اتصل بنا
 

من يوميات أسير في قبضة الفيروس ....

نيسان ـ نشر في 2020-11-09 الساعة 15:04

نيسان ـ كنت انتظر الطبيب على أحر من الجمر عندما دخل يتبعه مرافقوه، دخل فجأة وبادر بالسؤال هاه كيف تشعر اليوم ....؟؟؟ قلت في ضعف الحمد لله أشعر بتحسن طفيف، رد بهدوء لا التحسن ليس طفيفاً يا سيدي بل جيد ومحسوس، ثم أردف باسماً يلا تفضل "من غير مطرود" روح على البيت ... خلينا نفضى نشوف غيرك في المستشفى ....، للوهلة الأولى ظننته يمزح ... فعندما دخلت المستشفى قبل يومين كان الإلتهاب قد تسلل إلى الرئتين وكان الوضع مقلقاً وكنت توقع أن تطول الاقامة حتى يحدث الله بعد ذلك أمرا ..... ولكنني سرعان ما أدركت أن الدكتور جاد ولا يمزح عندما أدار ظهره مغادراً وهو يقول، سوف تتابع الخطة العلاجية في المنزل وتراجع بعد أسبوع .....
لا أدري من أية ثغرة غادرة نفذ إلي هذا الفيروس اللعين، فأنا بحكم تقاعدي قبل أقل من عام، قليل الحركة .... وأكاد أقول أنني أصبحت عديم الحركة بعد تفشي الوباء، فأنا مقتنع كامل القناعة بأن الإجراءات الإحترازية والوقائية هي الحل الوحيد في ظل الإنتشار المجتمعي للوباء، وأسرتي كاملة على درجة عالية من الوعي والحرص التام في هذا المجال، فالكل مدجج ببطاقات حمراء وصفراء يرفعونها في وجه أي فرد يتجاوز أو يهمل في إجراءات الوقاية والإحتراز، لم يخطر ببالي ولو لحظة وأنا أتابع احصائيات الوباء يومياً واقارن وأحلل على المستوى المحلي وعلى مدى أكثر من سبعة شهور، أنني سأكون أحد الضحايا وإصابة مؤكدة ضمن ملايين الإصابات المسجلة على مستوى العالم .
لم أتوقف كثيراً عند آلام بسيطة في الحلق شعرت بها قبل سبعة عشر يوماً، وقدرت أن الأمر في الغالب لا يتجاوز حساسية بسيطة أو بداية انفلونزا عادية على أبعد تقدير، لكن الساعات اللاحقة حفلت بأعراض أشد وأكثر تأثيراً، حيث لم تمضي أكثر من أربعة وعشرين ساعة على بداية هذا "العارض البسيط"، حتى دخلت في حالة غير مسبوقة من الحمى والسعال .... حرارة مرتفعة تشعر معها أن رأسك مرجل يغلي بلا توقف، سارعت إلى مراجعة طبيب متخصص على الفور، شعرت بالراحة وهو يؤكد لي أن الأمر برمته بسيط، وأن مضاداً حيوياً قوياً ومخفضات حرارة تؤخذ باستمرار ستحل المشكلة إضافة إلى الإكثار من السوائل، وخرجت من عنده بجرعة كبيرة من التفاؤل، وتهيئ لي أنني لست من الفئات الأضعف في مواجهة الفيروس، فصحتي العامة ممتازة ولا ضغط لدي ولا سكري ولست من المدخنين ولا أعاني من سير مرضية سابقة أو مزمنة .... فلماذا القلق ....؟؟؟!!!
داومت على تنفيذ تعليمات الطبيب، فتناول السوائل لا ينتهي حتى كرهت كل أنواع العصائر والشوربات، وجرعات الباراستمول الخافض للحرارة لا تتوقف، وبدورها الحرارة خصم عنيد لا يتراجع حتى مع الاستعانة بكمادات الماء الباردة، ومع اقتراب الليل تبدأ المشكلة بالتفاقم، فلا السعال المستمر يعطيك فسحة بسيطة للنوم، ولا الارتفاع المستمر في الحرارة يمكنك من الاستفادة من أية لحظات قليلة قد يتسلل فيها النوم إلى عينيك المتعبتين، فسرعان ما تبدأ الكوابيس والهلوسات في تسيد الموقف ....، ولا يتوقف الأمر عند هذه الأعراض فقط فكثير من أجهزة الجسم الأخرى تتهرض للهجوم .... وتحس أن كثيراً من الوظائف الحيوية قد تعطلت أو تكاد بدءاً من فقدان تام لحاسة الشم ، ثم ضعف تدريجي في حاسة التذوق وفقدان للشهية، حتى اصبحت عملية تناول الطعام تمريناً صعباً قاسياً لا بد لك من تجرعه حتى تساعد الجسم في الصمود، ومع استمرار السعال وضيق التنفس، وبمرور الوقت تحاول تجنب النظر في المرآة وانت ترى سمات الحياة والحيوية تختفي من قسماتك تدريجياً، تحاول أن تجد الحل دون جدوى لدى الوصفات الشعبية من خلال استنشاق تبخيرات المياه الساخنة المعززة بالخل والعسل والبيكربونات ....
حوالي اسبوعين كاملين من المعاناة التي لا تنتهي ومن مراجعات لأطباء مختلفين، وصور شعاعية ظهرت في البداية مطمئنة وواعدة، سرعان ما بدأت تعطي مؤشرات مقلقة بمرور الوقت، حتى جاءت الصورة الأخيرة لتعلن بأن الألتهاب قد وصل الرئتين وأن لا بديل عن المعالجة المستمرة في المستشفى ......
لم تكن مدة الإقامة في المستشفى التي لم تتجاوز الأيام الثلاثة سهلة أبداً، صور وتحاليل مستمرة وجرعات لا تنتهي من المضادات الحيوية وأدوية متعددة أخرى لحماية أجهزة اساسية في الجسم، وفي النهاية وبلطف الله وحمده جاءت المؤشرات مبشرة وايجابية .... غادرت على أثرها المستشفى بحيث تستمر رحلة التعافي والشفاء من المنزل....
لا جديد فيما ذكرته عن أعراض وتطورات هذا الوباء، فهي معروفة للجميع وخاصة من ابتلاه الله بهذا الوباء، ما أردت أن أؤكد في هذه العجالة أن الأمر جد خطير، وأن أي تهاون سندفع ثمنه غالياً من صحتنا وصحة آباءنا وامهاتنا ومن نحب، وأن لا حل لنا جميعاً إلا بالإلتزام بإجراءات الوقاية والتباعد الجسدي، وبغير ذلك ستكون الأثمان باهظة ومكلفة أكثر مما نتخيل جميعاً.
حماكم الله جميعاً وجنبكم شر هذا الوباء الخطير.

نيسان ـ نشر في 2020-11-09 الساعة 15:04


رأي: المهندس عادل بصبوص

الكلمات الأكثر بحثاً