون باعتقال الشخص بدون محاكمة حتى فترة سنتين، ولكن ليس هناك عائق أمام تمديد الاعتقال حسب الحاجة.
ولأن النظام لا يفسر قراراته، خاصة فيما يتعلق بالمعتقلين، فإطلاق سراح أبو زيد طرح فوراً تخمينات تقول إن السيسي ربما بدأ يتأثر من الضغط الدولي الممارس على مصر من أجل إطلاق سراح سجناء وتخفيف ملاحقة الخصوم والمعارضين السياسيين. في الأسبوع الماضي، أرسل 200 من أعضاء البرلمان من دول أوروبا رسالة إلى الرئيس مطالبين بإطلاق سراح سجناء الضمير. 56 عضو كونغرس أمريكي أرسلوا رسالة مشابهة. عرائض ورسائل مطالبة لمنظمات حقوق المواطن الدولية ونشطاء مصريين يتم إلقاؤها في سلة القمامة بشكل عام، ولكن عندما يرفع أعضاء كونغرس أمريكيين صوتهم ربما تأخذ القصة اتجاهاً آخر.
يفهم السيسي، الذي ينتظر نتائج الانتخابات الأمريكية بفارغ الصبر، بأن صديقه المقرب ترامب (الذي وصف السيسي بـ “الديكتاتور المحبب إليه”) قد يفقد مكانه في البيت الأبيض. ومن أجل استقبال جو بايدن، من الأفضل له أن يعرض بعض التصرفات اللطيفة مع المعتقلين الذين يضايقون “الأشخاص الطيبين” الأمريكيين والأوروبيين. إذا كان حقاً هذا هو السبب الذي من أجله يظهر النظام كرماً تجاه معتقلين سياسيين، من بينهم إطلاق سراح صحفيتين متهمتين بنشاط ضد النظام بسبب انتقاد نشرتاه في “تويتر” و”فيسبوك”، فثمة سبب للتفاؤل الحذر.
أما الاحتمالية الأخرى التي تنبع –بحسبها- سعة صدر السيسي تجاه المعتقلين لرغبته في إرضاء الناخبين في الانتخابات البرلمانية التي بدأت في نهاية الأسبوع وستستمر حتى بداية تشرين الثاني، فهي غير واردة على الإطلاق. على الرغم من أن أكثر من 4 آلاف مرشح يتنافسون على 568 مقعداً في البرلمان (من بين 596. الباقي يعينهم الرئيس نفسه)، تعتبر الانتخابات عملية خداع نتائجها معروفة مسبقاً. إذا كان نحو 52 في المئة من مجمل أصحاب حق الاقتراع قد شاركوا في انتخابات 2012، للمرة الأولى منذ عزل حسني مبارك وثورة الربيع العربي، فقد هبطت نسبة المصوتين بعد ثلاث سنوات من ذلك إلى حوالي 10 – 12 في المئة (28 في المئة حسب البيانات الرسمية)، ومن المتوقع أن يهبط الرقم هذا العام أكثر فأكثر.
الثقة بالبرلمان معدومة، حزب السلطة سيواصل كونه واجهة عرض لعملية ديمقراطية مشكوك فيها التي ستعطي النظام فعليا دعماً قانونياً لقراراته. حتى حركات المعارضة قررت التنافس في هذه الانتخابات وعدم مقاطعتها، لا لشيء إلا لتحافظ على وجودها. السيسي غير مهدد من جمهور الناخبين، إنما يبرز خوفه من رد حركات الاحتجاج التي تعرف كيف تثير الشارع، ومن “وسائل إعلام معادية” تعمل في أرجاء الشبكات الاجتماعية. إطلاق سراح معتقلين هو ورقة مساومة سياساتية وليس سياسية.
بقلم: تسفي برئيل
القدس العربي

نيسان ـ نشر في 2020-10-26 الساعة 19:19

الكلمات الأكثر بحثاً