اتصل بنا
 

بعد 20 عاما من عودته .. لازال الذئب يثير الجدل والتوتّر في سويسرا

نيسان ـ ترجمة سويس ـ نشر في 2015-08-19 الساعة 12:37

x
نيسان ـ

في سويسرا، يشكل المدافعون عن الذئاب والمعارضون لوجودها مُعسكرين لا يمكن التوفيق بينهما. وبعد مرور عقدين على عودة الحيوان المُفترس إلى الأراضي السويسرية – والمُتمتع بحماية معاهدة دولية – لازال الجدل محتدما.

بطاقات الإعلان عن الولادة كانت جاهزة، لم تكن تحتاج إلا إلى صورة صغيرة: لقد وصلت في منتصف شهر اغسطس. اكتشفت سويسرا ثلاثة ذئاب صغيرة رأت النور في عام 2015 ضمن مجموعة الذئاب الوحيدة – لحد الآن على الأقل – التي تعيش في كالندا بكانتون غراوبوندن. وقال المسؤول عن الحياة البرية في هذا الكانتون في بداية فصل الصيف: "هناك ذئاب صغيرة منذ عام 2012، وبالتالي لم يكن هناك أي سبب لعدم ظهور نسل جديد هذا العام".

هذا الحمل الرابع منذ 2012 أكّدته صور الذئاب الصغيرة التي التقطتها الكاميرات المنتشرة في الجبال. وليس مستبعدا أن يكون عدد هذه الجِراء يتجاوز الثلاثة. في السنوات السابقة، لم يتم التحقق من ولادة 5 إلى 6 جِراء إلا مع حلول الخريف.

وترتكز أنظار المدافعين عن هذا الحيوان المخيف على منطقة "أوغستبورد" في كانتون الفالي. فربما أنجب الذئب المُسمى M46 والذئبة المدعُوة F14 مواليد جدد، وكوَّنا بذلك ثاني مجموعة في سويسرا؟ قد نحصل على الإجابة الشافية قبل نهاية هذا الصيف.

هذه الطريقة – الطريفة والمبتهجة نوعا ما – لتقديم وضع الذئاب في سويسرا تتجاهل بطبيعة الحال المخاوف والإستياء السائدين لدى فئة من السكان جراء تواجد هذا الحيوان المفترس في محيطهم. وانفرد كانتون الفالي بإعطاء الإذن بإطلاق النار على الذئب – لم يعرف من أي نوع هذا الذئب – الذي افترس 38 رأس غنم بين 19 يونيو و8 أغسطس. ومنذ عودة الذئب إلى سويسرا في يوليو 1995، لم يتوقف الجدال بشأنه.

"دور تعديلي"

في يوليو 2015، قدّم المدافعون عن الذئاب حصيلة "غير حاسمة" لتطوّر حضور هذه الحيوانات المفترسة في سويسرا هذا العام. فقط الصندوق العالمي للحفاظ على الطبيعة أحيا هذه الذكرى عبر التشديد على فائدة وجود الذئب. وقالت المنظمة: "إن الغابة والطبيعة يعبران عن شكرهما!". وتوضّح هذه المنظّمةكيف أن الذئب يحافظ على توازن الطرائد في الغابة، والتي بسبب الأضرار التي تسببها للأشجار، تبطؤ تجدّد الغابات.

الذئب أجبر أيضا مربي الأغنام على توفير حماية أفضل لقطعانهم، المودعة في المراعي الجبلية في فصل الصيف. ووفقا لهذه المنظمة المدافعة عن الطبيعة: "الرعي الحر في فصل الصيف، أي ترك الأغنام ترعى بحرية في الأماكن التي تريد، هو امر مستجدّ، من وجهة نظر تاريخية، وهو ليس في صالح هذه القطعان: فمن جملة 200.000 رأس غنم، يلقى كل عام 4000 رأس حتفه، في أغلب الأحيان بسبب الأمراض أو حوادث سقوط. وأقل من 10% بسبب حيوانات مفترسة".

وقد أجبر الذئب المزارعين على اعتماد كلاب الحقول ورعي الأغنام (باتو بيرنيه، وكلب مريم للرعي). وبرغم ما في الأمر من مفارقة، يرى الصندوق الدولي لحماية الطبيعة أن "الذئب أنقذ حياة المئات من رؤوس الأغنام".

"غريزة القتل"

هذه التصريحات استفزّت مزارعين فقدوا جزءً من قطعانهم، مثل دانيال إمهولز، وفيرنر هيرغر، مربي أغنام بإزينثال، في كانتون أوري. والوصول إلى هذه المنطقة يمرّ عبر طريق ضيقة، شديدة الإنحدار، فوق خليج البحيرة التي تلتقي عندها الكانتونات الأربعة، والتي كانت موضوع فيلم قصير نُشر على موقع يوتيوب. ومن هناك، يجب كذلك الصعود إلى إحدى مقصورات التلفريك، ثم السير على القدم لمدة ساعتيْن للوصول إلى مراعي القرية حيث كان المزارعون يودعون قطعانهم في الصيف سابقا. وأقول سابقا، لأن المربين، قد أنزلوا قطعانهم في شهر يونيو، بعد مرور ذئب قتل خمسين من الغنم في المنطقة، منها عشرون رأسا من قطيع دانيال إيمهولز، وفيرنر هيرغر.

يقول فيرنر، وقد استشاط غضبا: "هذا الذئب تحرّكه غريزة القتل. فهو لا يصطاد ضحاياه لسدّ رمقه، لأنه هاجم أعدادا كبيرة من الأغنام في آن واحد". ويضيف زميله إيمهولز: "بعد مرور الذئب، جاء مختصّون لينظروا كيف يمكن توفير الحماية لقطعاننا. وقد اعترفوا بأنه من الصعب جدا اعتماد كلاب حراسة".

بالنسبة لكريستينا ستاينر، متخصصة في الطب البيطري، ورئيسة جمعيةCHWolfالتي تدعم المربين في تدابير الحماية التي يلتجؤون إليها: "حماية الأغنام ممكن عمليا في أي وضع كان. وصحيح أن ادماج كلاب في قطعان الأغنام، لكي لا تصاب هذه الأخيرة بالذعر، يحتاج وقتا طويلا. وإذا كان الإستثمار كبيرا جدا، على سبيل المثال بسبب التضاريس الصخرية، والمواقع الوعرة، فإنه من الممكن في هذه الحالة، التخلّي عن الرعي الصيفي في بعض المناطق بجبال الألب".

انقاذ السهول والبطحاء

هذا هو ما يريد الوصول إليه بالضبط دانيال إيمهولز: "نحن نضمن الحفاظ على السهول. والأغنام تظل مصدر دخل مهم. ومن دوننا نحن، تغلق المدارس أبوابها، وتصبح السهول مهجورة من سكانها، ولكن الوشق قد عاث فيها فسادا، وقد انخفض عدد اليحمور (نوع من الأيائل) بشكل ملحوظ، وكذلك حدث أيضا مع الظبى. ويكاد الذئب يضع حدا للحياة في سهولنا".

لكن دانيال إيمهولز يستدرك قائلا: "صحيح أن الذئب ليس إلا عامل من بين عوامل أخرى، وأنه يجب علينا بذل كل الجهد للحفاظ على الزراعة هنا. فحتى لو قتلنا الذئب، لن تحلّ المشكلة". ثم يضيف: "لا خيار، وينبغي اتخاذ كلاب حراسة".

في غروابوندن، حيث تعيش مجموعة الذئاب الوحيدة، أصبحت في السنوات الأخيرة، كلاب حراسة القطعان منتشرة على نطاق واسع، وبات الوضع "هادئا إلى حد كبير"، وفقا لجورج بروسي، مدير مكتب الصيد وصيد الأسماك بالكانتون. وبحسب هذا المسؤول: "هذه المجموعة من الحيوانات المفترسة لم تعد تمثّل مشكلة نسبيا. ولكننا نحن محظوظون لأن لدينا أرض منبسطة إلى حد كبير".

وفي كانتون الفالي، حيث ظهر الذئب من جديد في عام 1995، تسود لهجة مختلفة جدا. كلاب الحماية محدودة العدد، والأغنام المفترسة تحتلّ عناوين الأخبار بانتظام. ويطالب بإلحاح كل من المزارعين والصيادين والسياسيين بمزيد من التراخيص لإطلاق النار على هذا الحيوان القاتل. تراخيص محكومة بشروط صارمة، لأن الذئاب محمية بواسطة اتفاقية دولية وقعت في برن في عام 1979.

وضع تحت السيطرة

مع ذلك، ومنذ منتصف شهر يوليو، أتيحت امكانيات جديدة للكانتونات للسيطرة على الذئب. وبالفعل تم تنقيح النظام المعمول به، ويجب أن تتحقق شروطا معينة قبل السماح بإطلاق النار – كحدوث أضرار كبيرة، او تعرّض البشر لخطر محدق.

وتوضّح كريستينا ستاينر بأن "الذئاب لا تمثّل في حد ذاتها خطرا على حياة البشر. وهي تتجنّب الإنسان بقدر الإمكان. لكنها، لا تتجنّب المنازل بالضرورة. وقد يصبح الذئب خطيرا تجاه الإنسان الذي يوفّر له الغذاء مثلا، إذا ما تخلى عن رباطة جأشه".

وطبقا للنظام المعدّل حديثا، بالإمكان القضاء على نصف عدد أفراد المحضنة الواحدة، بشرط اعطاء المكتب الفدرالي للبيئة الضوء الاخضر لفعل ذلك. في المقابل، في حال الذئاب المنعزلة، يعود اتخاذ القرار بإطلاق النار ام لا إلى الكانتونات. وحتى في هذه الحالة، لابد من توفّر شروط محددة. وقبل التعديل، كان القرار في ذلك يعود إلى لجنة مشتركة بين الكانتونات.

وتقول كريستينا ستاينر منتقدة: "هذا المرسوم يترك مجالا واسعا للتأويل والتفسير إلى الكانتونات. وليس من السهل دائما التمييز بين الحيوانات الصغيرة، والحيوانات البالغة. ولكن إذا تم قتل الحيوانات الكبيرة، فقد تفترق المجموعة كلها. عندئذ سوف تبدأ الحيوانات الصغيرة في البحث عن فريسة سهلة، وهو ما قد يؤدّي إلى مضاعفة الأضرار".

وينص المرسوم وفقا لربيكا رايشلين، الناطقة بإسم الكتب الفدرالي للبيئة بصريح النص على أنه "يجب عدم استهداف الحيوانات المنجبة. وفي حالة الشك وعدم اليقين، ليس للصيادين الحق في إطلاق النار". ولهذا السبب بالذات، يرى سكان كانتون الفالي، أن القانون الجديد لا يحقق الأهداف المرجوة. ويعتقد بيتر شايبلر، رئيس قسم الصيد، وصيد الأسماك، والحياة البرية أنه "كان لابد من تسهيل الإجراءات والتدابير بما يمكّن من إطلاق النار بسهولة".

وفي سويسرا، يرمز الذئب أيضا إلى الهوة الفاصلة بين "الريف والمدينة". وأهل الحضر يعرف عليهم "تعاطفهم وحبهم لهذه الذئاب"، وبالنسبة لجورج بروسي من غرابوندن "بسرعة ما يزول الخوف من هذه الحيوانات المفترسة".

أما في إيزنثال، فلا يكاد يهدأ غضب دانيال إيمهولز: "من السهل القول إن عودة الذئب خبر سار، عندما نكون من قاطني المدن. وهؤلاء يطالبون بفعل شيء ما ضد الثعالب. حسنا، نحن أيضا، ليس لدينا مشكلة مع الثعالب!".

نيسان ـ ترجمة سويس ـ نشر في 2015-08-19 الساعة 12:37

الكلمات الأكثر بحثاً