حماس والتهدئة مع إسرائيل في غزة!
سركيس نعوم
كاتب لبناني
نيسان ـ نشر في 2015-08-26 الساعة 23:07
الكلام الذي تردّد من زمان عن دور إسرائيلي ما في "خلق" حركة "حماس" الفلسطينية كان الهدف منه إفقادها صدقيتها وتأسيس عداء بينها وبين حركة "فتح" ومنظمة التحرير الفلسطينية وزعيمهما الراحل ياسر عرفات. كما كان الهدف منه أيضاً الإيحاء أن هؤلاء مستهدفون من إسرائيل التي ترفض الاعتراف بهم وتحاول إبدالهم بآخرين. هذا ما يقوله القريب جداً نفسه من "الأخوان". وهو كلام عارٍ عن الصحة. لكن ترداده كان يعكس حال توجّس من "حماس" شعرت بها القيادة التاريخية للكفاح الفلسطيني المسلح، وخصوصاً بعد سقوط مؤسّساتها في التراخي والانقسامات، وشعور الشعب الفلسطيني داخل وطنه المحتل أن "حماس" حركة شابة مخلصة ومندفعة. وقد عبّر هذا الشعب عن ذلك في آخر انتخابات تشريعية جرت في الأراضي الفلسطينية المحتلة بإعطائه "حماس" أكثرية المقاعد في المجلس النيابي. علماً أن المراقبين المحايدين في حينه أعادوا الانتصار إلى عامل آخر، من دون أن يقلّلوا من تزايد شعبية حماس في الشارع الفلسطيني، هو انقسامات داخل حركة "فتح" وخوض قيادات وأجنحة أساسية فيها معارك انتخابية ضد بعضها البعض. وهذا أمر قسّم أصواتها الشعبية وحال دون حصولها على الأكثرية.
ماذا تفعل الآن حركة "حماس" الحاكمة قطاع غزة؟ وماذا عن مشروع التهدئة بينها وبين إسرائيل الذي يعمل عليه رئيس الوزراء البريطاني السابق طوني بلير ودولة قطر وجهات أخرى، وخصوصاً بعدما تأكَّد إطلاع "حماس" السلطة الوطنية الفلسطينية عليه وإبداؤها الرغبة في التوصل الى توافق معها حوله؟ بحكم سيطرتها على القطاع فإنها تحكمه، يجيب أحد قيادييها. وهمُّها الأساسي، منذ العملية العسكرية الاسرائيلية عليه في شهر تموز 2014، كان ولا يزال اعادة بناء ما دمّرته خلال 51 يوماً من المعارك. كما أن الهم الأساسي لإسرائيل هو تهدئة القطاع ومنع العمليات العدائية منه وعبره ضدها، سواء بإطلاق الصواريخ على المستعمرات والمستوطنات القائمة في جنوبها أي في ما يسمّى غلاف غزة، أو بتنفيذ عمليات خطف واغتيال باستعمال الأنفاق الكثيرة. فالهمّ الغزّاوي – الفلسطيني هو إعمار ما دمّرته العملية المشار إليها، وإنهاء الحصار المفروض عليها، وفتح المعابر وإنشاء ميناء بحري وتمكين الناس من عيش حياة عادية. والهمّ الإسرائيلي هو طمأنة سكان مستوطنات الجنوب الذين يشعرون بالقلق من تجدّد العنف مع غزة وأهلها. والهمّ الفلسطيني ما كان ليتعمَّق الشعور به لولا الخسارة الفادحة التي لحقت بغزة شعباً وعمراناً واقتصاداً وحرية حركة وعملاً وحصاراً خانقاً في ظروف عربية واقليمية لا تسمح باستمرار المعارك، وتالياً في تحقيق انتصار نهائي فيها. علماً أن "حماس" وأهل القطاع أبلوا بلاءً حسناً في "الحرب" الأخيرة. والهم الاسرائيلي ما كان ليتعمَّق الشعور به لولا اقتناع بنيامين نتنياهو، رئيس حكومة إسرائيل، بفشل العملية التي أمر بها في تحقيق أهدافها أو أهدافه. علماً أنه بعد أيام من بدئها تلقى تقريراً من قياديّين عسكريين إسرائيليّين نصحوه فيه بالتوقف وعدم توسيع الحرب لأنها لن تحقق ما يريده منها. لكنه لم يقتنع، ربما لأنه كان يريد تحقيق أهداف سياسية داخل بلاده. إلا أنه في أواخر العملية قرّر إنهاءها من دون أن تحقّق سوى قتل وجرح الآلاف من الغزاويين وتدمير آلاف البيوت والأبنية ومعظم المرافق العامة.
في ظل الجو المشروح أعلاه، يستطرد القيادي الحمساوي، بدأ التحرك للتهدئة. لكنه يلفت الى أن "حماس" عرضت هذا الأمر على رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية لتأمين موافقة وطنية شاملة عليه، وخصوصاً أن التهدئة ليست سياسية ولا مدة زمنية لها، ولا تمس على الإطلاق الكفاح العسكري وغير العسكري للتحرير. لكنه لم يتجاوب. علماً أن سلطته تلقّت 1,5 مليار دولار أميركي من أصل أكثر من 5 مليارات مقررة لإعادة بناء ما دُمِّر. لكنها احتفظت به ولم تصرفه، وأكملت "حماس" إعادة البناء بوسائل عدة. ويتابع بلير ومعه دولة قطر مساعي التهدئة التي بدأت تعطي ثمارها بسماح اسرائيل بـ800 إلى 1000 "نقلة" مواد ضرورية يومياً لإعادة الإعمار إلى القطاع. طبعاً لم يتمّ التوصل إلى تهدئة رسمية نهائية، لكن العمل عليها جارٍ.
هل تستطيع "حماس" ضمان التهدئة في القطاع بعد ظهور تيارات إسلامية أو منظمات بالغة التشدّد والتطرّف من أبنائه؟ وما هي علاقتها مع مصر الآن؟ وكيف صارت علاقتها مع المملكة العربية السعودية؟
النهار