الأسير وغياب العدالة
عبد الرحمن الراشد
إعلامي سعودي
نيسان ـ نشر في 2015-08-25 الساعة 21:08
من المفارقة الاحتفاء بالقبض على الداعية المتطرف الهارب أحمد الأسير، فيما على الأقل ثلاثة من المطلوبين دوليًا يحتسون القهوة في الضاحية، جنوب بيروت، دون أن تتجرأ الأجهزة الأمنية على اعتقالهم.
تعتقل الأسير بتهم مثل التحريض، وعرقلة سير العدالة، ولا تعتقل المطلوبين الأحياء الثلاثة، المتهمين بقتل رئيس الوزراء رفيق الحريري.
يستحق الأسير اعتقاله على تطرفه وتحريضه ومحاولته تحدي الدولة، لكن العدالة اللبنانية صارت محل سخرية العالم، عندما تتجاهل السلطات متهمين بجريمة أعظم، مثل قتلة الحريري، تفادياً لإغضاب "حزب الله". وغالبية السنة لا يهمها كثيراً اعتقال الأسير، إنما يغضبون من ازدواجية المعايير، والظلم الصريح ضدهم.
هدد بروز أحمد الأسير التركيبة الاجتماعية السياسية القديمة لطائفته السنية. بإعلانه أنه يمثلها، ويدافع عنها، في مواجهة تنظيمات "حزب الله"، أحرج القيادات التقليدية. وهو في الحقيقة كان ظاهرة صوتية، ولم يكن قادراً على بناء تنظيم ميليشيا سنية، وعندما حاول أخفق. الزعامات السنية في لبنان مدنية دائماً. وهذه التركيبة المدنية الرافضة للتسلح، عزز موقفها، بخلاف ما يظنه البعض، وجنّب الطائفة، ولبنان عموماً، حالة حرب أهلية ثانية.
نجاح شعبية الأسير القصيرة سببه أنه عزف على وتر المظالم السنية، وحاول التكسب دعائياً ضد "حزب الله" في القضية السورية، التي كانت تمثل أكبر جرح للسنة. وعندما وجد الأسير نفسه فجأة وسط الاهتمام اللبناني، والإقليمي أيضًا، كشف عن غوغائيته ضد قيادات طائفته السنية. حاول اللعب على المتناقضات المحلية. فهاجم، وحرّض، على سعد الحريري، بحجة أنه لم يدافع عن طائفته في وجه "حزب الله". ثم اصطف مع المتطرفين ضد السعودية ربما لينسجم موقفه مع مموليه، رغم أن السعودية كانت الداعم الأكبر للثورة السورية. مواقفه المتعددة والمتناقضة كشفت عن شخصية زعيم انتهازي.
يرى الأسير في زعيم الشيعة حسن نصرالله أنموذجاً يريد أن يصبح مثله، زعيماً دينياً سياسياً للسنّة، لكن ما كان ذلك ممكناً في لبنان دون دعم خارجي كبير. نصرالله وحزبه ما كان لهم وجود لولا إيران، التي التزمت طوال ثلاثة عقود تمويل الحزب وتدريبه وإدارته لمصالحها العليا في المنطقة. وجاء ذلك على حساب المجتمع الشيعي اللبناني الذي همشت قياداته المدنية المعتدلة، وطغى المتدينون المتطرفون على حياة الإنسان الشيعي، واختطف الحزب أبناء الطائفة فكرياً وعسكرياً، ليكونوا ميليشيا في خدمة الممول الإيراني والسوري، فحاربوا وحدهم إسرائيل لعقود، وهم الآن يحاربون للدفاع عن نظام الأسد في سوريا.
هذا الوضع ليس مقبولاً عند السنّة، ولا توجد حكومات إقليمية سنية مستعدة لبناء ميليشيات تتبعها، لأنها لا تملك مشاريع توسعية أو صدامية. وحتى الحكومات التي استغلت الأسير ودعمته سرعان ما تخلت عنه وباعته.
ومع أن الأسير يستحق التوقيف والمحاسبة، لكن العدالة في لبنان تبدو في أسوأ أيامها، فهي تعتقل داعية دينياً لغوغائيته وتحريضه فقط، وتترك مجرمين قتلة طليقين لأنهم في حماية "حزب الله"!
كل من يشاهد هذا الموقف المحرج، والمخجل، للدولة اللبنانية، يرى دولة تعامل مواطنيها درجات... قانون لمواطني "حزب الله" وقانون للآخرين!
الشرق الأوسط