حتى لا تكون سوريا جديدة في اليمن
فتح سعادة
كاتب أردني وخبير مياه
نيسان ـ نشر في 2015-08-23 الساعة 12:18
ما أن بدأت الانتصارات السريعة للمقاومة اليمنية حتى بدأنا نرى نذر الشؤم التي يغض المتفائلون النظر عنها وكأننا لم نمر بهذه التجربة في منطقتنا من قبل.
لقد تمثلت نذر الشؤم هذه في أمرين: العودة السريعة لمليشيا الحوثي للمناطق التي انسحبت منها قصفا وقتلا وتدميرا ثم أفعال الإرهاب المفزعة والتي ينفذها إرهابيون مجهولون يسقطون علينا من السماء ضد من يزعمون أنهم من أنصار المخلوع ومليشيا والحوثي. تفسير المشهد بغاية البساطة. الذين يدعمون هؤلاء المجرمين يريدون إيصال رسالة تقول للشعب اليمني إما الحوثي وصالح أو الإرهاب وحرب استنزاف ضد التحالف العربي. إذن نحن أمام حالة أشبه في تعقيداتها وتعدد لاعبيها وكثرة أصحاب المصالح فيها بالحالة السورية.
هنا نسجل فرقا هائلا بين الحالتين السورية واليمنية. أما في الحالة السورية فالشعب قبل الأزمة لم يكن منهكا بل كان قياسا بالشعب اليمني مرفها جدا وأكثر من ذلك وهذه نقطة تسجل أن ماكينة الإنتاج في سوريا كانت تحظى بدعم الدولة السورية حيث وصل السوريون الى اكتفاء ذاتي غذائيا وكانوا في الصناعة ينافسون تركيا في بعض القطاعات.
أما في الحالة اليمنية فالشعب في مجمله قبل الأزمة منهك وبائس وعلى حافة الجوع ولا سيما في المدن الكبرى حيث تمتليء المدن اليمنية بفقراء الأرياف الذين يجنون أرزاقهم يوما بيوم حيث أن أعدادا هائلة منهم إن تعطل عن كسبه يوما جاع وجاعت عائلته ولا يفيد الحديث هنا عن أغنياء يمنيين كثيرين ولكن بالكاد تجد منهم من يعطي من أجل سد رمق مواطني بلده.
كل ما سبق يعني أن الأزمة في اليمن ستفوق أزمة سوريا في ارتداداتها مائة مرة لأن السوريين كانت لديهم قدرة على التحمل والتصرف وتدبر أمورهم الى حين وكانت لديهم مقدرة أكبر على الانتقال عبر الحدود وكانت حتى المنظمات الإنسانية في وضع أفضل كثيرا في القدرة على تحمل مسؤولياتها تجاه الشعب السوري. إذن حتى المنظمات الإنسانية في بداية الحالة السورية لم تكن بعد منهكة كما هي عليه في هذا الوقت. المنظمات الإنسانية تصرخ الآن أن المجتمع الدولي بالكاد يلبي ثلث احتياجاتها.
إذن نحن أمام سيناريو مرعب في اليمن: احتضان التطرف المجنون من قبل قوى إقليمية تريد استنزاف التحالف العربي وعلى رأسه المملكة العربية السعودية إضافة الى حرب أهلية ستحرق اليمن وستهلك اليمنيين جوعا وغرقا في البحار. إن وضع هذا السيناريو المضاد لسيناريو التفاؤل أمام صناع القرار في اليمن هو ما تقتضيه المصلحة اليمنية وكذلك المصلحة القومية العربية العليا.
إن الاسترخاء والتفاؤل على أساس أن المقاومة اليمنية تحرز تقدما هو الفخ الجديد الذي يجب أن لا يقع فيه التحالف العربي والقول أن دحر الحوثيين حاصل لا محالة طال الزمن أم قصر لا ينفع بل هو الدمار. إن كل يوم يمر دون حسم أو إنهاء لحرب اليمن هو تمكين بقصد أو من دون قصد لقوى عالمية لا تريد خيرا لليمنيين ولا للتحالف العربي.
الاستدراك هنا أنه يمكن كما يقال أن هناك حلولا يجري الإعداد لها وراء الستارة ولكن التجربة السورية واستحضارها هنا لا يبشر بخير من الذي يجري وراء الستارة فقد مضت سنين ونحن ننتظر ما وراء ستارة حل الأزمة السورية دون جدوى.
إن حسم الصراع في اليمن بأقل خسارة ممكنة لليمنيين والتحالف العربي هو مصلحة عليا يمنيا وعربيا. لن ينسى أحد في اليمن ما فعله صالح ولا ما فعلته مليشيات الحوثي ولكن استثمار التفوق على هؤلاء في الميدان الآن أجدى كثيرا من انتظار حسم سيعيد إيران والإرهاب الى المشهد مجددا فخلاص اليميين الآن هو المصلحة وهو الاستراتيجية الصحيحة حتى لو ضمن صالح وعبد الملك الحوثي مخرجا آمنا لهم مقابل ذلك. هل نساوي حياة صالح وعبد الملك الحوثي بمصير أكثر من خمسة وعشرين مليون يمني. إن إخراج صالح وزعيم الحوثيين من المشهد بضمان سلامتهم سيضمن للعرب مسيرة بناء في اليمن ستضمن عدم عودة هؤلاء المجرمين الى اليمن مجددا بعد أن عرف الشعب اليمني حقيقتهم وأدرك خبث نواياهم وبشاعة أفعالهم
وأخيرا فإن ما يفوق كثيرا خطورة عدم الحسم في اليمن على الداخل اليمني هو حرب استنزاف سيقع فيها التحالف العربي وعلى رأسه المملكة العربية السعودية. نقولها بالفم الملآن نخشى على المملكة العربية السعودية من حرب استنزاف في اليمن في ظل انخفاض حاد في أسعار النفط. الأمة بمجموعها بحاجة ماسة الى كل قطر عربي بقي الى حد الآن سالما مما يحاك ضد أمتنا. الحرب حرب عقول وأعداؤنا يحاربوننا الآن بعقولهم ولكن باستخدام أموالنا وأراضينا وأبنائنا. يبددون أموالنا ويخربون أراضينا ويقتلون أبناءنا وهم سالمون غانمون حيث هم.
دعونا نواجه حرب العقول بحرب عقول تجنب أمتنا مزيدا من الدمار والخراب حتى لا نبكي أكثر في فلسطين والعراق وسوريا واليمن.