هلك المتنطعون.. في الدين والثورة
وائل قنديل
كاتب مصري
نيسان ـ نشر في 2015-08-17 الساعة 23:21
هل كان مطلوباً أن يقبع المهندس أبو العلا ماضي، رئيس حزب الوسط المصري، في ظلام السجن العمر كلّه، حتى يسلم من ألسنة حداد، تغمز وتلمز، بأن خروجه صفقة مع النظام؟
هل لا بد أن يذهب المواطن المصري إلى المعتقل شاباً بلا سبب قانوني، ويخرج شيخاً بلا سبب أيضاً، حتى ينجو من أولئك الأوغاد، من المتنطعين في الدين، كما في الثورة؟
الرغبة في التشكيك والتشويه، بأحاديث الصفقات مع السلطة، طالت خروج أبو العلا ماضي، كما لحقت بالدكتور محمد سليم العوا، وآخرين من شخصيات سياسية تنتمي إلى تيار الإسلام السياسي، والعجيب أن التشكيك، هذه المرة، يأتي أيضاً من محسوبين، شكلاً، على هذا الحراك الثوري، إلا أنهم ينتمون، موضوعاً، إلى الثورة المضادة والدولة العميقة، مع الوضع في الاعتبار أن "العميقة" أوسع كثيراً من أن تقتصر على السلطة فقط، إذ تبقى هنالك "معارضة عميقة" أيضاً.
في يوم من الأيام، وصلت بالهجوم الشديد على المفكر والمثقف والمحامي القدير محمد سليم العوا، إلى مناطق بعيدة، غير أنني لم أفقد احترامي له، قيمة علمية وثقافية وسياسية أبداً.. وفي المقابل، سمح ما يتمتع به الرجل من سعة صدر وتقبّل للخلاف أن تمر هذه التجاذبات، في مرحلة شديدة التوتر، إبّان تولي المجلس العسكري الحكم، وتلاعبه بكل الأطراف.
أذكر أنه في فبراير/ شباط من العام 2011، كتبت منتقداً بعنف تناقض سليم العوا لرفضه دعوة قوى ثورية للاعتصام المفتوح والعصيان المدني، حتى يسلّم المجلس العسكري السلطة للبرلمان، بينما كان العوا نفسه قبلها بثلاثة أشهر من الموافقين على العصيان المدني، لإسقاط ما عرفت بـ"وثيقة السلمي" التي تتضمن ما يتيح هيمنة المجلس العسكري على الحياة السياسية.
بعد فوز الدكتور محمد مرسي برئاسة الجمهورية، اعترضت على ما تسرّب من أنباء عن تعيين الدكتور العوا في الهيئة القانونية الاستشارية لرئيس الجمهورية، وكتبت إن الشفافية تقتضي ألا يكون العوا مستشاراً قانونياً للرئاسة، كونه يمتلك شركة خاصة للمحاماة والأعمال القانونية، ولم يغضب الرجل، أو الرئاسة.. ثم شرّفت بالمشاركة، صحبة الدكتور العوا وعشرات من السياسيين والقانونيين، في جلسة الحوار الوطني المنعقدة في مقر الرئاسة، عقب الإعلان الدستوري الذي أصدره الدكتور مرسي، وفجّر أزمة سياسية عنيفة، وانتهت الجلسة بإلغاء الإعلان الذي أصدره الرئيس، وإصدار آخر، تلا مواده الدكتور العوا على الهواء مباشرة.
واستمرت اللقاءات والحوارات في مناسبات عدة، حتى وقع الانقلاب، واندفعت البلاد إلى جنون مستعر، وقام العوا وآخرون بمحاولات مخلصة لتجنب الحريق، وقد كان آخر من التقيت قبل مغادرتي مصر في النصف الثاني من يوليو/ تموز 2013، وأشهد أن الرجل لم يترك باباً يؤدي إلى حل سياسي يحقن الدم ويقيم العدل، إلا طرقه، غير أن الجنون كان قد تمكّن من أهل السلطة، فلم يكتفوا برفض الأصوات العاقلة فقط، وإنما سعوا إلى إهانتها والتنكيل بها، ومن هؤلاء الدكتور العوا الذي أعلن مبكراً نفض يده من أية محاولة للتسوية تهدر حق الدم.
الدولة العميقة ليست السلطة فقط، بل تضم أيضاً المعارضة التي أنشأتها هذه السلطة على أعينها، لتقدم خدمات وتلعب أدواراً لا تقل خطورة عمّا تفعله الثورة المضادة الصريحة، ودور هؤلاء في إسقاط تجربة حكم الرئيس محمد مرسي، لا يختلف عمّا قدمه جمهور الثورة المضادة.
الذين حاصروا المحكمة الدستورية، عقب وصول مرسي إلى الرئاسة وهتفوا "إدّينا الإشارة نجيبهم في شيكارة".. لا تقل إساءتهم للرئيس المنتخب، وجرمهم في حق مصر وثورتها، وإهانتهم مفهوم الدولة، عمّا فعله فلول نظام مبارك، وجمهور الثورة المضادة.
هؤلاء المبتذلون الذين اختزلوا التجربة الإسلامية في الحكم إلى استعراض بحناجر ترفع الأذان لقطع جلسة البرلمان على الهواء مباشرة، والتكفير للخصوم والطعن فيهم، واستنزفوا الثورة في معارك عنترية ضد إلهام شاهين، على الشاشات وفي المحاكم، وهدّدوا الرئيس المنتخب بالاعتصام بالميادين حتى يطبّق الشريعة، قبل أن يتسلّم مهام منصبه، هم الأخطر على الدين وعلى الثورة، والأنفع للانقلاب، وإن شتموه بأقذع العبارات وأحطّها.