أضواء على سيرة الشهيد وصفي التل 5
د. فيصل الغويين
أكاديمي أردني
نيسان ـ نشر في 2020-12-19 الساعة 22:22
نيسان ـ (1)
عارض وصفي التل دخول الأردن حرب حزيران 1967، عندما كان رئيساً للديوان الملكي، وكان يرى أنّ الهزيمة ستكون محققة؛ لأنّ العرب غير مستعدين لخوض الحرب، كما أنّ المعلومات المتوافرة لديه لم تكن تدعو إلى التفاؤل بنتائجها، فنصح الملك حسين بعدم دخول الحرب.
وبعد انتهاء الحرب بثلاثة أيام استقال من منصبه. ولكنّ وصفي الذي عارض دخول الحرب لم يلبث بعد الهزيمة أن أخذ يقول: الآن علينا أن نحارب،. وكان يرى أنّه لا يمكن الوصول إلى حل مشرف إلا بالحرب، وإنّ إسرائيل لن تنسحب من الأراضي المحتلة بغير قتال.
(2)
وفي محاضرة له في نادي الأردن في 6 تشرين الأول 1969، شدد على أهمية الذاكرة الواعية التي تقف على مواضع الخطأ والصواب، وتسجلها وتعيها. ورأى أنّ هزيمة حزيران أكدت أنّ إسرائيل أداة وقاعدة لأعداء العرب جميعهم، وأنّ بلاء العرب يكمن في التجزئة، وأنّه لا بد من الاعتماد على العقل وعلى مواجهة الحقائق بشجاعة، وأنّ الصدام مع العدو يجب أن يحدث وفق خطة قومية شاملة.
وأوضح أنّ أي نضال عربي يخرج عن معركة فلسطين لا يعول عليه، وأنّ هذه المعركة المصيرية هي معركة البداية والنهاية.
كان أمله في النصر واستعادة الأرض والكرامة يعمران قلبه، وكان يقول: الأمم تنتصر وتنهزم، وهذا أمر طبيعي، ولكن الركون إلى الهزيمة وعدم دراسة أسبابها هو الأمر غير الطبيعي، وكان ينظر إلى هزيمة حزيران على أنّها هزيمة نفسية أولاً، وهزيمة عسكرية ثانياً، رافضا الحلول السلمية لأنّها في رأيه تعالج الأعراض العسكرية للهزيمة، أما الآثار النفسية للهزيمة فلا علاج لها إلا بنصر عربي، وكان يعتقد أنّ هذا النصر ممكن، إذا استفادت الأمة العربية من تجاربها، ونظّمت صفوفها، وحشدت إمكاناتها.
(3)
بعد حرب 1967 اقترح وصفي نسقا من الدفاع يشترك فيه الجيش النظامي والجيش الشعبي، بحيث ينضبط الطرفان في خط دفاعي متماسك يتحصن في مرتفعات الضفة الشرقية، بينما تقوم فصائل مسلحة بالعمل داخل الأراضي المحتلة.
وفي مقابلة صحفية في نيسان عام 1971 قال:” لا يحرر فلسطين إلا جيوش موحدة عالية التدريب، ولديها إرادة القتال، بالإضافة إلى تثوير الأهل في الوطن المحتل”.
وكان يؤكد على الدوام أنّ الأردن يجب أن يكون الأنموذج العربي في بناء القوة الذاتية، وفي حشد المجتمع، وتوحيد الصفوف، ومن هذا المنطلق طرح شعار بناء مجتمع قرطاجنة، المجتمع الذي تنتظم فيه كل الإمكانات البشرية والمادية وتحشد من أجل تحقيق النصر.
مثّل التل نموذجاً خاصا للاهتمام الأردني بفلسطين وبقضيتها، وكان من الأردنيين القلائل الذين كيفوا حياتهم فكراً وعملاً من أجل فلسطين، وقضوا من أجلها، وكان من العرب القلائل الذين امتلكوا نظرية مدروسة متكاملة للرد على العدو الصهيوني، وكانت نظريته تقوم على أساس أنّ هذا الرد لا يتحقق إلا من خلال قيام دولة عربية متحدة إلى الشرق من الكيان الصهيوني، تشمل الأردن وسوريا والعراق؛ لأنّ قيام هذه الدولة هو الضمان الحقيقي لحصر العدوان ثم دحره خارج الوطن العربي، وكان يعتقد أنّ قيام هذه الدولة بحد ذاته، علامة بارزة في طريق الوحدة العربية، بصرف النظر عن أي أسلوب أو وسيلة تستخدم لتحقيقه.
(4)
اقترح وصفي تطوير أربع جبهات رئيسية، ثلاث منها دفاعية، ورابعة للهجوم والتصدي، والجبهات الدفاعية هي: الجبهة الشمالية لسوريا، والجبهة الشرقية للأردن، والجبهة الجنوبية لمصر، أما الجبهة الرابعة فسماها الجبهة الوسطى، وتتشكل بصورة رئيسية من الفلسطينيين، وتعمل داخل الأراضي العربية المحتلة لاستنزاف العدو، وتتحرك وتهاجم من جميع الجهات ومن الداخل، في إطار استراتيجية عربية محددة للمواجهة.
وعلى أساس هذا المشروع اتفق مع قادة المقاومة في الأردن على إعداد كوادر الجبهة الوسطى، وطلب اختيار ما يعادل مجموعة لواء ليعاد تدريبه في معسكرات تدريب القوات الأردنية الخاصة على هذا النوع من القتال. وكان يردد دائماً: سأجعل كل فرد من أفراد قوات هذه الجبهة من خلال التدريب المكثف، يكافئ في قدرته على الصمود وكفايته في القتال عشرة من المقاتلين العاديين.
(5)
في1 حزيران 1970 ألقى محاضرة مطولة في الجامعة الأردنية بعنوان (حقائق المعركة)، تضمنت المرتكزات التي يستند إليها العقل الصهيوني في معركته مع الأمة العربية، وهوية الحركة الصهيونية والتي اعتبرها " تسمية جديدة لمؤامرة قديمة، نشأت مع اليهودية ولكنها فسرت نفسها من جديد بأبعاد جغرافية وسياسية واقتصادية".
وبعد أن يحدد نقاط قوة العدو، فإنّه يشخّص نقاط ضعفه قائلاً :" .. من أهم نقاط الضعف في البنيان والحشد الاسرائيليين أنه متشنج ومشدود ومتوتر، هذا التشنج أو الشد أو التوتر يظل مظهر قوة فعالة حتى نزول أول ضربة مضادة، عميقة، قوية، مصممة، ومثل هذه الضربة - شرط أن تكون وليدة خطة - قد تصبح بداية تراجع، وإذا أحسن استثمارها ثم تتابعت مثيلاتها أمكن أن تتحول إلى اندحار وربما إلى انهيار... ومن هنا خشية العدو ألا يستطيع تحمل هزيمة واحدة".
ويخلص في هذه المحاضرة الاستراتيجية إلى ضرورة أن نزيل من أذهاننا ومن تخطيطنا الأوهام والخرافات التالية:
1- خرافة الحلول السلمية بشتى أشكالها وصورها.
2- خرافة احتواء إسرائيل، أو إمكان التعايش، أو الانسجام معها.
3- خرافة الاعتماد على ما يعتقد أو يبدو أنّه متناقضات بين مختلف الأحزاب والطبقات اليهودية داخل إسرائيل.
4- خرافة الاعتماد على الضغوط والوساطات الدولية والرأي العام العالمي.
5- الأوهام التي تتوقع إمكان انسحاب إسرائيل من بعض الأراضي المغتصبة أو كلها دون ثمن غال تأخذه، أو من إكراه شديد لا يكون
بمحض إرادتها وبلا ثمن تتقاضاه.
6- خرافة وأوهام من يعتقدون أنّ في وسعنا أن نتحاشى صداما مصيرياً مع الصهيونية.
وقد أثبتت الأحداث وخاصة منذ اتفاقية كامب ديفيد وصولا إلى مسلسل التطبيع الجاري وما سيتبعه، دقة وصواب ما ذهب إليه الرجل.... يتبع
عارض وصفي التل دخول الأردن حرب حزيران 1967، عندما كان رئيساً للديوان الملكي، وكان يرى أنّ الهزيمة ستكون محققة؛ لأنّ العرب غير مستعدين لخوض الحرب، كما أنّ المعلومات المتوافرة لديه لم تكن تدعو إلى التفاؤل بنتائجها، فنصح الملك حسين بعدم دخول الحرب.
وبعد انتهاء الحرب بثلاثة أيام استقال من منصبه. ولكنّ وصفي الذي عارض دخول الحرب لم يلبث بعد الهزيمة أن أخذ يقول: الآن علينا أن نحارب،. وكان يرى أنّه لا يمكن الوصول إلى حل مشرف إلا بالحرب، وإنّ إسرائيل لن تنسحب من الأراضي المحتلة بغير قتال.
(2)
وفي محاضرة له في نادي الأردن في 6 تشرين الأول 1969، شدد على أهمية الذاكرة الواعية التي تقف على مواضع الخطأ والصواب، وتسجلها وتعيها. ورأى أنّ هزيمة حزيران أكدت أنّ إسرائيل أداة وقاعدة لأعداء العرب جميعهم، وأنّ بلاء العرب يكمن في التجزئة، وأنّه لا بد من الاعتماد على العقل وعلى مواجهة الحقائق بشجاعة، وأنّ الصدام مع العدو يجب أن يحدث وفق خطة قومية شاملة.
وأوضح أنّ أي نضال عربي يخرج عن معركة فلسطين لا يعول عليه، وأنّ هذه المعركة المصيرية هي معركة البداية والنهاية.
كان أمله في النصر واستعادة الأرض والكرامة يعمران قلبه، وكان يقول: الأمم تنتصر وتنهزم، وهذا أمر طبيعي، ولكن الركون إلى الهزيمة وعدم دراسة أسبابها هو الأمر غير الطبيعي، وكان ينظر إلى هزيمة حزيران على أنّها هزيمة نفسية أولاً، وهزيمة عسكرية ثانياً، رافضا الحلول السلمية لأنّها في رأيه تعالج الأعراض العسكرية للهزيمة، أما الآثار النفسية للهزيمة فلا علاج لها إلا بنصر عربي، وكان يعتقد أنّ هذا النصر ممكن، إذا استفادت الأمة العربية من تجاربها، ونظّمت صفوفها، وحشدت إمكاناتها.
(3)
بعد حرب 1967 اقترح وصفي نسقا من الدفاع يشترك فيه الجيش النظامي والجيش الشعبي، بحيث ينضبط الطرفان في خط دفاعي متماسك يتحصن في مرتفعات الضفة الشرقية، بينما تقوم فصائل مسلحة بالعمل داخل الأراضي المحتلة.
وفي مقابلة صحفية في نيسان عام 1971 قال:” لا يحرر فلسطين إلا جيوش موحدة عالية التدريب، ولديها إرادة القتال، بالإضافة إلى تثوير الأهل في الوطن المحتل”.
وكان يؤكد على الدوام أنّ الأردن يجب أن يكون الأنموذج العربي في بناء القوة الذاتية، وفي حشد المجتمع، وتوحيد الصفوف، ومن هذا المنطلق طرح شعار بناء مجتمع قرطاجنة، المجتمع الذي تنتظم فيه كل الإمكانات البشرية والمادية وتحشد من أجل تحقيق النصر.
مثّل التل نموذجاً خاصا للاهتمام الأردني بفلسطين وبقضيتها، وكان من الأردنيين القلائل الذين كيفوا حياتهم فكراً وعملاً من أجل فلسطين، وقضوا من أجلها، وكان من العرب القلائل الذين امتلكوا نظرية مدروسة متكاملة للرد على العدو الصهيوني، وكانت نظريته تقوم على أساس أنّ هذا الرد لا يتحقق إلا من خلال قيام دولة عربية متحدة إلى الشرق من الكيان الصهيوني، تشمل الأردن وسوريا والعراق؛ لأنّ قيام هذه الدولة هو الضمان الحقيقي لحصر العدوان ثم دحره خارج الوطن العربي، وكان يعتقد أنّ قيام هذه الدولة بحد ذاته، علامة بارزة في طريق الوحدة العربية، بصرف النظر عن أي أسلوب أو وسيلة تستخدم لتحقيقه.
(4)
اقترح وصفي تطوير أربع جبهات رئيسية، ثلاث منها دفاعية، ورابعة للهجوم والتصدي، والجبهات الدفاعية هي: الجبهة الشمالية لسوريا، والجبهة الشرقية للأردن، والجبهة الجنوبية لمصر، أما الجبهة الرابعة فسماها الجبهة الوسطى، وتتشكل بصورة رئيسية من الفلسطينيين، وتعمل داخل الأراضي العربية المحتلة لاستنزاف العدو، وتتحرك وتهاجم من جميع الجهات ومن الداخل، في إطار استراتيجية عربية محددة للمواجهة.
وعلى أساس هذا المشروع اتفق مع قادة المقاومة في الأردن على إعداد كوادر الجبهة الوسطى، وطلب اختيار ما يعادل مجموعة لواء ليعاد تدريبه في معسكرات تدريب القوات الأردنية الخاصة على هذا النوع من القتال. وكان يردد دائماً: سأجعل كل فرد من أفراد قوات هذه الجبهة من خلال التدريب المكثف، يكافئ في قدرته على الصمود وكفايته في القتال عشرة من المقاتلين العاديين.
(5)
في1 حزيران 1970 ألقى محاضرة مطولة في الجامعة الأردنية بعنوان (حقائق المعركة)، تضمنت المرتكزات التي يستند إليها العقل الصهيوني في معركته مع الأمة العربية، وهوية الحركة الصهيونية والتي اعتبرها " تسمية جديدة لمؤامرة قديمة، نشأت مع اليهودية ولكنها فسرت نفسها من جديد بأبعاد جغرافية وسياسية واقتصادية".
وبعد أن يحدد نقاط قوة العدو، فإنّه يشخّص نقاط ضعفه قائلاً :" .. من أهم نقاط الضعف في البنيان والحشد الاسرائيليين أنه متشنج ومشدود ومتوتر، هذا التشنج أو الشد أو التوتر يظل مظهر قوة فعالة حتى نزول أول ضربة مضادة، عميقة، قوية، مصممة، ومثل هذه الضربة - شرط أن تكون وليدة خطة - قد تصبح بداية تراجع، وإذا أحسن استثمارها ثم تتابعت مثيلاتها أمكن أن تتحول إلى اندحار وربما إلى انهيار... ومن هنا خشية العدو ألا يستطيع تحمل هزيمة واحدة".
ويخلص في هذه المحاضرة الاستراتيجية إلى ضرورة أن نزيل من أذهاننا ومن تخطيطنا الأوهام والخرافات التالية:
1- خرافة الحلول السلمية بشتى أشكالها وصورها.
2- خرافة احتواء إسرائيل، أو إمكان التعايش، أو الانسجام معها.
3- خرافة الاعتماد على ما يعتقد أو يبدو أنّه متناقضات بين مختلف الأحزاب والطبقات اليهودية داخل إسرائيل.
4- خرافة الاعتماد على الضغوط والوساطات الدولية والرأي العام العالمي.
5- الأوهام التي تتوقع إمكان انسحاب إسرائيل من بعض الأراضي المغتصبة أو كلها دون ثمن غال تأخذه، أو من إكراه شديد لا يكون
بمحض إرادتها وبلا ثمن تتقاضاه.
6- خرافة وأوهام من يعتقدون أنّ في وسعنا أن نتحاشى صداما مصيرياً مع الصهيونية.
وقد أثبتت الأحداث وخاصة منذ اتفاقية كامب ديفيد وصولا إلى مسلسل التطبيع الجاري وما سيتبعه، دقة وصواب ما ذهب إليه الرجل.... يتبع
نيسان ـ نشر في 2020-12-19 الساعة 22:22
رأي: د. فيصل الغويين أكاديمي أردني